تقاطعت خلاصات تقرير حديث للبنك الدولي حول محورية النقل في التنمية الاقتصادية مع تحولات ميدانية تشهدها مدينة طنجة، التي شرعت قبل نحو أسبوع في تشغيل مرحلة جديدة من خدمات النقل الحضري، معتمدة على أسطول حديث ونموج تدبير مفوض يرمي إلى مواكبة الدينامية الصناعية واللوجستية للمدينة. وأفاد البنك الدولي في تقرير صدر بعنوان "مسارات الصمود: قوة النقل وفرص الشغل في المغرب واليمن"، بأن الاستثمار في النقل الحضري تجاوز كونه مجرد تطوير للبنية التحتية، ليصبح أداة حاسمة في تعزيز الصمود الاقتصادي وتحسين فرص الولوج إلى سوق الشغل، وهي المقاربة التي تحاول طنجة تنزيلها لربط أحيائها السكنية بمناطق النشاط الاقتصادي المتزايد. وأشار التقرير إلى أن برامج النقل التي نفذت في المدن المغربية الكبرى نجحت في خفض متوسط زمن التنقل اليومي بحوالي 20 دقيقة للفرد. واعتبر خبراء المؤسسة الدولية أن هذا الهامش الزمني يكتسي أهمية بالغة، إذ يوسع المجال الجغرافي للبحث عن عمل دون اضطرار الأجراء لتغيير محلات سكنهم، مما يخفف الكلفة الاجتماعية للتوسع العمراني. وتكتسي هذه المعطيات أهمية خاصة في طنجة، التي تعد ثاني قطب اقتصادي بالمملكة، حيث يشكل الربط السلس بين التجمعات السكنية والمناطق الصناعية والمينائية تحديا يوميا لآلاف العمال. وتركز الاستراتيجية الجديدة بالمدينة على تحسين انتظام الرحلات وتقليص فترات الانتظار، وهو ما يتناغم مع تحليل البنك الدولي الذي يربط بين موثوقية النقل وانخفاض معدلات التغيب عن العمل والاستقرار المهني. وفي الشق الاجتماعي، لفت التقرير الانتباه إلى أن النساء يشكلن 45 في المائة من المستفيدين من مشاريع النقل الحديثة بالمغرب. وأكد أن توفير نقل آمن ومنتظم يزيل عوائق غير مرئية أمام عمل المرأة، مثل مخاوف السلامة وطول المسافات، وهي عوامل غالبا ما تحد من مشاركتهن الاقتصادية مقارنة بالرجال. وخلصت المؤسسة المالية الدولية إلى أن المدن التي تنجح في التحكم بأزمنة التنقل تكون أقدر على جذب الاستثمارات والحفاظ على تنافسيتها. ويأتي تحديث أسطول النقل في طنجة كخطوة عملية في هذا الاتجاه، تهدف إلى تحويل الوقت المهدور في الطرقات إلى مورد إنتاجي، مع تعزيز أهداف الاستدامة البيئية عبر تقليص الاعتماد على السيارات الخاصة في مدينة تشهد توسعا ديمغرافيا متسارعا.