في ظل تنامي المتابعات على خلفية التعبير عن الرأي، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة توسيع حرية التعبير من حرية الصحافة إلى حرية الإعلام، لاستيعاب مختلف أشكال التعبير الحديثة، رافضا إخضاع الصحافيين للقانون الجنائي، ودعا إلى إلغاء القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير مع استبعاد إمكانية لجوء الهيئات والمؤسسات العمومية إلى دعاوى التشهير. وقال المجلس في مذكرة له حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة إن التحولات المتسارعة المرتبطة بتطور تكنولوجيات الاتصال والتواصل، أدت إلى بروز أنماط جديدة من ممارسة حرية التعبير، لم تعد مقتصرة على الصحافة التقليدية، بل امتدت لتشمل وسائط ومنصات رقمية أصبحت فاعلا رئيسيا في النقاش العمومي وصناعة الرأي العام.
وأمام هذه المستجدات، أوصى المجلس بتجاوز الاقتصار على مفهوم "حرية الصحافة" باعتباره مفهوما تقليديا محدود الأفق، والانتقال إلى مفهوم "حرية الإعلام" بمضمونه الأوسع، بما يستوعب مختلف أشكال التعبير الحديثة، ويتيح تأطيرها وفق قواعد مهنية وأخلاقية منسجمة مع المعايير الدولية ذات الصلة. واعتبرت المؤسسة الدستورية أن تعزيز حرية التعبير في النموذج الديمقراطي الناشئ بالمغرب يقتضي تقوية آليات التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام، وتقليص نطاق التأطير التشريعي المباشر، مع ابتكار آليات مناسبة لمواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة، ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل قنوات رئيسية لممارسة حرية الإعلام، بعد أن لم تعد الصحافة التقليدية تحتكر هذا الدور. وبخصوص إخضاع الصحافيين لمقتضيات القانون الجنائي، فقد نبه المجلس إلى أن هذا الإخضاع ينطوي على مخاطر متعددة، من أبرزها أن بعض النصوص الجنائية تشكل في حد ذاتها قيدا على حرية التعبير، وأن إحالة مخرجات العمل الصحفي مباشرة على القانون الجنائي يفضي إلى صعوبة التمييز بين ما يدخل في نطاق حرية التعبير وما يعتبر فعلا مجرما. وشدد على ضرورة تدقيق مفهوم "النظام العام" لتفادي التضارب في تأويله من طرف القضاء، واعتماد المبدأ الدستوري القاضي بأن الحرية هي الأصل والتقييد استثناء، مع التأكيد على أن القيود يجب أن تكون محدودة، مؤولة بشكل ضيق، ومبررة بشكل مقنع في مجتمع ديمقراطي. ومع تزايد المتابعات القضائية على خلفية التشهير والقذف، أوصى المجلس بإلغاء القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير واستبدالها بقوانين مدنية منسجمة مع المعايير الدولية. وشدد على أن التشريعات المتعلقة بالتشهير يجب أن تعكس أهمية النقاش المفتوح حول القضايا ذات الشأن العام، وأن تقرر بأن الشخصيات العامة تتحمل قدرا أكبر من النقد مقارنة بباقي المواطنين، وأكد أن عبء إثبات كذب البيانات يقع على المدعي، وأن مجرد التعبير عن الرأي لا ينبغي أن يشكل أساسا للمساءلة. وفي السياق ذاته، أوصت المؤسسة الدستورية المعنية بحقوق الإنسان بأن تكون العقوبات المدنية متناسبة مع الضرر الفعلي، وألّا تكون ذات أثر مُثبط لحرية التعبير، مع استبعاد إمكانية لجوء الهيئات والمؤسسات العامة إلى دعاوى التشهير.