يشهد المغرب تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، حيث باتت "فيديوهات الابتزاز" وسيلة ضغط خطيرة تستهدف الأفراد، بمن فيهم شخصيات سياسية وأمنية بارزة. ويتم استدراج الضحايا عبر تسجيلات لمواقف خاصة، ليجدوا أنفسهم أمام تهديدات بنشر هذه المقاطع ما لم يستجيبوا لمطالب المبتزين. التقارير الأمنية الأخيرة كشفت عن ارتفاع ملحوظ في هذه الجرائم، إذ سجلت المديرية العامة للأمن الوطني زيادة بنسبة 35% في حالات الابتزاز الإلكتروني خلال عام 2022 مقارنة بالعام السابق، مع استهداف 40% من الحالات لشخصيات عامة. هذه الأرقام تعكس خطورة الظاهرة، التي لم تعد مقتصرة على الأفراد العاديين، بل امتدت إلى مسؤولين يشغلون مناصب حساسة في مؤسسات الدولة. الأساليب المستخدمة في هذه الجرائم تشمل تسجيل مقاطع فيديو بطرق احتيالية، سواء عبر اختراق الأجهزة الإلكترونية أو استخدام برمجيات متطورة لتزييف المحتوى. في بعض الحالات، تكون التسجيلات مفبركة بالكامل، مما يعقّد وضع الضحايا ويجعل إثبات براءتهم أكثر صعوبة. وغالبًا ما يواجه المستهدفون تهديدًا بنشر هذه المواد على منصات التواصل الاجتماعي أو مواقع مشبوهة في حال عدم الامتثال لمطالب الجناة. التحدي الأكبر يتمثل في أن العديد من هذه الشبكات الإجرامية تعمل من خارج المغرب، ما يجعل ملاحقتها قضائيًا أكثر تعقيدًا. تقارير دولية، من بينها تقرير "مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة"، تؤكد أن هذه العصابات تعتمد على برمجيات خبيثة وتقنيات تشفير متقدمة، مما يعزز قدرتها على تنفيذ عملياتها دون ترك أثر رقمي واضح. المخاطر المترتبة على هذا النوع من الابتزاز تتجاوز الأضرار الشخصية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تسريب معلومات حساسة تضر بالأمن الوطني. الضحايا، خاصة من الشخصيات المؤثرة، قد يجدون أنفسهم تحت ضغوط قد تؤثر على قراراتهم المهنية، وهو ما يشكل تهديدًا غير مباشر لاستقرار مؤسسات الدولة. غياب الوعي الرقمي لدى شريحة واسعة من المواطنين يجعلهم أهدافًا سهلة لهذه الهجمات. دراسة أعدتها "جمعية حماية المستهلك" كشفت أن أكثر من 50% من المستخدمين لا يطبقون أبسط إجراءات الأمان الإلكتروني، مثل تغيير كلمات المرور بانتظام أو استخدام التشفير في المحادثات. هذه الثغرات تسهّل عمل المبتزين وتزيد من نطاق عملياتهم. في مواجهة هذه التحديات، بات من الضروري اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الابتزاز الإلكتروني، بدءًا من إطلاق حملات توعوية لتعزيز الثقافة الأمنية الرقمية، خصوصًا بين الفئات المستهدفة، مثل المسؤولين والسياسيين ورجال الأمن. كما أن تحديث التشريعات الخاصة بالجرائم الإلكترونية وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال أصبح أمرًا ملحًا، لضمان تعقب المجرمين عبر الحدود وتقديمهم للعدالة. الاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني يمثل ركيزة أساسية لحماية الأفراد والمؤسسات، حيث يمكن تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية على مراقبة الأنشطة المشبوهة عبر الإنترنت وتحليل البيانات لاكتشاف التهديدات قبل وقوعها. في هذا السياق، يمكن للمغرب الاستفادة من الشراكات الدولية لتطوير بنيته التحتية الرقمية، وتوفير آليات إبلاغ آمنة وسريعة تُمكّن الضحايا من التصرف بفعالية في مواجهة هذه الجرائم. يبقى الابتزاز الإلكتروني تهديدًا متناميًا يتطلب مواجهة حازمة على المستويين القانوني والتقني. تعزيز الحماية الرقمية، إلى جانب الملاحقة القضائية الفعالة، يمثلان السبيل الأمثل للحد من انتشار هذه الظاهرة وضمان أمن المواطنين والمؤسسات على حد سواء.