في كل انعطافة يطل من تفاصيل الحياة اليومية ذلك النوع من الانتهازية التي لا تحتاج الى خطط محكمة ولا منظرين محترفين، بل فقط الى جرأة على الالتفاف على القواعد، وقدرة على تبرير ما لا يبرر. لحظة واحدة من الفوضى، ورقة مسربة، طريق تخضع لاصلاح، مناسبة دينية او عطلة مدرسية، كل شيء يتحول في ايدي البعض الى مدخل لفرض امر واقع جديد، دون انتظار اعلان رسمي او اشعار تنظيمي، ودون حتى عناء تقديم مبرر يقنع او يحترم. لا يقتصر الامر على سائقي سيارات الاجرة الذين استغلوا وثائق غير مؤشرة ليبدؤوا فعليا في تطبيق تسعيرة جديدة، بل يتجاوزه الى تجار يملكون قدرة غريبة على الشعور بقدوم المناسبات قبل حلولها، فيرفعون الاسعار تحسبا، ثم يبقون عليها بذريعة العادة بعد انتهائها. وفي السياحة، تتكرر الحيلة كل صيف: رفع مؤقت في التعريفات بحجة الضغط الموسمي، ثم استقرار صامت على تلك الزيادات حتى اشعار غير وارد. لا احد يشرح، لا احد يعيد الامور الى اصلها، ولا احد يسائل نفسه عن اثر ذلك على الناس. هذه السلوكات لا تخرج من فراغ، بل تنمو في مناخ يعرف ان الرقابة غائبة، وان المؤسسات نادرة الحضور في اللحظات الحرجة، وان المواطن اضعف من ان يقنع او يقاضي او يقاطع. في مثل هذا المناخ، لا يحتاج الفاعل الاقتصادي او المهني الى قانون، بل الى فرصة. يكفي ان تكون هناك مناسبة، او خبر غير مؤكد، او شارع مغلق، ليعاد ترتيب التسعيرات والعلاقات وميزان القوة بين مقدم الخدمة ومتلقيها. ما يثير القلق ليس فقط تكرار هذه الممارسات، بل التطبيع معها. حين تتحول كل مناسبة الى ذريعة، وحين يصبح المؤقت دائما، والطارئ عرفا مستقرا، فان المجتمع لا يفقد فقط توازنه الاقتصادي، بل يفرغ الثقة العامة من مضمونها. تسقط القواعد، ويعاد انتاج اللايقين كاطار عام للتعامل، حيث لا شيء مضمون، ولا حق محفوظ، ولا علاقة تستند الى تعاقد صريح. السكوت عن هذا النمط من الاستغلال لا يعني فقط القبول به، بل يعني اعادة انتاجه بشكل اعمق، واكثر ذكاء. فكلما نجحت حيلة، صارت نموذجا. وكلما مرت ممارسة دون مساءلة، تحولت الى قاعدة. والسؤال الان ليس هل هناك من يلاحظ، بل هل هناك من يملك الارادة لتصحيح هذا المسار قبل ان يصبح العدل نفسه استثناء نادرا؟