أخنوش: 340 ألف أرملة بدون أطفال تستفيد لأول مرة من الدعم المباشر    حزب "زوما" الجنوب إفريقي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي ويعتبره ضامناً لسيادة المغرب على الصحراء    رصيف الصحافة: الموسيقى الصاخبة تكشف تحول مقهى الى مرقص ليلي    توقيف شاب مشتبه به في قضية اعتداء خطير بحي العرعر بطنجة    عيد العرش: رؤية ملكية رائدة من أجل مغرب متقدم ومزدهر    إطلاق تجربة نموذجية لصيد الأخطبوط بالغراف الطيني دعما للصيد البحري المستدام والمسؤول    وزارة: برنامج "GO سياحة" يذلل العقبات أمام المقاولين في القطاع السياحي    ميناء طنجة المتوسط يعلن عن استثمار ضخم بقيمة 5 مليارات درهم لتوسعة محطة الشاحنات    الأمم المتحدة…الضفة الغربية تشهد أكبر نزوح منذ 1967    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    وسط إشادة المؤسسات المالية الدولية.. أخنوش يعبر عن فخره بوضعية الاقتصاد الوطني وتدبير المالية العمومية        وفد من منظمة التحرير الفلسطينية يزور وكالة بيت مال القدس الشريف بالرباط    الاجتماع الوزاري الخامس الاتحاد الأوروبي- جوار جنوب .. بوريطة يؤكد على ضرورة تحويل الشراكة الأورو-متوسطية إلى تحالف استراتيجي حقيقي    صحيفة كندية: الداخلة، «ملتقى طرق» يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء    فقدان السيطرة على حافلة يتسبب في مصرع سيدة وجرح آخرين قرب محطة باب دكالة بمراكش    الوزيرة السغروشني: الحكامة الرقمية رافعة لإدارة عمومية شفافة وفعالة في إفريقيا    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    أخنوش يستعرض بالبرلمان خطة الإنعاش الاقتصادي والإصلاح في ظل "الإرث الصعب"    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    وفاة معتصم "شاطو" أولاد يوسف بعد قفزه من خزان مياه واحتجازه عنصرًا من الوقاية المدنية    إحداث "مؤسسة المغرب 2030" يوحد الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب    تنظيم حفل بمناسبة انتهاء مدة الخدمة العسكرية للفوج ال39 من المجندات والمجندين بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بالدار البيضاء    إسرائيل تشن غارات في سوريا بدعوى "حماية الدروز" من القوات الحكومية    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الفلاحة تدافع عن جمعية مربي الأغنام والماعز وتؤكد أن حساباتها تُدقَّق سنويا    تضامن واسع مع الإخوة الشبلي بعد حبسهما بسبب مطالبتهما بكشف ملابسات وفاة أخيهما    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشكل الحدود بين دول المغرب الكبير

‬لاشك أن ظاهرة الاستعمار لم تمر بسلام في المنطقة ، بحيث أفرزت صراعات حادة في العلاقات المغاربية ، مردها إلى النزاع حول الحدود ، ومن ثم نجح المستعمر في توسيع هوة الخلاف بين بلدان المغرب الكبير، فمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار الذي تبنته منظمة الوحدة الإفريقية، أدى إلى تكريس النزعة القطرية، وفسح المجال إلى انفجار مواجهات مباشرة بين أقطار المغرب الكبير، كما هو الشأن بالنسبة لحرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963.
هكذا بدأت كل دولة تكيف مستقبلها وفقا للإيديولوجية، والنهج الذي تراه موافقا لمكوناتها وخصوصياتها، الأمر الذي أدى إلى ظهور تناقضات على مستوى الاختيارات السياسية والاقتصادية للأنظمة الحاكمة. إن نصف القرن الماضي، قد جعل من الوطنية، الإيديولوجية السائدة في بلدان المغرب الكبير، هذه الإيديولوجية التي جابهت “ليل الاستعمار الطويل” بتعبير فرحات عباس، وهي التي بعد انتصارها قامت بغزو هياكل الدولة ودعمها، وببعث المشاريع التنموية الطموحة، فبخلاف المشرق العربي، حيث انتشرت الإيديولوجية الوحدوية، شاهد المغرب بروز الدولة الوطنية والقومية الترابية، ولقد فرضت هذه الفكرة نفسها منذ الثلاثينيات عندما نجحت النخب الوطنية في التغلب على التيار السلفي، وعلى تهميش النخب الليبرالية والاشتراكية الاتجاه.
وقفت هذه الوضعية حجرة عثرة أمام كل المجهودات التي بذلت للتخفيف من حدة التوتر وتكريس الوحدة ، حيث حاولت القوى الوطنية تلطيف هذا الصراع عبر عقد مؤتمر طنجة سنة 1958، لكنها لم تنجح لأن المؤتمر فصل بين مرحلتين زمنيتين مختلفتين تماما بل متناقضتين وهما المرحلة الاستعمارية، حيث ساد منطق التنسيق والتضامن والوحدة بين حركات كان همها إخراج المستعمر وإحلال السلطة الوطنية محله، ومرحلة الاستقلال حيث هيمن خطاب التأسيس الداخلي والبناء الذاتي للأقطار المستقلة .
باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلت من أجل تحقيق هذه الوحدة، لأن الصراع كان أقوى وأشد، و ظل طابع التجزئة هو الواقع المر الذي تذوقته هذه البلدان، وهو ما عانت منه ومازالت …
1 مشكل الحدود بين دول المغرب الكبير
عرفت‪ ‬ دول المغرب الكبير مشاكل عديدة حول الحدود خلقها وخلفها الاستعمار الذي اقتطع جزءا من أراضي دول معينة ليضيفه إلى الدولة التي استعمرها بصفة نهائية، من هنا يمكن القول بأن المستعمر إذا كان قد أعاد للبلدان المستعمرة حريتها، فإنه مقابل ذلك فتح المجال للنزاعات بين المطالبين بالرجوع للحدود المرسومة قبل الاستعمار، وبين المطالبين بالأخذ بمبدأ المحافظة على الحدود الاستعمارية الذي أخذت به منظمة الوحدة الإفريقية لتغلق باب المنازعات بين دول القارة.
ويعتبر النزاع على الحدود من أخطر المظاهر التي ساهمت في توسيع دائرة التجزئة بين البلدان المغاربية ، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه من استقلال الجزائر تدعيم أسس بناء المغرب الكبير، ظهرت مشكلة الحدود كمظهر بارز في نمو النزعة الإقليمية التي قضت على كل تفكير جدي أو مجرد محاولة في خلق وحدة للمغرب الكبير. لذلك أقول إن الاستعمار خلف جرحا و أثرا عميقا على مستوى توجهات البلدان المغاربية، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل كذلك بالنسبة لحركات التحرر الوطنية، وفي هذا الإطار يقول الأستاذ محمد تاج الدين الحسيني: «..إلا أن تخطيط الحدود من طرف المستعمر، أدى بقيادات الحركة الوطنية بدلا من تعميق التوجه الوحدوي، للانحباس في إطار النزعة القطرية الضيقة. ففكرة وحدة المغرب العربي كانت تعني في أذهان القيادات الوطنية وحدة العمل، وليس وحدة الهوية».
في هذا الصدد ارتأينا إجمال هذه الخلافات أو الصراعات بين بلدان المغرب الكبير، فيما يلي :
1 1 مشكلة الحدود الليبية التونسية:
يتمحور هذا النزاع حول الجرف القاري الذي يحاول كل طرف إثبات سيادته عليه، وبسببه توترت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين منذ شتنبر 1969 ، ليتجدد هذا الخلاف الحدودي بينهما سنة 1977 إذ رفعت تونس دعوى على ليبيا أمام محكمة العدل الدولية مطالبة بحقها في منطقة الرصيف القاري في البحر الأبيض المتوسط. إلا أن المحكمة رفضته. ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته جامعة الدول العربية للتخفيف من حدة هذا النزاع حتى لا يتطور إلى مواجهة مسلحة ، بل ظل مرتبطا بحالة الوفاق المتبادل بينهما ، وكدليل على ذلك الاتفاقية التي أبرمها الطرفان في 27 فبراير 1982 ، حيث عبرا عن رغبتهما في تطوير العلاقات الدبلوماسية بينهما ، والتعاون في شتى المجالات.
1 2 مشكلة الحدود الليبية الجزائرية :
طرح هذا المشكل بين البلدين سنة 1967، عندما اخترقت الدوريات الجزائرية الحدود الليبية عند قرية امباس، وهو ما اعتبرته ليبيا مساسا بحدودها وسيادتها على المنطقة، غير أن الجزائريين استندوا في عملهم الجريء هذا إلى اتفاقية 1957 المعقودة بين ليبيا والإدارة الفرنسية، والتي تم فيها تخطيط الحدود التي وافقت عليها الجمعية الوطنية الفرنسية، وتم تسجيلها في الأمم المتحدة لكن الطرف الليبي برر إبرامه لهذه الاتفاقية بكونه عمل على فتحها حتى لا تثير أي مشكل أثناء حرب التحرير وبإيعاز من الحكومة الجزائرية ، وما دامت لم تعرض على البرلمان ولم يصادق عليها فإنها لم تستكمل شكلها القانوني .
وعلى الرغم من ذلك ، لم يعرف هذا المشكل نفس الحدة والأهمية كالتي عرفتها باقي دول المغرب الكبير، إذ أن الطرفين عملا على تأجيل تخطيطها من حين لآخر حتى يتجنبا أي صدام بينهما .
1 3 مشكلة الحدود الجزائرية التونسية :
قام الخلاف الجزائري التونسي على الحدود حول النقطة 233 التي كانت الجزائر قد تسلمتها من الإدارة الفرنسية بعد الاستقلال، على الرغم من أنها كانت تابعة للمجال الترابي التونسي قبل دخول المستعمر الفرنسي للمنطقة . وهذا ما جعل تونس تطالب الجزائر بالرجوع إلى الحدود التي رسمت قبل دخول المستعمر، لكن الجزائريين تمسكوا بهذه المنطقة للحفاظ على الموروث الاستعماري (الحدود الاستعمارية) ، وهذا ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين ، سيما وأن كل بلد أصبح ينقب على البترول في منطقة حاسي بورما الواقعة قرب المنطقة المتنازع عليها .
ولتسوية هذا المشكل تشكلت لجنة عسكرية مشتركة بحثت في الموضوع للحيلولة دون وقوع أي اصطدام بين الطرفين . وعلى الرغم من ذلك ظلت هذه المشكلة عالقة بين البلدين الشقيقين ثمان سنوات ، إلى أن اعترفت تونس بالحدود التي كانت موجودة منذ سنة 1962 ، ترتب عنه وضع مشروع اتفاق تم فيه توضيح خط الحدود في البورما، على أساس استغلال المنطقة من قبل الطرفين معا .
1 4 النزاع على الحدود بين المغرب وموريتانيا :
يتبادر إلى ذهن أي متتبع لمسار التاريخ السياسي المغربي، أن موريتانيا ارتبطت دائما بالمغرب من خلال عقد البيعة، وقد كان اسمها شنقيط ، أما الاسم الحالي فقد أطلقه عليها المحتل الفرنسي سنة 1899، من أجل تكريس همجيته الاستعمارية، والشروع في تنفيذ مشروع من بين أهم مشاريعه وهو عزل المنطقة عن المغرب. وفي سنة 1957 ظهر للوجود حكومة موريتانيا، تحت رئاسة المختار ولد داداه، كان من أجل أعمالها أن ربطت اتحادا مع المستعمر، وفي سنة 1960 اعترفت فرنسا رسميا باستقلال موريتانيا، ثم بعد ذلك نصبت رئيس الحكومة رئيسا للبلاد.
كان رد فعل المغرب على هذا العمل الشنيع، بأن رفع قضية «سلخ فرنسا لموريتانيا من الأراضي المغربية»، للأمم المتحدة، على اعتبار أن هذا الأمر يمس وحدته الترابية، وقد أيدت الدول العربية الموقف المغربي ما عدا تونس، غير أن فرنسا لم تكتف بهذا، بل زادت من تعنتها وجبروتها، وحاولت استخدام موريتانيا كمناورة منها لمضايقته على استكمال وحدته الترابية في الصحراء المغربية، سيما وأن موريتانيا أصبحت عضوا في الأمم المتحدة في 27 /10 /1961 .
فطن المغرب بمناورات وبحقيقة الأمور التي كانت فرنسا تعمل جاهدة لتحقيقها، فاعترف باستقلال موريتانيا سنة 1969 ، حتى يتسنى له التفرغ لمشكلة الصحراء الأكثر تعقيدا.
لم تعرف هذه النزاعات الأربعة مواجهة مسلحة، بل انتهت بحلول أرضت جميع الأطراف المتنازعة، حتى وإن بدا فيها تنازل طرف لصالح طرف آخر، إما مرغما أو مستفيدا. ليبقى أخطرها وأكثرها عمقا في منطقة المغرب الكبير، هو النزاع الذي عرفه المغرب والجزائر إضافة لمشكلة الصحراء .
1 5 المنازعات المغربية الجزائرية حول الحدود الشرقية :
تعتبر مشكلة الحدود المغربية الجزائرية، من أكثر قضايا المغرب الكبير تعقيدا وحدة، ذلك لأنها خلقت نزاعا وصل إلى حد المواجهة المسلحة. لا يخفى على أي متتبع لهذه النزاعات أن خصوصية المستعمر في الجزائر كانت أقوى مما كانت عليه بالمغرب ، فبديهي أن يلعب دورا فعالا في خلق مشاكل عديدة بين البلدين ، سيما وأنه كان على دراية بل كان يؤمن بأن الحماية التي فرضها على المغرب ستنتهي يوما ما ، في حين أن الجزائر فرض عليها استعمارا حاول من خلاله فرنسة هذا البلد ، وجعله جزء لا يتجزأ من ترابه الفرنسي ، لذلك قام بضم عدة أراضي مغربية للتراب الجزائري ، وذلك منذ أن احتله سنة 1830 ، فقد وجدت الحكومة الفرنسية في المساعدة التي قدمها السلطان المولى عبد الرحمان إلى الأمير عبد القادر ، فرصة للإخلال بوحدة التراب المغربي الشيء الذي أدى إلى اندلاع معركة إيسلي التي انهزم فيها المغاربة ، وحول هذه المعركة يقول الاستاذ عبد الحميد الوالي : « إلا أن هذه الحرب كانت وبالا على المغرب ، حيث شكلت الهزيمة التي مني بها في إيسلي قرب وجدة سنة 1844 ، منطلقا لعملية تفكيك الوحدة الترابية للمغرب ، ففي أعقاب الحرب ، فرضت فرنسا على المغرب في 18 مارس 1845 اتفاقية للامغنية الشهيرة التي تجسمت فيها بوادر المشروع المستقبلي للاستعمار الفرنسي في المغرب ».
عندما أحس المغرب بقرب حصول الجزائر على استقلالها ، تقدم أمام الحكومة المؤقتة التي كان يتزعمها فرحات
عباس بطلب لتسوية مشكلة الحدود بين البلدين ، لكنها طالبت بإرجاء البت في تسوية هذا المشكل إلى ما بعد استقلالها . وفي 06/07/1961 عقدت محادثات ثانية ، تضمنت إبرام اتفاق بين المغرب والحكومة الجزائرية المؤقتة لكن نشره لم يتم إلا سنة 1963. وقد تضمن ما يلي : « و فاء لروح مؤتمر طنجة المنعقد في شهر أبريل 1958 ، ونظرا لتعلقها المتين بميثاق الدارالبيضاء ، والقرارات المتخذة من قبله ، تقرر الحكومتان السعي لبناء المغرب العربي على أساس المشاركة الأخوية في المجال السياسي والاقتصادي، وتؤكد حكومة صاحب الجلالة ملك المغرب، مساندتها غير المشروطة للشعب الجزائري في كفاحه من أجل الاستقلال والوحدة الوطنية ، وتعلن عن دعمها بدون تحفظ للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضتها مع فرنسا على أساس احترام وحدة التراب الجزائري ، وستعارض حكومة صاحب الجلالة ، ملك المغرب ، بكل الوسائل المحاولات الرامية إلى تقسيم أو تفويت التراب الجزائري ، وتعترف الحكومة المؤقتة الجزائرية من جانبها ، بأن المشكل الترابي الناشئ عن تخطيط الحدود المفروضة تعسفا فيما بين القطرين ، سيجد حلا له في المفاوضات بين الحكومة المغربية ، وحكومة الجزائر المستقلة ، ولهذا الغرض ، تقرر الحكومتان إنشاء لجنة جزائرية مغربية في أقرب أجل لبدء دراسة المشكل وحله ضمن روح الإخاء ، والوحدة المغاربية .
وتبعا لذلك ، فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية ، تؤكد أن الاتفاقيات التي يمكن أن تنتج عن المفاوضات الفرنسية الجزائرية ، لا يمكن أن تنطبق على المغرب فيما يخص تخطيط الحدود بين الترابين الجزائري والمغربي » .
اعتبر المغرب هذا الاتفاق بمثابة إقرار جزائري بالحقوق المغربية في الأراضي المتاخمة في منطقة تندوف ، لكن بعد حصول الجزائر على استقلالها ، حصل ما لم يكن في الحسبان ، فالجارة تنكرت للوعود السابقة ، على اعتبار أن الاتفاق السابق باطل و غير صحيح لأن الحكومة المؤقتة ينحصر دورها في قيادة الصراع ، لا في التوقيع على الاتفاقيات التي هي من اختصاص المجلس الوطني الجزائري باعتباره أعلى سلطة في البلاد . ولكن هذا المبرر مغلوط من أساسه ، فالسبب الحقيقي الذي دفع الجزائر للتنكر لوعودها وجحودها ، هو أهمية المنطقة المتنازع عليها من الناحية الاقتصادية ، سيما بعد أن تأكد وجود الحديد الخام بها من طرف إحدى الشركات الفرنسية التي كلفت بدراسة استغلال الحديد في هذه المنطقة . ومع منتصف سنة 1963 قدمت هذه الشركة تقريرا نهائيا ، جاء فيه أن نسبة خام الحديد بها يبلغ حوالي 75% ، وأن هذا الإنتاج إذا أضيف إلى إنتاج موريتانيا ، سيمثل نسبة 50% من احتياجات السوق الاوربية المشتركة .
كما أوصت في تقريرها بضرورة استخراج هذه المادة ثم نقلها إلى ميناء أكادير، لكن الحكومة الجزائرية أصرت على نقله من أراضيها عبر ميناء وهران ، أمام هذا الموقف المتعنت ولا مسؤول للجزائريين ، دخل الطرفان في مواجهة مسلحة في أكتوبر 1963 ، استطاع من خلالها الجيش المغربي أن يتوغل في منطقة تنجوب وحسي بيضة ، ورغم محاولة جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ، التدخل لتسوية هذا المشكل ، إلا أن الطرفين معا رفضا هذه الوساطة . وفي 29/10/1963 ، انعقد مؤتمر ضم المغرب ، وإثيوبيا ، ومالي ، والجزائر تم بمقتضاه إبرام اتفاقية باماكو التي أسفرت عن القرارات التالية :
إيقاف القتال في منتصف ليلة 02/11/1963.
تحديد منطقة منزوعة السلاح بواسطة لجنة رباعية من ممثلين للدول الأربع المشاركة في المؤتمر.
تعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياد وسلام هذه المنطقة.
تشكيل لجنة تحكيم ، يتولى وزراء خارجية دول المنطقة اختيارها ، وتكون مهمتها ، تحديد المسؤولية عن بدء العمليات الحربية بين البلدين ، ودراسة مشكلة الحدود بينهما ، وتقديم مقترحات إيجابية للطرفين ، ووفق الحملات الدعائية بين البلدين » .
ترتب عن هذه القرارات أن بعض الدول اعتبرت التدخل الإفريقي ، لم يلتزم الحياد بل قراراته كانت لصالح المغرب على اعتبار أن اجتماع باماكو ، أقر بأن النزاع بين الطرفين يدخل في إطار المنازعات حول الحدود .
غير أنه على امتداد الدورات المنعقدة ما بين 1963 و1967 ، لم تتمكن منظمة الوحدة الإفريقية من إيجاد حل مناسب لفض هذا النزاع وللحسم فيه بصفة نهائية ، لأن المنظمة نفسها اعتمدت مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة عن المستعمر الذي خدم مصلحة الجزائر ، لم يكن هذا الأمر غريبا على دول المنظمة بل طبيعيا لأن أغلبها ورث حدودا تجاوزت أراضيه الحقيقية والمرسومة قبل دخول المستعمر إليها .
كما حاول مؤتمر القمة العربي المنعقد بالقاهرة سنة 1964 إيجاد حل مناسب لهذه المعضلة وانهاء هذا النزاع لكنه لم يفلح في ذلك ، رغم دعوته إلى :
إقامة منطقة مجردة من السلاح.
انسحاب القوات المسلحة على مسافة 7 كيلومترات من قبل الطرفين .
التواجد خارج مركز الاصطدام ( حسي بيضة وأم العشار) .
فقد اشتد الصراع بين البلدين خاصة بعد دخول الجزائر في 19/06/1965 تجربة بن بلة الذي قام بعملية تأميم ثروات الصحراء الشرقية سنة 1966. و قد نبه المغرب الأمين العام للأمم المتحدة بخطورة هذا الوضع وخطورة النزاع على مستقل المغرب الكبير .
ولخلق توازن بين قوى الطرفين معا فقد لجأ المغرب للولايات المتحدة من أجل الحصول على معدات حربية حديثة في الوقت الذي لجأت فيه الجزائر للاتحاد السوفياتي لتزويدها بأسلحة متطورة .
وأظن أن الطرفين توصلا إلى أن لا جدوى من المواجهة المسلحة بينهما وأن متطلبات العصر تفرض عليهما التقارب وإيجاد حل سلمي ، ولعل هذا ما يفسر الزيارة التي قام بها هواري بومدين الرئيس الجزائري للمغرب في 11/01/1969 ، والتي كان شعارها « الانفراج والوفاق والتعاون بين المغرب والجزائر » ، حيث تم التوقيع على معاهدة إيفران للأخوة وحسن الجوار والتعاون المشترك .
من هنا نستشف أن الاتفاق بين الطرفين المتعاقدين قد تم على احترام سيادة البلدين ووحدتهما الترابية ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وعدم استعمال العنف في المنازعات واللجوء إلى الحلول السلمية وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من نص الاتفاقية .
عقد بعد هذه المعاهدة اجتماع بتلمسان بتاريخ 27/05/1970 ، اتضح فيه أن مواقف البلدين متباعدة وكذلك أهدافهما ، ولم تتمكن المعاهدتين معا من إيجاد حل مناسب لهذا النزاع ولا أن ترضي الطرفين ، لكن عقب انعقاد القمة التاسعة لمنظمة الوحدة الإفريقية بالرباط سنة 1972 ، وقع الطرفان على اتفاقية الحدود بينهما ، وقد صادقت الحكومة الجزائرية على هذا الإتفاق في مايو 1973 ، في حين أن المغرب لم يصادق عليه إلا في يونيو 1992 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.