مع اقتراب إصلاح مدونة الشغل، يفتح المغرب صفحة جديدة أمام آلاف العاملين في خدمات التوصيل عبر التطبيقات الذكية، في مسعى لإنهاء ما توصفه الأوساط الحقوقية ب"عبودية رقمية" جعلت من العمال مجرد تروس بشرية في منظومة بلا ملامح إنسانية. ولأعوام طويلة، ظل هؤلاء الشباب يشتغلون بلا عقود، بلا حماية، وبلا صوت، تحت سيطرة خوارزميات تتحكم في وتيرة عملهم ومدخولهم اليومي. ولا تُمارس العبودية هنا بالقوة الغاشمة، بل بالاعتياد القاتل؛ إذ يُستبدل السوط بالتقييمات الجائرة، والقيود بأزرار القبول والرفض في تطبيق يقرر من سيعمل اليوم ومن سيُستبعد دون رحمة. ويعترف وزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري بأن هذا القطاع بات يشكل "تحديا هيكليا خطيرا" في سوق الشغل، مؤكّدا أن الإصلاح المقبل سيتضمن تقنين العلاقة بين المنصات والمستخدمين بما يضمن شروطا أكثر إنصافًا. لكن في الميدان، لا تزال الفجوة واسعة وصادمة بين وعود التشريع وواقع العمال الذين يعيشون ما يشبه اقتصاد الظل الرقمي. طنجة .. مختبر "العمل القهري الرقمي" في طنجة، تُظهر مراجعة ميدانية أن المدينة تحتضن ما لا يقل عن 12 جهة نشطة في التوصيل، تشمل خدمات النقل، توصيل الطعام، والطرود المرتبطة بالتجارة الإلكترونية. ويعكس هذا العدد نموًا غير مسبوق ومقلقًا في الطلب الحضري، لكنه في الوقت نفسه يخفي هشاشة قانونية مطلقة ومخيفة. فالعاملون لا يتمتعون بأي تغطية اجتماعية، ويُصنّفون ك"متعاونين مستقلين" في تلاعب قانوني صارخ، دون حد أدنى للأجور أو تأمين ضد الحوادث، رغم الطابع المهني الصرف والمرهق لما يقومون به. وتحوّلت طنجة، بما تشهده من زخم تجاري وسياحي، إلى مختبر فعلي لهذا الشكل الجديد من العمل القهري: منصات رقمية تنشط بحرية مطلقة، وعمّال يشتغلون من دون ضمانات، في منطقة رمادية مظلمة لا تُعرّفهم كأجراء ولا كأصحاب مهن حرّة. معركة التحرر من "سيطرة الخوارزميات" ويرى مراقبون أن التقنين المرتقب لا يمثّل مجرد إصلاح قانوني روتيني، بل بداية معركة تحرر حقيقية من عبودية العصر الرقمي، حيث تتخذ السيطرة شكل واجهات براقة ووعود خادعة بالاستقلال الذاتي. غير أن الخلاص الحقيقي لن يتحقق، بحسب خبراء، إلا حين يُعاد تعريف العمل ذاته في زمن التطبيقات: عمل يضمن الأجر العادل، الحماية الفعلية، والحق في الكرامة قبل الحق في الاتصال. ومع استعداد طنجة لاحتضان استحقاقات قارية وعالمية، يكتسب هذا التقنين رمزية إضافية حارقة، إذ يتجاوز مجرد تحسين صورة المدينة نحو تصحيح خلل اجتماعي عميق وفاضح. فبين شوارعها، لا تزال دراجات التوصيل تدور بلا توقف ولا هوادة، شاهدة على عبودية جديدة صارخة، تنتظر لحظة تحررها الموعودة.