مولاي الحسن.. 22 سنة من الأمل والاستمرارية    تفكيك شبكة دولية للمخدرات بين العرائش وتطوان    اجتماع مغربي إسباني في قادس لتعزيز التنسيق لرؤية مشتركة لحسن تدبير عبور الجالية    أشرف حكيمي يقود سان جرمان للنهائي ويتوج بأفضل لاعب في مواجهته ارسنال    اتفاقية رقمنة تصدير منتجات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي بالمغرب    حكيمي يقود سان جيرمان لتجديد الفوز على أرسنال وبلوغ نهائي الأبطال    عبد اللطيف حموشي في زيارة عمل إلى فيينا ويلتقي مسؤولي أجهزة استخبارات من قطر وتركيا والسعودية والإمارات وباكستان    الرئيس الشرع يؤكد إجراء "مفاوضات غير مباشرة" بين سوريا وإسرائيل    وهبي: "أشبال الأطلس" مستعدون لمواجهة أي منتخب في الدور القادم    بلقشور يكشف عن موعد إجراء مباراتي السد ويؤكد تواجد تقنية "الڤار"    غزة تُباد.. استشهاد 102 فلسطينيا في سلسلة مجازر إسرائيلية وإصابة 193 خلال 24 ساعة    التجسس على "واتساب": القضاء الأمريكي يغرم "إنزو" الإسرائيلية بمبلغ 168 مليون دولار لصالح "ميتا"    متابعة ناشطين من حراك فجيج بينهما "موفو" في حالة اعتقال وأولى جلسات محاكمتهما يوم الخميس    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يوقع اتفاقيتين مع جامعتين مجريتين لتعزيز الشراكات الدولية    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    تصعيد خطير في جنوب آسيا: سلاح الجو الهندي يتكبد خسائر بمئات الملايين بعد هجوم باكستاني دقيق    لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    الأطرالصحية ونقابة الجامعة الوطنية للصحة بعمالة المضيق الفنيدق تضع يدها على ملف ساخن وتستنكر تعطيل خدمات تقويم البصر بمصحة النهاري بمرتيل    تعليمات جديدة من لفتيت للأمن والولاة: لا تساهل مع السياقة الاستعراضية والدراجات المعدلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    "قانون بنعيسى" يُقصي الصحافيين من تغطية دورة جماعة أصيلة ويثير الجدل    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السباح يبرز عوامل ثبات الصحابة في الأزمات في ذكرى غزوة بدر الكبرى
نشر في الشمال 24 يوم 11 - 05 - 2020


إعداد الدكتور: يونس السباح
تقديم:
من المعلوم أنّ شهر رمضان المبارك شهر البركات والنفحات، وشهر الانتصارات أيضاً، ففيه أُنزل القرآن هدى للناس، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيه فُرض الصّيام، وسنّ القيام، وهو إلى هذا كلّه شهر النّصر، فالعديد من الوقائع على مختلف العصور كانت في هذا الشهر الكريم، ومن الوقائع التاريخية التي حدثَتْ في هذا الشّهر المبارك، غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة، والتي أنزل الله في قصّتها معظم سورة الأنفال، وفيه كان فتح مكّة في السنة الثّامنة للهجرة أيضاً، وعاد فيه النبي صلى الله عليه وسلّم ظافراً منتصراً، وفيه وقعت معركة الشّهداء عام 114ه، وفيه وقعت الفتوحات، أبرزها فتح عمّورية على يد المعتصم سنة 223ه، وفيه كانت معركة حطّين الشهيرة، إلى غير ذلك من الأحداث والوقائع التي عرف المسلمون فيها نصراً مؤزّراً.
وإذا حاولنا ربط الأحداث ببعضها، وقمنا باستلهام بعض الدروس من هذه الأحداث والوقائع، لاسيما ونحن في شهر رمضان شهر الله المعظّم، وعلى موعد قريب مع ذكرى غزوة بدر "يوم الفرقان" الذي كان النصر فيه حليف المسلمين، وفيه علا صوت الحق، وانتصر النّور بضيائه، على الضلال بقتامته، نجد أنّ الصّحابة الكرام، الأبطال الأشاوس، الذين حقّق الله على أيديهم هذا النصر، لم يكونوا من ذوي النفوس الدنيئة –وحاشاهم-، بل بذلوا الغالي والنفيس، واستعدّوا لهذا اليوم أيما استعداد، وضحّوا بما يملكون من أجل تحقيق هذه النّصرة.
وما أحوجنا اليوم إلى هذه النّصرة في ظل ما يعيشه العالم برمّته، من هذا الفتك المريع، والهلاك المحقّق، الذي نزل بالبشرية بين عشيّة وضحاها، لنستفيد من دروس هذه الغزوة التي باغتت المسلمين، وأصبح الجهاد فرضاً عليهم وهو كُره لهم كما أفصح عنه القرآن، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[1] وقوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ([2].
وفي قراءتنا لأحداث هذه الغزوة الكبرى نستشف ثبات الصحابة الكرام أمام هذه الأزمات، فما هي أبرز هذه العوامل؟ وكيف نستطيع أن نحذو حذوهم للخلاص من هذه الأزمة التي نعيشها؟ ونجيب بحول الله عن هذا من خلال المحطّات الآتية:
–1-الصبر:
من المعلوم أنّ عاقبة الصّبر الظفَر، والصبر ذُكر في القرآن الكريم والسنّة النبوية في سياقات حميدة، وأوصى به العلماء والحكماء، وبالصّبر واليقين، تُنال الإمامة في الدّين كما قال العلماء، والحياة الدّنيا بكلّ منعرجاتها تتطلّب من الإنسان صبراً كبيراً للوصول لغرضه، وقد كان الصبر حليف هؤلاء الصحابة الكرام في مواجهتهم لعدوّهم، واتّباعهم لسنّة نبيّهم، وأمر ربّهم، وفي غزوة بدر نزل قوله تعالى: (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)[3].
ومن صور صبر الصحابة وتضحياتهم، ما رواه أنَس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ابْنُهَا الْحَارِثُ بْنُ سُرَاقَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبِ الْجَنَّةَ اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ، فَقَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى" وكان حارثة غلاماً في مقتبل العمر.
والمتتبّع لدروس الصبر والتضحية من خلال هذه الغزوة، يقف على العجب العجاب من صور صبر الصحابة رضوان الله عليهم. ونحن الآن في شهر رمضان، شهر الصوم والنصر، وفي مواجهة هذا العدو المعنوي (كوفيد 19)، وفي ظلّ هذا الحَجر الصحي، ينبغي أن نأخذ العبرة من دروس النصر هذه، وأن نصبر ونحتسب للتغلّب عليه، حتّى نخرج من هذه المحنة بمنحة بإذن الله، وترجع الأمور إلى طبيعتها، والمياه إلى مجاريها.
-2-الرضا بالقضاء والقدر:
الرضا بالقضاء والقدر والإيمان به، ركن من أركان الإيمان ستة، والإنسان العاقل لابُدّ أن يصبر ويفوّض أمره لله فيما نزل به من خير أو شر، (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[4]، ولهذا لمّا علم الصحابة بأمر الغزوة لم يتقبّلوها في دواخلهم، ولكنّهم لإيمانهم بما قدّر الله وقضى، سايروا الوضع، والتزموا بالأوامر القرآنية، وفي هذا الصّدد أنزل الحقّ تبارك وتعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ([5]. وهكذا يصبر الإنسان ويرضى بما قدّره الله تعالى في هذه الحياة، إذ في الرضا به تمحيص لإيمان المرء. والإنسان أمام ما ينزل به من البلاء لا يسعه إلاّ أن يسلّم، ويفوّض أمره لله تعالى، وأن يدعو الله تعالى في كلّ وقت وحين برفع البلاء، وأن يلطف بنا بحقّ اسمه اللّطيف.
-3-التضحية:
لا بدّ لكلّ عمل ناجح من تضحيات، ولا يوجد فوز ونصر وظفر بدون تضحيات، وغزوة بدر تمثّل تضحيات الصحابة الكرام في أرقى صورها، فرغم كرههم للقتال، وتعرّضهم للجوع والعطش في شهر الصيام، إلاّ أن صبرهم على الطاعة، وحبّهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتمسّكهم بهذا الدّين القويم، والدفاع عن حوزته، جعلهم يضحون بالغالي والنفيس، فقد أُخرجوا من ديارهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، فساهموا بأموالهم، وبذلوا مهجهم، وتركوا الدنيا وراء ظهورهم، موقنين بأنّ النّصر من عند الله، وأنّ التضحيات لا تكون إلاّ حميدة العواقب، وهذا ما جعل الصّحابي الجليل، سيّدنا سعد بن معاذ يقول بعدما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع قول الأنصار ورأيهم في القتال: "قد آمنَّا بك، وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك، ما تخلف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله".
وهذا برهن الصّحابة الكرام على شجاعتهم، ودفاعهم المستميت، وجهادهم بالنفس والمال وبكل ما يملكون من قوّة، بل حتّى بعض صغار الصحابة –وهو عبد الله ابن عمر-أراد أن يشارك لينال أجر الجهاد، فاستُصغر، وفي النهاية كانت النتيجة أن قال الله فيهم: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)[6]، أي: قلّة في العدد. ونستفيد من هذا أنّنا مهما واجهنا من المصاعب، ومهما اشتدّ بنا البلاء، فلا بدّ من التضحيّة في وقت الأزمات، لننتصر على كلّ عدو متربّص بنا كيفما كان نوعه.
-4-العُدّة الحسّيّة:
الأخذ بالأسباب من الأمور التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية، وهو شرط في التوكّل على الله، والاستعانة به، وإذا استلهمنا عوامل ثبات الصحابة الكرام في هذه الأزمة (غزوة بدر)، نجد أنّ أبرز عنصر اهتموا به، الأخذ بالأسباب، وإعداد العُدّة لمواجهة العدو في هذه المعركة، وهذا كلّه يُعْلَم من بناء العريش للنبيّ صلى الله عليه وسلّم، وكيف كانوا يداوون جرحاهم، والأدوار الموزّعة عليهم في ظلّ هذه الظروف الحاسمة، بل حتّى المرأة شاركت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عدة من غزواته، من ذلك نساؤه وبعض الصحابيات اللواتي كانت مشاركتهن تتمثّل في مُداواة الجرحى والمرضى ومناولة الطعام والشراب للمشاركين في الغزوة. كلّ هذه الأمور لم تأت اعتباطاً، وإنّما لغاية وحكمة، حتّى نتعلّم كيف نعدّ العدّة، ونحسب حسابنا للظروف العصيبة، وكيف نتعامل مع الوضع، وإلاّ فالله تعالى ناصر عبده صلى الله عليه وسلم لا محالة.
–5- المَشُورة:
المشورة أو مبدأ الشّورى أحد العوامل التي استخدمها الصحابة رضوان الله عليهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، للظفر في هذه الغزوة، والعمل الاجتهادي المثمر لابدّ أن تكون فيه مشورة، حتّى يتخذ القرار الصحيح، الآمن العواقب.
وقد استشار النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذه الغزوة، وفي غزوات أخَر، كأحد، والخندق، وتبوك، وسائر مواقفه عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الصّدد يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا كلّه تطبيق لمبدأ أساس من مبادئ هذا الدّين الحنيف، يقول الله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[7]، (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[8].
وللسّير على نهج هؤلاء الخيَرة من الصحب الكرام، وفي ظلّ هذه الأزمة التي يعيشها العالم، لا بدّ من الإصغاء لقرارات أهل الحلّ والعقد، وأهل الاختصاص ممن يدرون مصالح الناس، ويسهرون على راحتهم، ويعدّون العُدّة للخروج من هذا المأزق بأمان وسلام، فمخالفتهم مجازفة، والمجازفة في هذا الظلام الحالك يؤدّي بصاحبه للهلاك لا قدّر الله، فلنا في رسول الله وفي صحابته الكرام القدوة الأسمى.
–6- الدعاء والتضرّع لله تعالى بالنصر:
الدّعاء إلى الله تعالى باب عظيم من أبواب الدّين، وأيّ عبادة أعظم من ارتباط الإنسان بربّه، وتعلّقه به، وطرق بابه، والرّجوع إليه، ألم يقل جلّ في علاه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)؟[9]، ألم ينزل في فرقانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)؟[10]، وهذه الآية خُتمت بها آية الصّيام في سورة البقرة، ونحن في شهر الصيام والقيام، ما أحوجنا إلى أنّ نلجأ إلى الله برفع البلاء، ودفع الداء، وإنزال الشفاء، فهو وحده الشافي، لا ربّ سواه. والمتأمّل في صنيع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم في غزوة بدر، مع تحقيق نصر الله لهم، يجد أنّهم لم يستنكفوا ولم يستكبروا، وإنما كان الدعاء سلاحهم، والهتاف باسم الله العظيم الأعظم دأبهم، وها هو أبو بكر الصديق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، يقف مع صاحبه، وهو عليه الصلاة والسلام يكثر الابتهال والتضرّع، ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض)، ويقول: (اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك)، يرفع يديه إلى السماء حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وأبو بكر خلفه يلتزمه ويسوّي رداءه ويقول له مشفقاً عليه من كثرة هذا الابتهال: (كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك)، وهنا ينزل قوله تعالى من سورة الأنفال: (إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).
إذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من هو في قربه من ربّه، والصّحابة الكرام يشفقون من حاله، فلم لا نلجأ نحن إلى الله تعالى في غمار ما نحن فيه من محن، عسى الله أن يفرّج عنّا ما نحن فيه، اقتداء بنبيّنا، وطاعة لأمر ربّنا، واغتناماً لأوقاتنا، والتماساً لهذا الشهر المبارك؟.
-7- الغنيمة (الفوز):
مفهوم الغنيمة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يؤخذ من الحروب من كلّ أنواع الأرباح، ومنه غنائم الصحابة بعد انتصاراتهم المتكررة، نتيجة لصبرهم وتضحياتهم بكلّ ما يملكون، إلاّ أنّنا هنا نقصدها في أصلها اللغوي الذي يفيد مفهوماً أوسعَ وأشمل لكلّ خير يقع بيد الإنسان بدون عناء ومشقة. وذلك أنّ الإنسان إذا استوفى هذه العناصر المذكورة، فإنّه بالنّهاية سيغنم خيراً كبيراً في صحته، وسلامته من جميع ما يؤذيه ويؤذي أسرته ومجتمعه، إذ القاعدة: (إنّ مع العسر يسراً)، والظلام مهما طال يعقبه ضياء، وأنّ الأزمات مهما اشتدّت فإنّها تنفرج بإذن الله.
خاتمة:
هذه أهم عوامل ثبات الصَّحْب الكرام في غزوة بدر، وليس الغرض من هذه المحاولة أن نقف على الغزوة وجلّ ما يستفاد من أحداثها، ولكن يهمنا ربط الأحداث بما نحن فيه الآن، من حرب مع هذا الفيروس القاتل، الذي يحتاج منّا إلى جميع ما ذكر للتغلّب عليه في شهر النصر هذا.
وقانا الله شرّ هذا الوباء، وشرّ كلّ ذي شرّ، وحفظنا من كلّ مكروه، ورزقنا الصبر على ما نحن فيه، وتغمّد الله بواسع رحمته من غادرنا إلى دار البقاء بسببه، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر البلاد يارب العالمين.

[1] سورة البقرة: آية. 216.
[2] سورة الأنفال: آية. 5.
[3] سورة آل عمران: آية. 125.
[4] سورة الأنبياء: آية. 35.
[5] سورة الأنفال: آية. 5.
[6] سورة آل عمران: آية. 123.
[7] سورة آل عمران: آية. 159.
[8] سورة الشورى: آية. 38.
[9] سورة البقرة: آية. 186.
[10] سورة غافر: آية. 60.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.