يتكرر المشهد ذاته كل مساء قرب الشواطئ الرئيسة لمدينة طنجة، حيث تقف حشود من المصطافين عالقة بمحطات الحافلات وسيارات الاجرة، في انتظار وسيلة تقلهم الى منازلهم بعد يوم طويل من الاصطياف، وسط اختناق مروري خانق يعكس ازمة بنيوية في منظومة النقل العمومي داخل المدينة. عند مدخل اشقار، غرب طنجة، حيث يطل الساحل الاطلسي بأجوائه المنعشة، يتقاطر المئات على محطة سيارات الاجرة الكبرى، بعضهم يفترش الرصيف، وآخرون يلوحون يائسين للحافلات العابرة التي تمضي محملة عن آخرها دون توقف. "كأننا نغادر مخيما لا مدينة سياحية"، يقول زكريا، شاب في العشرينات، ينتظر مع اصدقائه منذ اكثر من ساعة. "كل صيف نذل فقط لأننا قررنا الذهاب الى البحر". رغم محاولات التدارك، تتسع الفجوة بين العرض والطلب اكثر فاكثر. شركة "الزا طنجة"، المفوض لها تدبير الحافلات، تضطر الى تحويل عدد من حافلاتها من أحياء داخلية نحو الوجهات الشاطئية، في محاولة لتخفيف الضغط على الوجهات الشاطئية مثل اشقار وبلايا بلانكا والسلوقية. لكن هذه التحويلات، التي تمثل حلا ترقيعيا، تؤدي الى تقليص الخدمة عن مناطق اخرى، ما يكرس شعورا عاما بإعادة توزيع الأزمة بدل حلها. "انه صيف النقل المختنق"، تعلق فاطمة، شابة قادمة من حي بنديبان، مستاءة من اضطرارها إلى دفع ما يزيد عن 25 بالمئة فوق التسعيرة المعتادة للوصول الى شاطئ المنار. وتضيف: "حتى ان قبل السائق بالذهاب، فإنه يشترط السعر مسبقا، وهذا خرق لا احد يراقبه". ووضع تصنيف جودة العيش العالمي "نومبيو" لسنة 2025 طنجة في مراتب متأخرة على مستوى النقل العمومي مقارنة بمدن متوسطية اخرى، سواء من حيث الانتظام او التغطية. وتستند تقارير دولية، بينها تلك التي تحلل جاهزية المدن الكبرى لاحتضان التظاهرات الرياضية، الى هذا المؤشر ضمن تقييماتها، خاصة في افق كأس العالم 2030. ومع توسع المدينة وتزايد عدد المصطافين القادمين من مناطق داخلية، تتحول الطرق المؤدية الى الشواطئ الى ممرات شاقة، في ظل غياب ممرات مهيأة للمشاة ومواقف كافية للسيارات. ويؤكد سائقو الاجرة ان غياب الدعم الموسمي وارتفاع اسعار الوقود يجبرهم على فرض تسعيرات غير مضبوطة. "نحن ايضا ضحايا هذه الفوضى"، يقول احدهم. "تنقل زبون واحد الى اشقار قد يعادل نصف يوم من العمل ان عدنا فارغين". ورغم تعهدات جماعة طنجة ومجموعة "البوغاز" بتوسيع شبكة النقل وتحسين الخدمة، تبقى الاجراءات الحالية محدودة الاثر في مواجهة الضغط الموسمي، في انتظار دخول الصفقة الجديدة المتعلقة بالحافلات حيز التنفيذ بداية 2026. هذه الصفقة، التي تندرج ضمن تصور شمولي لتحديث النقل العمومي، تشرف على تنفيذها شركة التنمية المحلية "طنجة موبيليتي"، وتشمل اقتناء اكثر من 400 حافلة بمواصفات تقنية حديثة، بعضها يشتغل بالطاقة النظيفة، مع اعتماد منظومة رقمية لتتبع الحركية وتدبير الاسطول عبر غرفة عمليات مركزية. وينتظر ان تساهم هذه العملية في رفع التغطية الى اكثر من 90 بالمئة من المجال الحضري، وتقليص معدل انتظار الحافلات الى اقل من 10 دقائق خلال ساعات الذروة، مع اطلاق خطوط جديدة نحو المناطق الشاطئية وتكثيف الربط مع التجزئات السكنية البعيدة. كما يشمل المشروع تجهيز مواقف اضافية بكاميرات مراقبة ولوحات معلومات لحظية، واعادة تنظيم الشبكة وفق تصور مندمج يراعي حجم المدينة وتنوع احتياجات التنقل. وعلى بعد يوم واحد من بداية شهر غشت، الاكثر ازدحاما، تتساءل ساكنة المدينة: هل تنجح طنجة يوما في التوفيق بين بحرها الجميل وطريق الوصول اليه؟ ام ان مشهد الانتظار والاختناق سيبقى جزءا من ذاكرة الصيف لسنوات اخرى؟