تتلألأ طنجة هذه الأيام كنجمة على خارطة القارة السمراء، وهي تستعد لاحتضان كأس إفريقيا للأمم، في حدثٍ رياضي استثنائي يحمل بين طياته رمزية كبيرة، ويُجسد طموح المغرب في مواصلة ريادته القارية، وقدرته على تنظيم كبريات التظاهرات الرياضية بمعايير عالمية. من بين أمواج البحر الأبيض المتوسط ونسمات الأطلسي، تنهض طنجة لتقول للعالم: هنا تلتقي إفريقيا بالعالم، وهنا يُكتب التاريخ. رؤية مغربية بنَفَس إفريقي لم يكن اختيار طنجة لاستضافة مباريات كأس إفريقيا صدفة، بل هو تتويجٌ لرؤية ملكية متبصّرة جعلت من الرياضة أداة للتنمية والتقارب الإفريقي. فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، جعل من العمق الإفريقي محورًا استراتيجيًا في سياساته، وجاء تنظيم البطولة في مدينة طنجة ليجسّد هذا التوجه في أبهى صوره، عبر حدث رياضي يربط بين الرياضة والدبلوماسية، وبين المتعة الكروية ورسالة الوحدة الإفريقية. طنجة.. مدينة البنية المتكاملة تبدو طنجة اليوم في أبهى حُلَلها، بعدما تحولت في السنوات الأخيرة إلى حاضرة حديثة بفضل مشاريع بنيوية كبرى أعادت رسم ملامحها. من ملعب طنجة الكبير الذي خضع لتهيئة متكاملة ليواكب المعايير الدولية، إلى شبكة الطرق الحديثة، والنقل العمومي الذكي، والبنية الفندقية والسياحية التي تجعل المدينة قادرة على استقبال عشرات الآلاف من الزوار والمشجعين في أجواء مريحة وآمنة. كل ذلك جعل من طنجة مركزًا حضريًا متكاملًا، يجمع بين أصالة التاريخ ورحابة الحداثة، ويُجسّد قدرة المغرب على تنظيم الأحداث الكبرى بثقة وكفاءة. تنظيم بمعايير عالمية اللجنة المنظمة المغربية أعدّت كل التفاصيل بعناية فائقة. فقد جُهّزت الملاعب بأحدث تقنيات التحكيم بالفيديو (VAR)، وأنظمة المراقبة الذكية، والمرافق الإعلامية المتطورة التي تُمكّن الصحافيين من نقل الحدث لحظة بلحظة. كما تم اعتماد خطط دقيقة لتسهيل تنقل الجماهير بين المدينة والملاعب، وضمان الأمن والانسيابية في كل الفضاءات. ولم تقتصر الجهود على الجانب التقني فحسب، بل شملت تجربة جماهيرية مبهرة، تُبرز الوجه الحضاري لطنجة ودفء مجالاتها السياحية و الثقافية . طنجة... مدينة اللقاء بين القارات ما يميّز طنجة عن غيرها من المدن الإفريقية هو موقعها الجغرافي الفريد، حيث تتلاقى القارتان الأوروبية والإفريقية على ضفتي مضيق جبل طارق. هذا البعد الرمزي يجعل من البطولة المقامة فيها جسرًا حضاريًا بين إفريقيا والعالم، وفرصة للتعريف بثقافة مغربية منفتحة ومضيافة، تُعبّر عن روح التسامح والوحدة التي طالما ميّزت المملكة. فطنجة، بتاريخها العريق الذي عبرت منه الحضارات، تُطل اليوم في ثوبها الرياضي لتستقبل القارة بوجهها المشرق، في مشهدٍ يختزل التاريخ والجغرافيا في لحظة كروية واحدة. احتفاء بالثقافة والهوية لم تغب الأبعاد الثقافية عن المشهد؛ فقد رافق البطولة برنامج متنوع من الأنشطة الفنية والتراثية، من عروض الفلكلور الشمالي والرقص الإفريقي، إلى المعارض الفنية والاحتفالات الشعبية في ساحة الأمم والكورنيش و المدينة العتيقة . كل ذلك جعل من طنجة مهرجانًا حيًّا للوحدة الإفريقية، حيث تختلط الألوان والألحان، وتلتقي القلوب على إيقاع كرة القدم. إنها لحظة احتفاء بالهوية الإفريقية المشتركة، التي يجد فيها المغرب نفسه قلبًا نابضًا للقارة. طنجة منصة لتجديد الثقة في القدرات المغربية تُعتبر كأس إفريقيا في طنجة منصة لتجديد الثقة في التجربة المغربية، تمهيدًا لاستضافة كأس العالم 2030 المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال. فالنجاح في هذا التنظيم هو رسالة إلى العالم بأن المغرب يمتلك الكفاءة، والبنية، والإرادة لتقديم نموذج إفريقي مشرّف، وأن طنجة ليست مجرد مدينة مضيفة، بل رمز للانفتاح والتميز المغربي. الرياضة لغة التآخي الإفريقي في مدرجات ملعب طنجة الكبير، تصدح الأهازيج الإفريقية والعربية، وتتعانق الأعلام من كل أنحاء القارة. هنا لا فرق بين الشمال والجنوب، ولا بين الشرق والغرب، فالجميع جاء من أجل متعة اللعبة الجميلة، ومن أجل إفريقيا واحدة، موحدة بروحها الرياضية. لقد جعلت طنجة من الرياضة جسرًا للأخوة والتعاون، ومجالًا لتلاقي الشعوب على قيم النبل والتسامح، في زمنٍ يحتاج العالم فيه إلى لحظات كهذه، تُذكّره بأن ما يجمع الناس أكثر مما يفرّقهم. طنجة تكتب مجدها الكروي على غرار الأمجاد الاسطورية و الثقافية بهذا التنظيم البديع، لا تُثبت طنجة فقط قدرتها على النجاح، بل تُدوّن اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ كرة القدم الإفريقية. فقد جمعت بين الإبداع التنظيمي، والبعد الإنساني، والإشعاع الثقافي، لتقدم للعالم نموذجًا مغربيًا راقيًا في التنظيم الرياضي. إنها عروس الشمال التي تحولت إلى عاصمة إفريقيا الرياضية، ومصدر فخر لكل مغربي، ورسالة حب وسلام من المغرب إلى كل القارة.