اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    يوفنتوس يكتسح العين بخماسية نظيفة قبل مواجهة الوداد    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    ست ميداليات منها ذهبيتان حصيلة مشاركة الرياضيين المغاربة في ملتقى تونس للبارا ألعاب القوى    إدارة سجن بني ملال تنفي ادعاءات توفير "ظروف استثنائية" لنزيلة متهمة بالنصب    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    بعد هدف الزرهوني.. أعمال شغب خطيرة تُوقف "ديربي طرابلس" في الدوري الليبي    غامبيا تجدد دعمها لمخطط الحكم الذاتي لتسوية قضية الصحراء المغربية    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    أجواء حارة في توقعات طقس الخميس    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    صواريخ إيران تُشرد 2000 عائلة إسرائيلية    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء    الأمم المتحدة/الصحراء.. سيراليون تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية    المغرب يستعد لإحصاء وطني جديد للماشية ويعد بشفافية دعم الكسابة    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكل الحدود بين دول المغرب الكبير

‬لاشك أن ظاهرة الاستعمار لم تمر بسلام في المنطقة ، بحيث أفرزت صراعات حادة في العلاقات المغاربية ، مردها إلى النزاع حول الحدود ، ومن ثم نجح المستعمر في توسيع هوة الخلاف بين بلدان المغرب الكبير، فمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار الذي تبنته منظمة الوحدة الإفريقية، أدى إلى تكريس النزعة القطرية، وفسح المجال إلى انفجار مواجهات مباشرة بين أقطار المغرب الكبير، كما هو الشأن بالنسبة لحرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963.
هكذا بدأت كل دولة تكيف مستقبلها وفقا للإيديولوجية، والنهج الذي تراه موافقا لمكوناتها وخصوصياتها، الأمر الذي أدى إلى ظهور تناقضات على مستوى الاختيارات السياسية والاقتصادية للأنظمة الحاكمة. إن نصف القرن الماضي، قد جعل من الوطنية، الإيديولوجية السائدة في بلدان المغرب الكبير، هذه الإيديولوجية التي جابهت “ليل الاستعمار الطويل” بتعبير فرحات عباس، وهي التي بعد انتصارها قامت بغزو هياكل الدولة ودعمها، وببعث المشاريع التنموية الطموحة، فبخلاف المشرق العربي، حيث انتشرت الإيديولوجية الوحدوية، شاهد المغرب بروز الدولة الوطنية والقومية الترابية، ولقد فرضت هذه الفكرة نفسها منذ الثلاثينيات عندما نجحت النخب الوطنية في التغلب على التيار السلفي، وعلى تهميش النخب الليبرالية والاشتراكية الاتجاه.
وقفت هذه الوضعية حجرة عثرة أمام كل المجهودات التي بذلت للتخفيف من حدة التوتر وتكريس الوحدة ، حيث حاولت القوى الوطنية تلطيف هذا الصراع عبر عقد مؤتمر طنجة سنة 1958، لكنها لم تنجح لأن المؤتمر فصل بين مرحلتين زمنيتين مختلفتين تماما بل متناقضتين وهما المرحلة الاستعمارية، حيث ساد منطق التنسيق والتضامن والوحدة بين حركات كان همها إخراج المستعمر وإحلال السلطة الوطنية محله، ومرحلة الاستقلال حيث هيمن خطاب التأسيس الداخلي والبناء الذاتي للأقطار المستقلة .
باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلت من أجل تحقيق هذه الوحدة، لأن الصراع كان أقوى وأشد، و ظل طابع التجزئة هو الواقع المر الذي تذوقته هذه البلدان، وهو ما عانت منه ومازالت …
1 مشكل الحدود بين دول المغرب الكبير
عرفت‪ ‬ دول المغرب الكبير مشاكل عديدة حول الحدود خلقها وخلفها الاستعمار الذي اقتطع جزءا من أراضي دول معينة ليضيفه إلى الدولة التي استعمرها بصفة نهائية، من هنا يمكن القول بأن المستعمر إذا كان قد أعاد للبلدان المستعمرة حريتها، فإنه مقابل ذلك فتح المجال للنزاعات بين المطالبين بالرجوع للحدود المرسومة قبل الاستعمار، وبين المطالبين بالأخذ بمبدأ المحافظة على الحدود الاستعمارية الذي أخذت به منظمة الوحدة الإفريقية لتغلق باب المنازعات بين دول القارة.
ويعتبر النزاع على الحدود من أخطر المظاهر التي ساهمت في توسيع دائرة التجزئة بين البلدان المغاربية ، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه من استقلال الجزائر تدعيم أسس بناء المغرب الكبير، ظهرت مشكلة الحدود كمظهر بارز في نمو النزعة الإقليمية التي قضت على كل تفكير جدي أو مجرد محاولة في خلق وحدة للمغرب الكبير. لذلك أقول إن الاستعمار خلف جرحا و أثرا عميقا على مستوى توجهات البلدان المغاربية، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل كذلك بالنسبة لحركات التحرر الوطنية، وفي هذا الإطار يقول الأستاذ محمد تاج الدين الحسيني: «..إلا أن تخطيط الحدود من طرف المستعمر، أدى بقيادات الحركة الوطنية بدلا من تعميق التوجه الوحدوي، للانحباس في إطار النزعة القطرية الضيقة. ففكرة وحدة المغرب العربي كانت تعني في أذهان القيادات الوطنية وحدة العمل، وليس وحدة الهوية».
في هذا الصدد ارتأينا إجمال هذه الخلافات أو الصراعات بين بلدان المغرب الكبير، فيما يلي :
1 1 مشكلة الحدود الليبية التونسية:
يتمحور هذا النزاع حول الجرف القاري الذي يحاول كل طرف إثبات سيادته عليه، وبسببه توترت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين منذ شتنبر 1969 ، ليتجدد هذا الخلاف الحدودي بينهما سنة 1977 إذ رفعت تونس دعوى على ليبيا أمام محكمة العدل الدولية مطالبة بحقها في منطقة الرصيف القاري في البحر الأبيض المتوسط. إلا أن المحكمة رفضته. ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته جامعة الدول العربية للتخفيف من حدة هذا النزاع حتى لا يتطور إلى مواجهة مسلحة ، بل ظل مرتبطا بحالة الوفاق المتبادل بينهما ، وكدليل على ذلك الاتفاقية التي أبرمها الطرفان في 27 فبراير 1982 ، حيث عبرا عن رغبتهما في تطوير العلاقات الدبلوماسية بينهما ، والتعاون في شتى المجالات.
1 2 مشكلة الحدود الليبية الجزائرية :
طرح هذا المشكل بين البلدين سنة 1967، عندما اخترقت الدوريات الجزائرية الحدود الليبية عند قرية امباس، وهو ما اعتبرته ليبيا مساسا بحدودها وسيادتها على المنطقة، غير أن الجزائريين استندوا في عملهم الجريء هذا إلى اتفاقية 1957 المعقودة بين ليبيا والإدارة الفرنسية، والتي تم فيها تخطيط الحدود التي وافقت عليها الجمعية الوطنية الفرنسية، وتم تسجيلها في الأمم المتحدة لكن الطرف الليبي برر إبرامه لهذه الاتفاقية بكونه عمل على فتحها حتى لا تثير أي مشكل أثناء حرب التحرير وبإيعاز من الحكومة الجزائرية ، وما دامت لم تعرض على البرلمان ولم يصادق عليها فإنها لم تستكمل شكلها القانوني .
وعلى الرغم من ذلك ، لم يعرف هذا المشكل نفس الحدة والأهمية كالتي عرفتها باقي دول المغرب الكبير، إذ أن الطرفين عملا على تأجيل تخطيطها من حين لآخر حتى يتجنبا أي صدام بينهما .
1 3 مشكلة الحدود الجزائرية التونسية :
قام الخلاف الجزائري التونسي على الحدود حول النقطة 233 التي كانت الجزائر قد تسلمتها من الإدارة الفرنسية بعد الاستقلال، على الرغم من أنها كانت تابعة للمجال الترابي التونسي قبل دخول المستعمر الفرنسي للمنطقة . وهذا ما جعل تونس تطالب الجزائر بالرجوع إلى الحدود التي رسمت قبل دخول المستعمر، لكن الجزائريين تمسكوا بهذه المنطقة للحفاظ على الموروث الاستعماري (الحدود الاستعمارية) ، وهذا ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين ، سيما وأن كل بلد أصبح ينقب على البترول في منطقة حاسي بورما الواقعة قرب المنطقة المتنازع عليها .
ولتسوية هذا المشكل تشكلت لجنة عسكرية مشتركة بحثت في الموضوع للحيلولة دون وقوع أي اصطدام بين الطرفين . وعلى الرغم من ذلك ظلت هذه المشكلة عالقة بين البلدين الشقيقين ثمان سنوات ، إلى أن اعترفت تونس بالحدود التي كانت موجودة منذ سنة 1962 ، ترتب عنه وضع مشروع اتفاق تم فيه توضيح خط الحدود في البورما، على أساس استغلال المنطقة من قبل الطرفين معا .
1 4 النزاع على الحدود بين المغرب وموريتانيا :
يتبادر إلى ذهن أي متتبع لمسار التاريخ السياسي المغربي، أن موريتانيا ارتبطت دائما بالمغرب من خلال عقد البيعة، وقد كان اسمها شنقيط ، أما الاسم الحالي فقد أطلقه عليها المحتل الفرنسي سنة 1899، من أجل تكريس همجيته الاستعمارية، والشروع في تنفيذ مشروع من بين أهم مشاريعه وهو عزل المنطقة عن المغرب. وفي سنة 1957 ظهر للوجود حكومة موريتانيا، تحت رئاسة المختار ولد داداه، كان من أجل أعمالها أن ربطت اتحادا مع المستعمر، وفي سنة 1960 اعترفت فرنسا رسميا باستقلال موريتانيا، ثم بعد ذلك نصبت رئيس الحكومة رئيسا للبلاد.
كان رد فعل المغرب على هذا العمل الشنيع، بأن رفع قضية «سلخ فرنسا لموريتانيا من الأراضي المغربية»، للأمم المتحدة، على اعتبار أن هذا الأمر يمس وحدته الترابية، وقد أيدت الدول العربية الموقف المغربي ما عدا تونس، غير أن فرنسا لم تكتف بهذا، بل زادت من تعنتها وجبروتها، وحاولت استخدام موريتانيا كمناورة منها لمضايقته على استكمال وحدته الترابية في الصحراء المغربية، سيما وأن موريتانيا أصبحت عضوا في الأمم المتحدة في 27 /10 /1961 .
فطن المغرب بمناورات وبحقيقة الأمور التي كانت فرنسا تعمل جاهدة لتحقيقها، فاعترف باستقلال موريتانيا سنة 1969 ، حتى يتسنى له التفرغ لمشكلة الصحراء الأكثر تعقيدا.
لم تعرف هذه النزاعات الأربعة مواجهة مسلحة، بل انتهت بحلول أرضت جميع الأطراف المتنازعة، حتى وإن بدا فيها تنازل طرف لصالح طرف آخر، إما مرغما أو مستفيدا. ليبقى أخطرها وأكثرها عمقا في منطقة المغرب الكبير، هو النزاع الذي عرفه المغرب والجزائر إضافة لمشكلة الصحراء .
1 5 المنازعات المغربية الجزائرية حول الحدود الشرقية :
تعتبر مشكلة الحدود المغربية الجزائرية، من أكثر قضايا المغرب الكبير تعقيدا وحدة، ذلك لأنها خلقت نزاعا وصل إلى حد المواجهة المسلحة. لا يخفى على أي متتبع لهذه النزاعات أن خصوصية المستعمر في الجزائر كانت أقوى مما كانت عليه بالمغرب ، فبديهي أن يلعب دورا فعالا في خلق مشاكل عديدة بين البلدين ، سيما وأنه كان على دراية بل كان يؤمن بأن الحماية التي فرضها على المغرب ستنتهي يوما ما ، في حين أن الجزائر فرض عليها استعمارا حاول من خلاله فرنسة هذا البلد ، وجعله جزء لا يتجزأ من ترابه الفرنسي ، لذلك قام بضم عدة أراضي مغربية للتراب الجزائري ، وذلك منذ أن احتله سنة 1830 ، فقد وجدت الحكومة الفرنسية في المساعدة التي قدمها السلطان المولى عبد الرحمان إلى الأمير عبد القادر ، فرصة للإخلال بوحدة التراب المغربي الشيء الذي أدى إلى اندلاع معركة إيسلي التي انهزم فيها المغاربة ، وحول هذه المعركة يقول الاستاذ عبد الحميد الوالي : « إلا أن هذه الحرب كانت وبالا على المغرب ، حيث شكلت الهزيمة التي مني بها في إيسلي قرب وجدة سنة 1844 ، منطلقا لعملية تفكيك الوحدة الترابية للمغرب ، ففي أعقاب الحرب ، فرضت فرنسا على المغرب في 18 مارس 1845 اتفاقية للامغنية الشهيرة التي تجسمت فيها بوادر المشروع المستقبلي للاستعمار الفرنسي في المغرب ».
عندما أحس المغرب بقرب حصول الجزائر على استقلالها ، تقدم أمام الحكومة المؤقتة التي كان يتزعمها فرحات
عباس بطلب لتسوية مشكلة الحدود بين البلدين ، لكنها طالبت بإرجاء البت في تسوية هذا المشكل إلى ما بعد استقلالها . وفي 06/07/1961 عقدت محادثات ثانية ، تضمنت إبرام اتفاق بين المغرب والحكومة الجزائرية المؤقتة لكن نشره لم يتم إلا سنة 1963. وقد تضمن ما يلي : « و فاء لروح مؤتمر طنجة المنعقد في شهر أبريل 1958 ، ونظرا لتعلقها المتين بميثاق الدارالبيضاء ، والقرارات المتخذة من قبله ، تقرر الحكومتان السعي لبناء المغرب العربي على أساس المشاركة الأخوية في المجال السياسي والاقتصادي، وتؤكد حكومة صاحب الجلالة ملك المغرب، مساندتها غير المشروطة للشعب الجزائري في كفاحه من أجل الاستقلال والوحدة الوطنية ، وتعلن عن دعمها بدون تحفظ للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضتها مع فرنسا على أساس احترام وحدة التراب الجزائري ، وستعارض حكومة صاحب الجلالة ، ملك المغرب ، بكل الوسائل المحاولات الرامية إلى تقسيم أو تفويت التراب الجزائري ، وتعترف الحكومة المؤقتة الجزائرية من جانبها ، بأن المشكل الترابي الناشئ عن تخطيط الحدود المفروضة تعسفا فيما بين القطرين ، سيجد حلا له في المفاوضات بين الحكومة المغربية ، وحكومة الجزائر المستقلة ، ولهذا الغرض ، تقرر الحكومتان إنشاء لجنة جزائرية مغربية في أقرب أجل لبدء دراسة المشكل وحله ضمن روح الإخاء ، والوحدة المغاربية .
وتبعا لذلك ، فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية ، تؤكد أن الاتفاقيات التي يمكن أن تنتج عن المفاوضات الفرنسية الجزائرية ، لا يمكن أن تنطبق على المغرب فيما يخص تخطيط الحدود بين الترابين الجزائري والمغربي » .
اعتبر المغرب هذا الاتفاق بمثابة إقرار جزائري بالحقوق المغربية في الأراضي المتاخمة في منطقة تندوف ، لكن بعد حصول الجزائر على استقلالها ، حصل ما لم يكن في الحسبان ، فالجارة تنكرت للوعود السابقة ، على اعتبار أن الاتفاق السابق باطل و غير صحيح لأن الحكومة المؤقتة ينحصر دورها في قيادة الصراع ، لا في التوقيع على الاتفاقيات التي هي من اختصاص المجلس الوطني الجزائري باعتباره أعلى سلطة في البلاد . ولكن هذا المبرر مغلوط من أساسه ، فالسبب الحقيقي الذي دفع الجزائر للتنكر لوعودها وجحودها ، هو أهمية المنطقة المتنازع عليها من الناحية الاقتصادية ، سيما بعد أن تأكد وجود الحديد الخام بها من طرف إحدى الشركات الفرنسية التي كلفت بدراسة استغلال الحديد في هذه المنطقة . ومع منتصف سنة 1963 قدمت هذه الشركة تقريرا نهائيا ، جاء فيه أن نسبة خام الحديد بها يبلغ حوالي 75% ، وأن هذا الإنتاج إذا أضيف إلى إنتاج موريتانيا ، سيمثل نسبة 50% من احتياجات السوق الاوربية المشتركة .
كما أوصت في تقريرها بضرورة استخراج هذه المادة ثم نقلها إلى ميناء أكادير، لكن الحكومة الجزائرية أصرت على نقله من أراضيها عبر ميناء وهران ، أمام هذا الموقف المتعنت ولا مسؤول للجزائريين ، دخل الطرفان في مواجهة مسلحة في أكتوبر 1963 ، استطاع من خلالها الجيش المغربي أن يتوغل في منطقة تنجوب وحسي بيضة ، ورغم محاولة جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ، التدخل لتسوية هذا المشكل ، إلا أن الطرفين معا رفضا هذه الوساطة . وفي 29/10/1963 ، انعقد مؤتمر ضم المغرب ، وإثيوبيا ، ومالي ، والجزائر تم بمقتضاه إبرام اتفاقية باماكو التي أسفرت عن القرارات التالية :
إيقاف القتال في منتصف ليلة 02/11/1963.
تحديد منطقة منزوعة السلاح بواسطة لجنة رباعية من ممثلين للدول الأربع المشاركة في المؤتمر.
تعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياد وسلام هذه المنطقة.
تشكيل لجنة تحكيم ، يتولى وزراء خارجية دول المنطقة اختيارها ، وتكون مهمتها ، تحديد المسؤولية عن بدء العمليات الحربية بين البلدين ، ودراسة مشكلة الحدود بينهما ، وتقديم مقترحات إيجابية للطرفين ، ووفق الحملات الدعائية بين البلدين » .
ترتب عن هذه القرارات أن بعض الدول اعتبرت التدخل الإفريقي ، لم يلتزم الحياد بل قراراته كانت لصالح المغرب على اعتبار أن اجتماع باماكو ، أقر بأن النزاع بين الطرفين يدخل في إطار المنازعات حول الحدود .
غير أنه على امتداد الدورات المنعقدة ما بين 1963 و1967 ، لم تتمكن منظمة الوحدة الإفريقية من إيجاد حل مناسب لفض هذا النزاع وللحسم فيه بصفة نهائية ، لأن المنظمة نفسها اعتمدت مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة عن المستعمر الذي خدم مصلحة الجزائر ، لم يكن هذا الأمر غريبا على دول المنظمة بل طبيعيا لأن أغلبها ورث حدودا تجاوزت أراضيه الحقيقية والمرسومة قبل دخول المستعمر إليها .
كما حاول مؤتمر القمة العربي المنعقد بالقاهرة سنة 1964 إيجاد حل مناسب لهذه المعضلة وانهاء هذا النزاع لكنه لم يفلح في ذلك ، رغم دعوته إلى :
إقامة منطقة مجردة من السلاح.
انسحاب القوات المسلحة على مسافة 7 كيلومترات من قبل الطرفين .
التواجد خارج مركز الاصطدام ( حسي بيضة وأم العشار) .
فقد اشتد الصراع بين البلدين خاصة بعد دخول الجزائر في 19/06/1965 تجربة بن بلة الذي قام بعملية تأميم ثروات الصحراء الشرقية سنة 1966. و قد نبه المغرب الأمين العام للأمم المتحدة بخطورة هذا الوضع وخطورة النزاع على مستقل المغرب الكبير .
ولخلق توازن بين قوى الطرفين معا فقد لجأ المغرب للولايات المتحدة من أجل الحصول على معدات حربية حديثة في الوقت الذي لجأت فيه الجزائر للاتحاد السوفياتي لتزويدها بأسلحة متطورة .
وأظن أن الطرفين توصلا إلى أن لا جدوى من المواجهة المسلحة بينهما وأن متطلبات العصر تفرض عليهما التقارب وإيجاد حل سلمي ، ولعل هذا ما يفسر الزيارة التي قام بها هواري بومدين الرئيس الجزائري للمغرب في 11/01/1969 ، والتي كان شعارها « الانفراج والوفاق والتعاون بين المغرب والجزائر » ، حيث تم التوقيع على معاهدة إيفران للأخوة وحسن الجوار والتعاون المشترك .
من هنا نستشف أن الاتفاق بين الطرفين المتعاقدين قد تم على احترام سيادة البلدين ووحدتهما الترابية ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وعدم استعمال العنف في المنازعات واللجوء إلى الحلول السلمية وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من نص الاتفاقية .
عقد بعد هذه المعاهدة اجتماع بتلمسان بتاريخ 27/05/1970 ، اتضح فيه أن مواقف البلدين متباعدة وكذلك أهدافهما ، ولم تتمكن المعاهدتين معا من إيجاد حل مناسب لهذا النزاع ولا أن ترضي الطرفين ، لكن عقب انعقاد القمة التاسعة لمنظمة الوحدة الإفريقية بالرباط سنة 1972 ، وقع الطرفان على اتفاقية الحدود بينهما ، وقد صادقت الحكومة الجزائرية على هذا الإتفاق في مايو 1973 ، في حين أن المغرب لم يصادق عليه إلا في يونيو 1992 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.