وسط زحمة المركبات في شارع الجيش الملكي بطنجة، تومض إشارات المرور بانسيابية لافتة. أعين إلكترونية تتابع الحركة في الزمن الحقيقي، ترصد، تسجل، وتحلل. من مركز تحكم حديث تدار شبكة مراقبة حضرية متقدمة، تجعل من تدبير السير والجولان خطوة أولى نحو تحقيق حلم طنجة الذكية. - إعلان - ومنذ سنوات، تتغير معالم المدينة بسرعة. مشاريع بنيوية ضخمة، بنية تحتية مؤهلة، واستثمارات في النقل والطاقة والمجال الرقمي. لكنها اليوم تراهن على شيء آخر، التحول إلى فضاء متصل وآمن ومستدام. وكان برنامج طنجة الكبرى، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2013، بداية هذا التحول. أكثر من 7,6 مليارات درهم استثمرت لتحديث مداخل المدينة وواجهتها البحرية وشبكاتها الطرقية. لكن ما بدأ كتهيئة حضرية، تطور إلى مشروع استراتيجي للرقمنة، شمل قطاعات متعددة أبرزها النقل والمراقبة والبيئة. ومنذ سنة 2023، بدأت طنجة في تثبيت أكثر من 500 كاميرا مراقبة عالية الدقة، موزعة على 111 نقطة استراتيجية. الكاميرات متصلة بشبكة ألياف بصرية تمتد على 20 كيلومترا، وترتبط بمركز تحكم جهوي يمكنه التدخل الفوري. الشبكة قادرة على تتبع الحركة، وتسجيل المخالفات، وتعديل توقيت إشارات المرور حسب كثافة السير. وترى نائبة عمدة طنجة المكلفة بالسير والجولان، سمية العشيري، في هذه المنظومة بداية مسار أوسع. وتقول العشيري لجريدة "طنجة 24" الالكترونية السير والجولان ليس مكونا تقنيا فقط، بل هو مدخل لتحسين جودة العيش. فالتحكم في الحركية يعني تدبير الزمن الحضري بطريقة أكثر كفاءة. بالنسبة للمنتخبين، فإن هذا المشروع يعتبر خطوة أولى في سلسلة تحولات تستهدف رقمنة المرافق العمومية وتحديث وسائل النقل. فالمدينة لا تراهن فقط على الحافلات الجديدة أو إشارات المرور الذكية، بل تعمل أيضا على تطوير نظام معلوماتي خاص بمواقف السيارات، وآليات للأداء الذكي، وتطبيقات للإشعار الفوري، في أفق تحسين تجربة المواطن. لكن التحديات كثيرة. فالموارد المالية محدودة، والتكنولوجيات الجديدة تتطلب كفاءات بشرية وتكوينا مستمرا. وتضيف العشيري، أن نجاح هذه المنظومة لا يعتمد فقط على الآلة، بل على وعي المواطن واحترامه للقانون. في الطريق الرابط بين وسط المدينة وطريق الرباط، يتصاعد الضغط المروري يوميا. "نحن نعيد برمجة الإشارات، ونقترح حلولا هندسية لمسارات بديلة"، تؤكد نائبة العمدة. وتضيف أن "التحضيرات لمونديال 2030 تشكل محفزا إضافيا لتسريع وتيرة التحول الرقمي وتطوير شبكة نقل ذكية متكاملة." وتنخرط المدينة أيضا في مشاريع بيئية رقمية. إنارة عمومية بمصابيح LED، أنظمة للتحكم عن بعد في الاستهلاك، محطات شحن كهربائية، ومنصات للرصد البيئي. في الخلفية، تطل منطقة طنجة المتوسط بموانئها ومنصاتها الذكية، كذراع لوجستي متكامل يدعم هذا التوجه. في المشهد العام، لا تبدو طنجة مدينة تحت التجربة، بل مختبرا مفتوحا لمستقبل حضري ذكي. مدخل هذا المستقبل يبدأ من الشارع، من إشارة مرور، من كاميرا تراقب، ومن مسؤول محلي يرى أن الرقمنة ليست رفاهية، بل ضرورة لحكامة حضرية ناجعة. لكن في مدينة ما تزال تتوسع، يبقى التحدي الأكبر هو ربط التكنولوجيا بالعدالة المجالية. أن يستفيد كل السكان من هذه التحولات، وأن تكون المدينة الذكية فضاء للجميع، لا مجرد واجهة عصرية لمناسبة كبرى. ومع اقتراب موعد 2030، تتساءل طنجة بين خطوط سيرها وأضوائها الذكية، هل تكفي التكنولوجيا وحدها لتحديث المدينة، أم أن التحول الحقيقي يبدأ من بناء ثقة المواطن؟