الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي    مصرع شخصين في حريق بدوار مولاي عزوز الملك بالمنطقة الحضرية النخيل    كيوسك الإثنين | انطلاق الموسم الدراسي على إيقاع الإصلاحات والتحديات    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    طقس الإثنين: حرارة مرتفعة بالجنوب الشرقي ومنخفضة بباقي أرجاء المملكة    ريضال تستغل الصيف لجني أموال إضافية بدعوى تأخر أداء المواطنين للفواتير    وسط استقبال "مهيب"... سفن "أسطول الصمود" القادمة من إسبانيا تصل إلى تونس        فرنسا.. تصويت حاسم على الثقة في الجمعية الوطنية يهدد بسقوط حكومة بايرو        الإسباني ألكاراس يتوج ببطولة الولايات المتحدة المفتوحة لكرة المضرب        هزة ارضية شعر بها سكان الحسيمة والدريوش    سانشيز يعلن 9 إجراءات لوقف "الإبادة"    جرحى بإطلاق نار في القدس الشرقية        تيزنيت : وقفة احتجاجية غاضبة من تردي أوضاع المستشفى الإقليمي و المراكز الصحية بالإقليم ( فيديو )    القنوات الناقلة لمباراة المغرب وزامبيا اليوم في تصفيات كأس العالم    زلزال الحوز .. دينامية متواصلة لإعادة الإعمار في جميع الأقاليم المتضررة    تأجيل إبحار «أسطول الصمود» من تونس لكسر حصار غزة إلى الأربعاء    الإصابات تربك حسابات الركراكي    كرة القدم .. المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتعادل مع نظيره الأمريكي (0-0)    بعثة منتخب الجزائر تصل إلى البيضاء    فيدرالية اليسار بالفقيه بن صالح تتضامن مع أحد أعضاءها وتدين الاستدعاءات المتكررة        هيئات مهنية ونقابية تصعد ضد مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    الزفزافي‮:‬ ‬سجين ‬من ‬على ‬سطح‮..‬ ‬الحرية‮!‬    جديد الشاعرة المغربية سعاد الرايس: «لوحات الإبحار» اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي    أعمال أدبية وفنية مغربية تستفيد من منح الصندوق العربي للثقافة والفنون    أنا وأنا وما بينهما .. رسائل بين عبدالله المتقي ومحمد بوحوش    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى الرئيس البرتغالي على إثر الحادث المأساوي لخروج القطار المائل السياحي عن مساره    الفانوس " يضيء ليالي مهرجان المسرح التجريبي والضنحاني يوقع النسخة العربية والإنجليزية للمسرحية    روسيا تعلن جاهزية أول لقاح ضد السرطان    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى الرئيس البرازيلي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    رصد فلكي غير مسبوق لمذنب يقترب من المجموعة الشمسية    الأمم المتحدة: هلال يختتم بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة    غزو القضاء يتواصل بإطلاق 24 قمرا اصطناعيا جديدا    المغرب يستقبل شحنات جديدة من الأعلاف الروسية    تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    فيليز سارسفيلد يحرز لقب كأس السوبر الأرجنتيني بفوزه على سنترال كوردوبا    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكفير بين سَلَفِيَتَيْن على هامش الصراع بين "لشكر" و"أبو النعيم"
نشر في أكورا بريس يوم 13 - 01 - 2014

لكلّ أمّة مُقدّساتُها، ولكلّ شعب مرجعياتُه الدينية والأدبية، وحينما تُنْتَهَكُ شعائر بلدٍ ما، يَهبُّ جميع أفرادِ المجتمع للدفاع عن خصوصيات هُوّياتهم.
والمجتمعُ المغربي، يَنُصُّ دُستوره أنَّ دينَه هو الإسلام. ومصادرُ الإسلام الأصلية: القرآن الكريم، والسنة النبوية، اللذان بهما قِوام الاستقرار والعيش بالمغرب.
وقد بدأنا نسمع في المغرب، بين الفينة والأخرى، مَنْ يتَعَرَّضُ لكلام خير البرية، نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، بالاستهزاء والتنقيص، ووصف كلامه الشريف بالإرهاب، وآخر يطعن في عصمة الأنبياء، ويقول صراحة: "النبي محمد له أخطاء بشرية كثيرة". وهذا من صريح إهانة معتقد المغاربة جميعاً، حتى خرج على المغاربة كاتب أول حزب، فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ ممّا تناقلته الصحف وتداوله الإعلام ممّا له علاقة بالإرث في القرآن الكريم.
ونحن نخالف، على وجه التفصيل، ما ورد في كلام "أبو النعيم" من مزالق، إلا أنه في المقابل، "لشكر" وقَعَ أيضاً في انزلاق، حينما ولَجَ مجالا معرفياً له رجالاته.
والفقهاء المغاربة، منذ القديم إلى اليوم، ليس من مناهجهم مهاجمة المُخالف، إلا إذا استباح الدخول إلى مجال التشريع الإسلامي، بِمَسِّ عقيدة المسلمين، والطعن في مقدساتهم.
وهذا لا يعني أن "الفقهيات" دائرة مغلقة خاصّة بالفقهاء، بل من كانت له أهلية علمية وأكاديمية، له الصلاحية في تناول المسائل الفقهية والدينية، من وجهة نظر مختلفة، لأن في هذا إغناءً للدرس التشريعي الإسلامي، ودَفعاً بالفقهاء للاجتهاد، وتوضيح الصورة حسب المستجدات العلمية، بالردّ والمناقشة.
وهذا باب من أبواب الاجتهاد، مثل ما قام به الأستاذ محمد عابد الجابري في كتابه "فهم القرآن" الذي طرح فيه تصورات معاصرة بطريقة جديدة، ولم يلق كتابه ردود فعل سلبية، إدراكاً من الفقهاء أن كتابه هذا يمثل بعداً فكرياً، وليس سياسوياً وشعبوياً.
ولم يزل الفقهاء المغاربة منذ القديم إلى اليوم يؤمنون بحرية الآخر.
وما من شك أن تصريحات "أبو النعيم"، تُدْرِجُهُ ضمن السلفية المغربية المحافظة، وبالمقابل تصريحات "لشكر" تُقْحِمُهُ في السلفية الثقافية الغربية الإقصائية، التي لا تراعي مشاعر المسلمين.
ألا يعلم أولئك الذين يضعون "المقدّس" على طاولة المناقشات، أنهم يفتحون نافذة خطيرة، تعدّ جَرَاءة على تناول مختلف المقدّسات الدينية والوطنية بالجدال.
إن النقاش في موضوعات: اللغة العربية، والأمازيغية، والتشبّت بالمَلَكية نظاماً ، والوحدة الترابية المتمثلة في مغربية الصحراء، ليس مستساغاً ألبتة الكلام حولها بطرقٍ فجّة ومبتذلة، لأن هذه المقدّسات مما أجمع عليها المغاربة قاطبة عبر استفتائهم لدستورهم.
إذن فالمقدسات الدينية والوطنية في نظر الدستور سواء، لا ينبغي المساس بها.
وبخصوص التحريض، فإن الفريقين كليهما يدعوان للتحريض ف"أبو النعيم" بعباراته، يمكن أن تُدْرَجَ في إطار ما يسمّى ب"العنف اللفظي" وكلام "لشكر" أيضاً هو تحريض وإقصاء، وانتهاك لمشاعر المسلمين، وعدم احترام مقدساتهم، ومحوٌ ممنهج للذاكرة المغربية، الشيء الذي أسقطه عنوة أو سهواً فيما يسمّى ب "العنف المركّب".
وتجدر الإشارة إلى أن القيادات الكبيرة في الأحزاب التقدمية بالمغرب لم تُقْحِمْ نفسها في هذا الصراع رعاية لشعور المغاربة الديني، ولم تتخذ من الدّين مطيّة لخطاباتها السياساوية، إيماناً منها بوجود المؤسسات الدينية الرسمية المؤهلة لتدبير الشأن الديني.
وسكوت هذه المؤسسات الدينية، في نظري، على هذه الحادثة ليس له إلا تفسير واحد وهو أن تصريحات "أبو النعيم" مجرّد ردّ فعل، لا ينطوي على دعوة للتحريض، بل هو من النقاش الديني.
كما أن مصطلح التكفير، حينما يُسْتَعمل في المجال الديني والفقهي، فالمراد به "كفر الجحود" مثل العصيان أو الفسق، و"كفر النعمة". ويراد في الثقافة الشعبية المغربية "كافر بالله " أحياناً، "قاسٍ جٍدًّا" مثل بعض العبارات النمطية التي تجري على ألسنة عامّة الشعب دون قصدٍ لمرادها الحقيقي.
وترجمات القرآن الكريم باللغة الفرنسية تترجم أحياناً "الكافرين ب Les mécréants" وأحيانا أخرى "Les négatifs " على حسب اختلاف السياق.
فالحديث النبوي الصحيح: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تَرَكَهَا فقد كفر»، لم يفهم الأئمة الفقهاء الكبار مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم الكفر الوارد في هذا الحديث أنه الكفر المخرج عن الملّة، بل اعتبروا تارك الصلاة عاصياً، فاسقاً، لعدم طاعة ربه، الذي خلقه فأجازوا زواجه حيًّا، والصلاة عليه ميّتاً، وأعطوه حقّه في الإرث بصفته أنه مسلم، لأن من عقيدة المسلمين المجمع عليها عدم تكفير الأشخاص بعينهم وذواتهم. ولكن هل يحقّ وصف بعض الكلام بأنه موجب للكفر، لما فيه من خروج عن الثوابت القطعية؟ مع أنه لا يفيد تلقائياً كُفْرَ صاحبِه.
لأن الهيئة المخوّلة في تاريخ الإسلام لإطلاق لفظ الكفر المخرج عن الملّة هي القضاء، لأن حكم القاضي ملزم ونافذ، بخلاف فتوى المفتي التي لا تلزم إلا صاحبها.
وما يُداَر في كلام الفقهاء قديماً وحديثاً مِن استعمال لفظ الكفر، فالمراد به كفر الجحود، وكفر النعمة لا غير.
والفقهاء المغاربة كانوا ولا يزالون يصرّحون بأن الربا حرام، والخمر حرام، بالرغم من فشو المعاملات الربوية، وشيوع شرب الخمر، وهذا لا يعني تكفير المرابي ولا شارب وبائع الخمر، ممّا يؤكد أن فقهاءنا واعون بقدسية النص الشرعي وحُرمته من جهة، وتحمّل المسلمين المخالفين مسؤولياتهم من جهة أخرى.
وبقدر ما يستهجن الباحث، هذا المستوى من السجال، يأسف بإحالة هذه الحادثة على القضاء، لأنه يذكّرنا بتاريخ مظلم ضارب في القِدم، يُجَرُّ فيها أصحاب الرأي المخالف من الفقهاء إلى المحاكمات، مع أنه لو بقي الأمر محصوراً فقط على المشهد الثقافي، لكان حِرَاكاً فكرياً مُنتجاً، يتبادل فيه الرأيُ بالمخالف، ويكون البقاءُ للأصلح، مع أنه لم يجرؤ أحدٌ بالمغرب على طلب إحالة السياسي المتدخل في الدّين على القضاء، كما هو معمول به في بعض الدول الأخرى.
ألم يكن الأجدى أن لا تُجَرَّ البلاد إلى هذه القضايا في وقت، ما أحوج السياسي أن يطرح القضايا المجتمعية الملحة النافعة للمواطن في ويومه، والتي تحسّ بنبض الشارع مثل: البطالة، والأمراض، والتقاعد، والسكن، ورفع الأسعار، والمخدّرات... وهذا هو المجال الطبيعي للسياسي.
وما أليق بالفقيه، أن يُوَجِّهَ هِمّته إلى إحياء قِيَمِ الإخاء، والمساواة، والعدالة الإجتماعية، ممّا يُبيّن بجلاء وجود تشويشٍ في الرؤية من حيث ترتيب أولويات الفقيه والسياسي على السواء، الشيء الذي يدل على عدم احترام "ثقافة الحدود" عند السياسي والفقيه.
ألم يأن للمثقفين بالمغرب، بمختلف أطيافهم، أن يعملوا جميعاً لخدمة وطنهم، بعيداً عن ثقافة الإقصاء، والتصنيف، وتصيّد الهفوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.