لم يعد النقاش في مدينة طنجة، كغيرها من الحواضر الساحلية الكبرى، يدور حول احتمالات تأثرها بالتحولات المناخية، بل انتقل إلى عمق البحث عن آليات تدبير واقع مناخي جديد، يتسم بتساقطات مطرية قوية ومركزة واضطرابات بحرية متكررة، ما يضع البنية الحضرية للمدينة أمام اختبار دائم لقدرتها على الصمود. وراكمت "عاصمة البوغاز" خلال العقدين الأخيرين استثمارات هامة في البنية التحتية، ركزت بشكل أساسي على تصريف مياه الأمطار وحماية الأودية الحضرية، وذلك في سياق برامج وطنية وجهوية للوقاية من الفيضانات. وتفيد معطيات رسمية لقطاع التجهيز والماء بأن هذه التدخلات شملت تهيئة مقاطع حساسة لأودية مثل مغوغة والسواني وليهود، وهي مشاريع انطلقت فعليا بعد فيضانات عام 2008، وتواصلت عبر مخططات هيكلية، أبرزها برنامج التنمية الحضرية الذي خصص لوادي مغوغة اعتمادات قاربت 670 مليون درهم، همت تعميق المجرى وتدعيم الجدران الحاملة وإحداث منشآت تقنية لتخفيف ضغط السيول. وفي قراءته لهذا السياق العمراني، يرى الخبير في البيئة والتعمير أحمد الطلحي أن تشييد المدن قرب مصادر المياه لا يشكل "خطأ عمرانيا" بحد ذاته، مستدلا بالحواضر التاريخية المغربية كفاس وسلا والرباط التي شيدت بمحاذاة الأودية مع اتخاذ احتياطات إنشائية وطبوغرافية. ويستدرك الطلحي موضحا أن هذه التدابير لا تمنع وقوع الفيضانات في الحالات الاستثنائية التي تسجل حمولة مائية غير معتادة، مشيرا إلى أن مدنا مثل آسفي سجلت تاريخيا فيضانات متكررة رغم وجود عناصر الحماية، مما يؤكد أن الرهان يكمن في تدبير الخطر وتقليص آثاره لا إلغائه كليا. وتعتمد وثائق التعمير في طنجة، وفي مقدمتها تصاميم التهيئة، على خرائط هيدرولوجية تحدد بدقة مجاري الأودية والشعاب، حيث يتم تصنيف مناطق يمنع أو يقيد فيها البناء وتوجيهها غالبا لتكون مناطق خضراء، أو إخضاعها لتدخلات تقنية كتحويل المجاري وشق القنوات، كما هو الشأن في عدد من المقاطع التي خضعت لإعادة الهيكلة داخل النسيج الحضري للمدينة. وشهدت شبكات تصريف مياه الأمطار توسعا ملحوظا، خاصة بعد حادث غرق عمال داخل ورشة بحي الإناس سنة 2021، الذي شكل منعطفا لإطلاق برنامج استعجالي للفترة الممتدة بين 2022 و2024 بكلفة تجاوزت 310 ملايين درهم. واستهدف هذا البرنامج أحياء العوامة والزياتن وبوخالف والمناطق الصناعية مغوغة والمجد، عبر توسيع الشبكات وتصحيح ميول الطرق وتدعيم منشآت العبور. ويصطدم هذا التراكم في التجهيزات بعوامل ضغط بنيوية متزايدة، أبرزها التوسع العمراني المتسارع والطبيعة الطبوغرافية المنحدرة لأحياء المدينة، فضلا عن المخاطر الساحلية التي تصنف خليج طنجة ضمن المناطق ذات التعرض المرتفع، نظرا للتركز السكاني والبنيات السياحية الحيوية المعرضة لاحتمالات ارتفاع منسوب المياه والاضطرابات البحرية، وفق دراسات دولية حديثة. وتكتسي وضعية طنجة خصوصية إضافية بحكم تموقعها بين واجهتين بحريتين، المتوسطية والأطلسية، ما يجعلها عرضة لتأثيرات متقاطعة للاضطرابات الجوية والبحرية. فالمدينة تتأثر بأنظمة مناخية مختلفة، من رياح قوية وتغيرات مفاجئة في اتجاه الأمواج، إلى تفاوت في طبيعة العواصف البحرية بين الساحلين، وهو ما ينعكس مباشرة على الشريط الساحلي والبنيات التحتية المينائية والطرقية والسياحية. هذا التداخل بين نظامين بحريين يرفع من درجة التعقيد في تدبير المخاطر، ويجعل طنجة في مواجهة ضغوط مزدوجة، برية وبحرية، تتطلب مقاربة وقائية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار تزامن التساقطات المطرية مع اضطرابات بحرية قد تعيق تصريف المياه وتزيد من هشاشة بعض المقاطع الساحلية. وأمام هذا الوضع، يؤكد أحمد الطلحي حاجة المدن للانتقال من التدخل الظرفي إلى سياسات تأقلم استراتيجية، داعيا إلى إعداد مخططات محلية للمناخ خاصة بالمدن الكبرى، تتضمن خرائط دقيقة للمخاطر وتوزيعا واضحا للمهام ورصدا لميزانيات قارة. وبينما تبدو طنجة اليوم أكثر جاهزية مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين، فإن واقعها المناخي الجديد يفرض مواصلة تكييف التخطيط العمراني والاستثمار العمومي مع معطيات علمية ومناخية أصبحت جزءا لا يتجزأ من يوميات المدينة، لا مجرد استثناءات عابرة.