الذهب يقترب من أعلى مستوياته في شهرين    النفط يرتفع في ظل تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    الخطوط الملكية المغربية تطلق برنامجا مكثفا للرحلات الجوية بمناسبة حلول موسم صيف 2025    إيران تعلن عدد قتلاها منذ بدء الغارات الإسرائيلية    تضامنا مع غزة… وقفات احتجاجية تطالب بكسر الحصار ووقف الإبادة    مصرع طفل وإصابة آخرين في حادثة سير بعين الذياب            وزارة الأوقاف تعلن موعد إجراء قرعة حج 1447 ه    النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي تعلن إضرابا وطنيا        توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    الحسيمة والناظور ضمن مناطق الخطورة المرتفعة لحرائق الغابات        لليوم الرابع.. تصعيد حاد بين إسرائيل وإيران يرفع من وتيرة النزاع ويثير قلق المجتمع الدولي    مقتل 24 إسرائيليا وإصابة 592 منذ بدء طهران الرد على عدوان تل أبيب    8 قتلى في إسرائيل وإصابة 287 آخرين ووسائل إعلام عبرية تتحدث عن دمار هائل في تل أبيب الكبرى    "نقاش الأحرار" يحط الرحال بسوس    رخص "مقهى" و"مأكولات خفيفة" تتحول إلى مطاعم دون شروط السلامة.. فأين لجن المراقبة الصحية بطنجة؟        افتتاح ملتقى دولي بأكادير بمشاركة 50 دولة تحضيرًا لأشغال منتدى الأمم المتحدة المعني بالغابات    ألكسندر دوغين: إسرائيل قد تلجأ إلى "خيار شمشون" وتستخدم السلاح النووي    حملات تضليل رقمية تستهدف حموشي.. وتُراهن على النصاب هشام جيراندو    مرسلي تشيد بانخراط وتعبئة النساء للمشاركة السياسية    توتنهام الإنجليزي يضم المهاجم الفرنسي ماتيس تيل بشكل نهائي    معين الشعباني يقود نهضة بركان إلى الدور نصف النهائي    نهضة بركان يبلغ نصف نهائي الكأس    باريس سان جيرمان يكتسح أتلتيكو مدريد برباعية نظيفة في افتتاح مونديال الأندية    طاقم تحكيم برازيلي لمباراة الوداد ضد مانشستر سيتي    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    نشرة انذارية: زخات رعدية محليا قوية ومصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الأحد بعدد من المناطق    برنامج مباريات كأس العالم للأندية لكرة القدم يوم غدٍ الإثنين    ترامب ينفتح على وساطة بوتين    الوداد يضم مدافعا برازيليا ويلتقي سفير المغرب بأمريكا    "عبد الحفيظ دين" يناقش أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بكلية الناظور    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    المغرب يحتفي بيوم إفريقيا في لاس بالماس على خلفية التعريف بالتراث    انتخاب سعاد لبراهمة رئيسة جديدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. وهذه لائحة المكتب المركزي    عزيزة داودة يكتب: موريتانيا في مواجهة التحديات الأمنية والدبلوماسية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الساحل    حب الملوك بصفرو : 101 سنة من الاحتفاء بالكرز والتراث المغربي الأصيل    التعادل مع إنتر ميامي يحزن الأهلي    بعد غيابه لقرن من الزمان.. كزناية تحتضن مهرجان التبوريدة    ريدوان وبيتبول يبدعان في أغنية مونديال الأندية    إيران تعلن اعتقال "عميلين للموساد"    تسريب بيانات حساسة يفتح عين "دركي البورصة" على اختلالات خطيرة    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    فرينش مونتانا يشعل حفل افتتاح مونديال الأندية بأمريكا بإطلالة بقميص المنتخب المغربي بخريطة المغرب كاملة    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    المغرب يعزز موقعه في سباق الطاقة النظيفة: اتفاقية استراتيجية مع شركة صينية لإنتاج مكوّنات بطاريات السيارات الكهربائية    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما    الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات    16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"    الولايات المتحدة تُعد قائمة حظر سفر جديدة تشمل 36 دولة بينها ثلاث دول عربية        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تعرفت وجالست خشقجي
نشر في تليكسبريس يوم 17 - 10 - 2018

تمنيت لو أني لم أزر أصيلا ولم أحضر مهرجانها الثقافي قبل ثلاث سنوات. ووددت لو أني حين فعلت، لم التق الصحافي العربي الشهيد جمال خاشقجي الذي صار معروفا اليوم لدى كل شعوب الكرة الأرضية، بعد أن كتب بدمائه ما لا يقدر أي منا على خطه بمداده.
كيف حدث ذلك اللقاء؟
في واحد من العروض الثقافية للمهرجان، ولعل الموضوع كان عن الإعلام، وفي نهاية المحاضرة دلف الضيوف إلى قاعة مجاورة لشرب كؤوس شاي وقهوة.
قبل نهاية العرض طالعني وجه جمال خاشقجي بين الحضور. كنت أعرف ذلك الوجه على الورق وعلى الشاشات. عند مدخل القاعة حييته فرد بأحسن تحية قد تتوقعها من إنسان في مركزه.رجل هادئ خلوق على محياه كل ملامح المثقف المتخلق الرزين.
ولأني من الصحافيين العرب الذين لهم نصيب من التكوين الأنجلوسكسوني فقد امتزجت في حديثنا ثلاث لغات: عربية فصحى، ودارجة شرق أوسطية، وانجليزية لا غبار عليها. قدمت له نفسي وسألته إن كان سمع باسمي، فأجاب أنه قرأ لي مقالات أيضا.
و على وقع رشفات القهوة، سألني عن مساري فأخبرته بما أظن أنها أهم محطات حياتي المهنية.بدا لي أن الرجل مهتم، وبرغم زحمة القاعة وكثرة من يريدونه في حديث خاص أو جانبي فقد منحني جمال أقصى وقت ممكن.
لم أرد أن أثقل عليه، فشكرته واستأذنت، لكن خاشقجي فاجأني بأمرين: سلمني بطاقته الشخصية وألح علي في أن أبعث له سيرتي المهنية. قلت مازحا: يا أستاذ هل تعرض علي عملا بطريقة غير مباشرة؟ فكان جوابه: أبشر.
بعد أيام نفذت ما طلب مني الرجل، وأظن أنه كاتبني بما يفيد أنه توصل برسالتي. الحق أني لم أكن راغبا جديا في الاشتغال مع أية مؤسسة سعودية أو عربية، لأني مشبع بتلك التجارب التي لا تلائم تكويني ولا تواتي مزاجي..ويقيني أن من يشتغلون ويمكثون بها سنوات إنما يفعلون ذلك من أجل غايات خبزية، لأن آخر ما يمكن أن تمارسه في إعلام سعودي أو خليجي عموما هو الصحافة.
نسيت أمر خاشقجي بعد ذلك، ولم أتذكره إلا حين شاهدت فيديوهات له على الشاشات الدولية ومقالات نشرها في "الواشنطن بوست".
كان الرجل في السابق جزءا من الماكينة الإعلامية الرسمية السعودية، بل سبق له أن اشتغل مع سفير بلاده بواشنطن وكان مستشارا لرئيس المخابرات السعودية أيضا. فهو ابن الدار، وحتى لما انعطف في منفاه الاختياري بأمريكا، نحو النقد وليس المعارضة، لم يكن بصلابة الدكتوري سعد بن راشد الفقيه ولا البروفيسور المسعري، ولا أكثر تأثيرا من المشاغب غانم الدوسري، صاحب التعابير الساخرة والقاسية، محرك ملايين الشباب عبر نشاطاته على "اليوتيوب".
فما الذي حدث حتى يلاقي الرجل هذا المصير المرعب؟
تعددت القراءات. ثمة من تعتقد أن خاشقجي "خرب" حملة ابن سلمان لتلميع صورة المملكة بالولايات المتحدة، التي صرف عليها ملايين الدولارات. وهناك من يظن أن جمال يملك معلومات خطرة على النظام السعودي. وفئة ثالثة ترى أن النظام السعودي وصل مرحلة لم يعد يتحمل فيها حتى السقف الأدنى من المعارضة. ففي العهد السلماني إما أن تكون في صفي أو تك عدوي.
بعد أكثر من أسبوعين على اختفاء الرجل، صرنا أمام الحكاية البسيطة كسؤال واللغز كقضية. السؤال بسيط: نعم من المؤكد أن جمال قد دخل قنصلية بلاده في تركيا، هاتوا دليلا يا سواعدة على أنه خرج؟، وتفاصيل اللغز يمكن صياغتها في شكل استفهامات كما يلي:إن زعمتم أنه حي فأين هو؟ وإن كان ميتا فأين الجثة؟
العالم كله اليوم على المحك: السعودية في ورطة وارتدادات القضية حتى لو لملموها بسيناريو ما تبقى خطرا على مستقبل النظام وطموح "ابن سلمان". ترامب أيضا في ورطة، فمهما تعددت حركاته البهلوانية سيؤدي الثمن سياسيا وانتخابيا. الحزب الجمهوري لا يريد أن يغرق عبر الرئيس الأمريكي في بحيرة دم خاشقجي. أما تركيا ورئيسها أردوغان فهي في مفترق طرق: براغماتيا يمكن أن تتاجر بدم شخص مات غدرا وعلى أراضيها فتفقد رصيد المصداقية والتعاطف الذي راكمته في سنوات أردوغان بقلوب عامة العرب والمسلمين، وليس نخبتهم متقدة الوعي. ويمكن لأنقرة أن تلعبها صح بكسب تأييد الرأي العام الغربي والعربي، وتستخدم ما بين يديها من مستندات كرصاصات تصوب للأهداف المحددة، سواء لتحقيق مكاسب أو تصفية حسابات.
أعود للجانب الإنساني وحق الزمالة.وأنا أتابع التقارير الدولية عن مصير جمال، شعرت بما يفوق القرف و التقزز فلم أجد مفردة تلخص هذه المشاعر التي استولت علي طيلة أيام.
اليد التي صافحتني، يد جمال خاشقجي اليمنى، والتي كتبت وأبدعت، أي كائن هذا الذي يقطعها بمنشار؟
يقولون إنه رئيس الطب الشرعي. أي شرع لأي غاب هذا الذي يقولون عنه؟ وتلك اليد اليسرى التي كانت تحمل محفظة صغيرة في أصيلا هي أيضا قطعوها؟ و ذلك الرأس الحامل لعينين لامعتين ذكيتين..حزوه ووضعوه في كيس..يا رب أي بشاعة هذه.
وذلك الرجل الإعلامي الزميل الجميل جمال خاشقجي..من يكون هذا الدراكولا الذي اشتهى دماءه فقط لأن له رأيا مهذبا عبر عنه بمفردات إنجليزية فصيحة؟
ألهذه الدرجة يحقدون على صاحب الكلمة الحرة؟
شكلوا ما تشاؤون من لجن التحقيق المنفردة و المختلطة، الأصيلة والهجينة..الحقيقة واضحة جمال راح شهيدا للكلمة، نيابة عن الصامتين من بني العرب، والنابحين من حقراء وحقيرات ساحة العهر الإعلامي العربي، من يريدون قتل جمال مرتين: بالصمت المتآمر عليه، وبمحاولات سمجة لطمس معالم جريمة تقول التسجيلات التي بيد الأتراك وجهات غربية أنها كانت قمة في البشاعة.
جمال عاش متميزا، ومات/قتل متميزا، حين أزال بدمه آخر الخرق البالية التي كانت تغطي عورة الاستبداد الأخرق.
رحم الله جمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.