تُبنى واجهة طنجة البحرية الشرقية على إيقاع استثماري متسارع، يُكرّسه مشروع "كاب تاورز"، الذي ينهض على محج محمد السادس كنموذج جديد للإقامات الرأسية المرتفعة الكثافة والقيمة، في مجال ترابي خضع لتحولات وظيفية وهيكلية متتالية، انتقلت به من استعمال شبه صناعي إلى مرفولوجيا عمرانية موجهة للعيش الخاص المرتفع الجودة. ويتموضع المشروع عند نقطة انتقالية بين الميناء الترفيهي ومحطة القطار فائق السرعة، على مساحة تُعاد تأهيلها ضمن وثائق التهيئة الحديثة، ويضم سبعة أبراج متعددة الطوابق، إلى جانب وحدة للاستعمال الإداري، ومرافق مدمجة في النسيج البنيوي الداخلي، تشمل فضاءات مشتركة، خدمات إقامات، ومواقف تحت أرضية. وهو ما يجعله أول مركب سكني رأسي بهذا الحجم والنوعية يُنجز ضمن نطاق الواجهة البحرية الشرقية للمدينة. غير أن تمركز المشروع في منطقة مشمولة بالمجال الساحلي، الخاضع لمقتضيات القانون 81.12 المتعلق بالساحل، يفتح الباب أمام تساؤلات تقنية حول شروط المطابقة مع التهيئة القطاعية، ومستوى الامتثال لمسطرة تقييم الأثر البيئي، خاصة في ظل محدودية المعطيات المتاحة للرأي العام بخصوص المسار الإداري السابق لانطلاق الأشغال. ويشير فاعلون متخصصون إلى أن مشاريع بهذا الحجم تستلزم ترخيصا بيئيا صريحا، صادرا عن السلطة الحكومية المكلفة، بعد إيداع ملف تقني متكامل يراعي أثر المشروع على النظم الساحلية، حركية المياه، والتوازن الهيدرولوجي في المحيط المباشر. ويُطرح في هذا السياق إشكال مدى تفعيل آليات الحوكمة الترابية المرتبطة بالمشاريع ذات الوقع المجالي المرتفع، خصوصا في ما يتعلق بمساطر المشاورات القبلية، وإبداء الرأي البيئي، واستشارة اللجان الجهوية للتعمير. ذلك أن مشروعا بهذا الحجم لا يُقاس فقط بمظهره العمراني، بل بمدى إدماجه داخل الرؤية الحضرية التراكمية للمدينة، على مستوى أنماط التنقل، إدارة الموارد، والتجاور المجالي بين أنماط إقامة متباينة. ولا تنبع الإشكالية من رفض مبدئي للتجديد العمراني، بقدر ما تندرج ضمن سؤال مركزي يتعلق بوظيفة المجال الحضري، واستعمالات الواجهة البحرية في ضوء مفاهيم الإنصاف الترابي، والتوازن في توزيع الاستثمارات. فالمجال الساحلي بطنجة، وإن كان مؤهلا لاستقبال مشاريع ذات جودة معمارية عالية، يظل جزءا من نسيج حضري أشمل، تتجاور فيه الحاجة إلى الإقامات الفاخرة مع متطلبات الولوج إلى السكن اللائق لفئات أوسع من السكان. وتُجمع قراءات متعددة على أن تسارع المشاريع العقارية الخاصة على الشريط الساحلي لا بد أن يواكبه تكييف لمنظومة التخطيط نحو تكامل استعمالات، يدمج القيم العقارية المرتفعة دون المساس بمفهوم المجال المشترك، ولا بمبدأ استدامة الشريط الساحلي باعتباره مرفقا عاما بمقتضى القانون. ومن شأن غياب هذا التوازن أن يؤدي، على المدى المتوسط، إلى إنتاج نمط من النمو المنغلق، المحكوم باعتبارات تجارية، على حساب الانسجام الحضري والتنوع الاجتماعي. وفي الوقت الذي تُبنى فيه الإقامات الرأسية بكثافة متصاعدة على مرأى من البحر، تبرز الحاجة إلى تخطيط حضري يعيد ضبط الأولويات، ويضع حدودا وظيفية للتوسع العقاري في المناطق الحساسة، بما يتيح استباق الضغط على المرافق الجماعية، وتفادي إنتاج جزر عمرانية عالية الكثافة، تفتقر إلى الاندماج العضوي في محيطها. ويكشف "كاب تاورز"، بمعماره، ومساحته، وموقعه، عن تحول ملموس في منطق الاستثمار داخل المجال الحضري لطنجة، وهو تحول لا يخلو من فرص، لكنه يستدعي يقظة مؤسساتية، وتدبيرا حضريا قائما على الإدماج، لا على التراكم.