على دراجته النارية، يشق سائق توصيل شاب طريقه بين السيارات في شوارع طنجة المزدحمة، باحثا عن ثوان إضافية تسمح له بإيصال الطلب التالي دون تأخير. مشهد بات مألوفا في المدينة خلال الأعوام الأخيرة، مع الارتفاع الكبير في عدد الدراجات التي تحمل حقائب المنصات الرقمية. ورغم ما يوحي به هذا الحضور الواسع من دينامية تجارية، فإن الواقع الذي يعيشه السائقون يوميا يبدو أكثر قسوة، وسط ضغوط متزايدة ومخاطر مهنية لا تنفصل عن طبيعة هذا العمل السريع. ويقول سائق في الثلاثين من عمره، فضّل عدم ذكر اسمه، إن كل طلب يدر سبعة إلى عشرة دراهم فقط، بينما تقع جميع التكاليف التشغيلية على عاتق السائقين. ويشرح أن الوقود والصيانة وقطع الغيار والمعدات الوقائية "كلها مسؤوليتنا، بينما تعتمد المنصة على تصنيف رقمي صارم يراقب السرعة والاستجابة ويحدد عدد الطلبات التي نتوصل بها". مضيفا أن أي تأخير بسيط في ساعة الذروة قد يعني مباشرة تراجع الترتيب، وبالتالي خسارة فرص العمل في الأيام التالية. خوارزميات بلا توقف ويضطر كثير من السائقين إلى العمل أكثر من عشر ساعات يوميا لتأمين دخل مقبول، خصوصا في ظل المنافسة المتزايدة. ويقول بعضهم إن دخول سائقين جدد بشكل مستمر يقلص عدد الطلبات المتاحة، ما يدفعهم للعمل في أوقات متأخرة أو خلال أحوال جوية سيئة. وتصف مجموعات من السائقين هذا الواقع ب"العبودية الصفراء"، في إشارة إلى لون حقائب شركة "غلوبو" التي تهيمن على نشاط التوصيل في المغرب. ويعتبر العاملون أن هذه التسمية تلخص هشاشة وضعهم، إذ يتحملون التكاليف والمخاطر مقابل مبالغ زهيدة دون حماية اجتماعية كافية. الوضع القانوني بدوره يعقّد الصورة، فالسائقون يصنفون ك"شركاء مستقلين" وليسوا موظفين، ما يحرمهم من الحد الأدنى للأجور والإجازات المدفوعة والتعويض عن الفصل. كما لا يستفيدون من آليات واضحة للطعن في القرارات الرقمية مثل إغلاق الحساب أو تقليص الطلبات. وتشير البيانات المتوفرة إلى أن "غلوبو" تتعامل مع أكثر من 5500 سائق مسجل، بينما يبلغ عدد النشطين فعليا نحو 4500 خلال فترات الضغط. ويؤمّن هؤلاء آلاف الطلبات يوميا لفائدة ما يزيد عن 6000 شريك تجاري في مختلف المدن. سلامة مفقودة وضغط متصاعد الحجم المتزايد للنشاط وضع الشركة تحت متابعة من مجلس المنافسة، بسبب شبهات استغلال موقع مهيمن وفرض تبعية اقتصادية على السائقين والتجار. ومع تنامي الانتقادات، أعلنت "غلوبو" عن برامج دعم تشمل 31 مليون درهم سنويا للسائقين، وصندوقا للتكوين بقيمة 5 ملايين درهم. لكن النقابات ترى هذه الإجراءات غير كافية، معتبرة أن غياب إطار قانوني محدّث لاقتصاد المنصات هو جوهر الإشكال، خصوصا ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتأمين ضد حوادث الشغل. وتبرز خطورة الوضع في حادث مميت وقع في ماي الماضي، حين توفي سائق شاب إثر اصطدام خطير بشارع مولاي إسماعيل، ما أعاد النقاش إلى الواجهة حول مخاطر السرعة وضغط الزمن. وتشير مصادر طبية في طنجة إلى تزايد حالات الطوارئ المرتبطة بحوادث سائقين، مع تسجيل إصابات شبه يومية تختلف في حدتها. وتوجد السلطات المحلية أمام تحدي تحقيق توازن بين تشجيع الابتكار الرقمي وحماية السلامة العامة. ويجري العمل على تكثيف المراقبة التقنية للدراجات والالتزام بالمعدات الواقية، إضافة إلى دراسة فرض رخص خاصة لهذا النوع من العمل.