في خضم التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة وتقليص الانبعاثات الكربونية، يبرز المغرب كمرشح واعد للعب دور محوري في صناعة بطاريات الليثيوم أيون، التي تُعد العمود الفقري للسيارات الكهربائية. دراسة مغربية حديثة، نُشرت في دورية Sustainable Energy Technologies and Assessments، كشفت أن المملكة تمتلك احتياطات هائلة من المعادن الحيوية اللازمة لهذه الصناعة، من بينها 30 مليون طن متري من الفوسفات، 1.5 مليون طن من المنغنيز، 45 مليون طن من الكوبالت والنيكل، و5 ملايين طن من النحاس، إلى جانب ترسبات واعدة من الليثيوم والحديد والجرافيت. ورغم هذه الثروة المعدنية، فإن أغلب هذه الموارد تُصدر في شكل خام أو نصف مصنع، مما يحرم الاقتصاد الوطني من القيمة المضافة التي يمكن أن تعزز التنمية الصناعية وتوفر فرص الشغل. في الوقت نفسه، يشهد العالم سباقًا محمومًا لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، خاصة في قطاع النقل المسؤول عن 15% من الانبعاثات الكربونية. تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، ومنها خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول 2030، يجعل من السيارات الكهربائية خيارًا لا مفر منه، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع عددها إلى أكثر من 142 مليون وحدة خلال السنوات المقبلة، مقارنة ب11.3 مليون فقط في 2020. البروفيسور ماهر القاضي، الباحث بجامعة كاليفورنيا وخبير التنقل الكهربائي، أشار إلى مفارقة لافتة: المغرب يتصدر العالم في احتياطي الفوسفاط، وهو عنصر أساسي في بطاريات LFP، إلا أن الصين تهيمن على تكريره وصناعة مكونات البطاريات، بفضل استثماراتها المبكرة في سلاسل الإمداد، وبنيتها الصناعية المتطورة، وتكاليفها الإنتاجية المنخفضة. غير أن هذه السيطرة الصينية فتحت بدورها بابًا لفرص جديدة أمام المغرب. فقد بدأت شركات صينية في نقل جزء من استثماراتها إلى المملكة لتفادي الرسوم الجمركية الأميركية والأوروبية. ومن أبرز الأمثلة توقيع مجموعة CNGR الصينية اتفاقية مع طرف مغربي لإنشاء مصنع لإنتاج مواد البطاريات باستثمار يتجاوز ملياري دولار، وبمساهمة مغربية تصل إلى 50%. المشروع لا يقتصر على الجانب المالي، بل يفتح آفاقًا لنقل المعرفة وتعزيز الكفاءات المغربية في المجال الصناعي. الدراسة ذاتها أوصت بضرورة تسريع استكشاف واستغلال المعادن الوطنية، وتبني سياسات صناعية لتحويلها إلى منتجات نهائية، مع التركيز على تكوين الموارد البشرية وجذب الاستثمارات عالية القيمة. كما شددت على أهمية بناء شراكات استراتيجية مع فاعلين دوليين والاستفادة من التجربة الصينية في هذا المجال. وبينما تتسابق الدول لاحتلال مواقع متقدمة في سلاسل إمداد بطاريات المستقبل، يقف المغرب أمام فرصة تاريخية لتحويل موارده الطبيعية إلى رافعة اقتصادية حقيقية. النجاح في هذا المسار يتطلب إرادة سياسية، وتخطيطًا استراتيجيًا طويل الأمد، وقدرة على التفاعل مع التحولات الجيوصناعية العالمية. فهل يُحسن المغرب استغلال هذه اللحظة المفصلية؟