صدر مؤخرا بمناسبة مرور ستين سنة على وفاة العلامة المؤرخ الوزير محمد المختار السوسي كتاب جديد عنه من تأليف أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير الأستاذ الدكتور المهدي بن محمد السعيدي بعنوان: العلامة محمد المختار السوسي شذرات من حياته وفكره وأدبه، في 400 صفحة من الحجم المتوسط، وقد ذكر المؤلف أن من أسباب اهتمامه بحياة العلامة السوسي منذ صغره صلة القرابة التي تربطه به، اذ هو ابن عم جده، كما تضمن كتاب المعسول كثيرا من تراجم عائلته بمن فيهم والده الذي التقى بالعلامة السوسي مرات كثيرة وزاره في منزله بالرباط ورافقه في بعض أسفاره، وهذه العلاقة الخاصة هي التي ألهمت المؤلف الاهتمام بمؤلفات العلامة السوسي ومطالعتها خاصة في دراساته الجامعية العليا فانكب بعد تعيينه استاذاً جامعيا على دراسة أعماله وتراثه مدة تقارب ربع قرن كانت ثمارها مجموعة من الأبحاث والدراسات نشر بعضها في مجلات مغربية وفي أعمال ندوات، ثم قام بجمع تلك الأبحاث وتنقيحها واضاف اليها ما بقي مخطوطا لم ينشر ثم أصدرها كلها في هذا المؤلف المفيد الذي ركز فيه على أربعة فصول: * الأول تحدث فيه عن حياته وشخصيته من خلال مبحث اول عرض فيه ترجمة موجزه عن أهم أطوار حياته ومبحث ثان استعرض فيه جوانب من شخصيته من خلال مجموعة من رسائله التي تبادلها مع أقاربه ومعارفه تبين مجالات اهتمامه ومشاغله في التربية والتعليم والوطنية والإصلاح عموما. * أما الفصل الثاني فخصصه للهواجس الفكرية للعلامة السوسي ممثلة في هاجس التعليم الذي اشتغل به طرفا كبيرا من حياته وهاجس التوثيق والتقييد مركزا على كتاب معتقل الصحراء الذي دون فيه أطوار واحداث اعتقاله ومكوثه في معتقلي تنجدا وأغبالو نكردوس. ثم هاجس الإصلاح من خلال الانتقال من الطرقية إلى التصوف وهو مبحث مهم شرح فيه المؤلف اشكالية طالما شغلت الباحثين وتضاربت آراؤهم حولها وهي هل قام العلامة بقطيعة مع التصوف بتبنيه تيار السلفية الوطنية؟ أم بقي متشبثا بالطريقة ملازما للدرقاوية؟ * اما الفصل الثالث فخصصه المؤلف للجانب الأدبي عند العلامة السوسي من إبداعاته شعرا ونثرا ودراساته وتأريخه للأدب المغربي في منطقة سوس مستعرضا شرحه لبعض شعره، وتأليفه في الفكاهة والظرف ورسائله الرحلية وهي التي خصصها لذكر بعض رحلاته في المغرب عموما،ثم السيرة الغيرية من خلال نموذج سيرة القائد الناجم الاخصاصي وأخيرا تأريخه للأدب المغربي العربي بسوس من خلال كتابه مترعات الكؤوس. * أما الفصل الرابع فدرس فيه اهتمام العلامة السوسي بالتراث المغربي العربي والامازيغي من خلال عنايته بتأريخ الثقافة الشعبية من ألعاب وعادات وتقاليد وأنماط العيش في المغرب القديم، ومن خلال استعراض جوانب من الثقافة الأمازيغية العالمة ممثلة في أعمال العلامة السوسي في ترجمة بعض الكتب العربية إلى الأمازيغية السوسية، وكذا من خلال مواعظه الإذاعية الأمازيغية وقد مثل المؤلف بنص موعظة في شرح حديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ترجمتها إلى اللغة العربية. * ثم ختم المؤلف كتابه بنصين أولهما عن الايام الأخيرة للعلامة السوسي ووفاته رحمه الله والثاني في تقريظ كتاب لب الفوائد الذي ضم تأبين العلامة السوسي وتكريمه من قبل علماء المغرب. ويعد هذا الكتاب المفيد نصا جديدا وعملا مهما في العناية بالتراث الضخم للعلامة السوسي الذي مايزال ينشر تباعا بعناية نجله الاستاذ عبد الوافي رضى الله بن محمد المختار السوسي الساهر على إخراجه منذ ازيد من أربعين سنة، وهو تراث مهم يمثل جانبا من تاريخ المغرب وفكره وهويته نحتاج للعناية به وقراءته واستلهامه في سياق ترسيخ الثوابت والدفاع عن الهوية المغربية العريقة المتأصلة في خضم الصراعات الفكرية وصولة العولمة في عصرنا الراهن المضطرب.