نزيف تسريح العاملين بشركات الإنتاج السمعي البصري متواصل. بدأ منذ خروج النسخة الأولى من دفاتر تحملات وزير الاتصال مصطفى الخلفي، واستفحل مع المصادقة على النسخة النهائية للدفاتر المعدلة من طرف لجنة وزير السكنى والمدينة نبيل بن عبد الله. تسريحات بالجملة هنا وهناك نتيجة توقف آلة الإنتاج عاما كاملا، سينضاف إليها عام آخر، إذ لن تنتقل لجنة انتقاء البرامج للنظر في مصير البرامج القديمة إلا بعد انتهائها من شبكة رمضان والبرامج الجديدة المتضمنة في الدفاتر. هنا محاولة استطلاع حال شركات الإنتاج المتضررة، بيد أن المفاجأة أن جل من ربط الملحق اتصالا بهم رفضوا الكشف عن هويتهم خوفا على أرزاقهم من تهديدات مسؤولين كبار في قطاع الاتصال والسمعي البصري. الملحق حاول أيضا معرفة موقف وزير الاتصال مما حملته تصريحات المنتجين، إلا أن هاتفه لا يرد رغم عديد الاتصالات به. أكثر من هذا بعث الملحق بسؤالين إلى الخلفي عبر خدمة الرسائل الخاصة لكن دونما حصول على جواب. ياسمينة الشامي «أنقذت شركتي عن طريق الكريدي» «ثمان سنوات وأنا خدامة مع الأولى لم يسبق أن أديت أي رشوة وما عمرهم وقفوا ليا الخدمة» ترد ياسمينة السامي صاحبة شركة كايا بروديكسيون على من يحاول جمع شركات الإنتاج في سلة واحدة، وإصباغها بلون واحد هو لون الفساد «الاتهام بالفساد يحتاج إلى دليل لا أن نلقيه جزافا هكذا دون تحديد المقصود به كأن الجميع يمارس الفساد. الجميع تيعرفني وأنه لا علاقة لي بمثل هذا النموذج ديال المنتجين» تضيف منتجة أسر وحلول على الأولى. ولم تخف المنتجة ذاتها أنه لا يمكن أن يختلف اثنان على ضرورة محاربة الفساد سواء كان في الإنتاج التلفزيوني أو غيره من القطاعات الأخرى «ولكن بحكم تجربتي أقول شيئا واحدا لي بغا يخدم نقي راه غادي يخدم نقي ولي ما بغاش راه ما بغاش، ولي تيشتغلوا بطرق غير نظيفة راه من السهل معرفتهم، والناس ديال القطاع تيعرفوهم». إذا كان الكثير من شركات الإنتاج اضطرت إلى تسريح كل المنتجون، وانتظار ما ستأتي به الأيام ، فإن ياسمينة شامي تشكل نموذجا استثنائيا -لحد الآن طبعا- عرفت كيف تتعامل مع الوضع الجديد، بل وكانت تعد العدة لمواجهة مثل هذا اليوم الأسود، إذ ظلت تذخر جزء من أرباحها، وتراكمها في حساب خاص. لكن هل كانت كافية لتدبير شؤونها؟ يبدو أنها لم تكن كافية، واختارت اجتراح سبيل آخر وإن كانت نتائجه غير مضمونة وهو الكريدي البنكي «تحملت مسؤوليتي واخترت ألا أهدم ما حققته من تراكم وأفرط في كفاءات ومؤهلات أعتبرها ربحا حقيقيا للقطاع التلفزيوني ككل كسبناها طيلة سنوات من الاشتغال» تضيف ياسمينة. اللجوء إلى القرض البنكي كحل جاهز لا يعني أن منتجة «مححقون » على ميدي 1 تي في» تخطت منطقة الخطر، بل يبقى مصير شركتها مهددا في أي لحظة بالتوقف، وتسريح ما لا يقل عن ثمانية مرسمين، وسبعة متعاونين «رغم أنني دبرت أمري عن طريق الكريدي فإنني تقهرت ونقدر في أي لحظة نسد، كل شهر يجب أن تؤدي أجور العاملين، وتؤدي الضرائب، لكن يجب أن نضحي من أجل الحفاظ على مستوى مهني بنيناه كل هذه السنوات ،وليس من المنطق تقويضه في لمح البصر أو بجرة قلم، ليس من المعقول أن ننطلق في كل مرة من الصفر » تؤكد ياسمينة الشامي. وزير الاتصال يتسرع…! كشف مصدر من داخل «جمعية مقاولات السمعي البصري» أن مالك الشركة المنتجة لسلسلة «الزين في الثلاثين» اضطر تحت وطأة الأزمة، إلى تسريح ما لا يقل عن 22 شخصا ما بين صحفيين وتقنيين رسميين ومتعاونين، بعدما وجد نفسه عاجزا عن سداد أجورهم، وقد توقفت عجلة الإنتاج نهائيا منذ شهر مارس من العام الماضي، وأمست القنوات تقتات على الإعادات، ولم يعد هناك ما يسمى باستمرارية المرفق العام «وحتى الأعمال التي كان ينجزها المنتجون المتضررون لم تكن حقوقها المالية تحول في الوقت المناسب، وكنا نؤدي من مالنا الخاص لما انقضت السيولة، وحدث ما حدث بشكل، أصبحنا معه عاجزين عن الحركة وأصبح مستحيلا الاستمرار في تحمل التكاليف في ظل وضع أغلقت علينا كل الصنابير الممكن أن تدر علينا مداخيل» يضيف المصدر ذاته. «لنكون صريحين، دفاتر التحملات كحرفيين ولاد المهنة تعد بادرة مزيانة» يقول المنتج علي شاط ويزيد شارحا لموقفه «في كلمة واحدة الشفافية وتكافؤ الفرص». قاصدا بذلك إغلاق الباب على المحسوبية والزبونية وقطع السبيل على أعمال ما انفكت تمرر تحت الطاولة على مدى سنوات. «الحظوظ غادية تولي متساوية ومثل هذه الشفافية ستصب لا محالة في صالح الشركات المهنية ديال بصح اللي كتشغل الشباب وتصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتؤدي كل واجباتها الضريبية، وليس كشركات أخرى يفتحها أصحابها في منازلهم ويجتمعون في المقاهي للحسم في أمر الأعمال ويكتفون فقط بتشغيل المتعاونين». بيد أن ما يؤاخذه عديد منتجين مسهم ضرر عدم توقيع وزير الاتصال على قرار الفترة الانتقالية هو التسرع وعدم التؤدة، إذ لم يجالس المهنيين الحقيقيين لإدراك كنه الإشكال، ولم يستوعب – حسب رأي منتجين- حقيقة الإنتاج التلفزيوني كما هو على أرض الواقع، إلا بعد فوات الأوان والمصادقة على دفاتر التحملات، حينما عقد جلسات حوار، أو لنقل جلسات استماع فقط بالأحرى مع أصحاب «القطاع الحقيقيين»: فمع من إذا أقام الوزير مقاربته التشاركية كما قال وكرر مرات بأنه اعتمدها، بل وكانت ديدن كل عمله». تنديد بلا قانونية إيقاف عجلة الإنتاج في القنوات التلفزية تواصل أزمة دفاتر التحملات إلقاء ظلالها وفرض تداعياتها على عدد من شركات الإنتاج الخاصة. فبعد العطالة التي فرضها عليها «بحد السيف» الصراع المحتد بين وزير الاتصال مصطفى الخلفي ومدراء القنوات التلفزية المغربية المستقوين بجهات سياسية متنفذة، شرعت بعض الشركات في تسريح مستخدميها وإعلان إفلاسها، فيما لم تزل شركات أخرى تقاوم الأزمة بما تبقى لها من نفس وقوة مستمدة من أعوام القطاف الخصبة. مصدر من داخل «جمعية مقاولات القطاع السمعي البصري» أكد أن السكين قد بلغ فعلا العظم فيما يستمر وزير الاتصال ومدراء التلفزيون في تغذية صراعهم على حساب المنتجين الذين أصبحوا يشكلون حبوب رحى هذه الحرب. وتساءل المصدر نفسه عن دواعي إيقاف عجلة الإنتاج في وقت لا يوجد أي بند في دفاتر التحملات الجديدة يقضي بهذا التعطيل وهو ما يستوجب التنديد ويكشف لا قانونية ما يقع الآن في القناتين الأولى والثانية. وفي الوقت الذي أثنى فيه المصدر على ما حملته دفاتر التحملات من قيم الشفافية وتكافؤ الفرص بما سيضع حدا لنوع من «الحرب القذرة» وينصف المنتجين الصغار، الذين لا يملكون «المفاتيح السحرية» لقطاع الإنتاج بالقنوات التلفزية كما هو حال منتجين دناصير، فإنه اعتبر أن إيقاف البرامج المحكومة بتعاقد بين الشركات الخاصة والقنوات الوطنية من أجل إدخال مساطر جديدة هو تصرف غير قانوني ولا منطقي، يتحمل فيه المسؤولية كل من وزير الاتصال والرئيس المدير العام للقطب العمومي على خلفية شد الحبل الدائرة بينهما منذ الإعلان عن إصلاح التلفزيون. المصدر ذكر أن جزء من تعطل حال الإنتاج اليوم له صلة أيضا بالملاحظات السلبية التي سجلتها اللجنة البرلمانية بقيادة كجمولة منت أبي (حاولنا الاتصال بها لمعرفة هذه الملاحظات دون جدوى) في تقرير زيارتها للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن سوء تدبير وتسيير ميزانية الشركة، وهو ما أزعج فيصل العرايشي وحدا به إلى ردود أفعال دفع ثمنها المنتجون والمشاهدون المغاربة الذين فرض عليهم مسؤولوهم في الإعلام والاتصال إنتاجات بائتة سبق بثها عشرات المرات علما أنهم يدفعون ضريبة التلفزيون حتى وإن غابت برامجه..! المصدر ذاته قدم نفسه كحالة انعكاس للأزمة الاقتصادية التي ضربت قطاع الإنتاج، ذاكرا أن مدة 12 سنة من عمل شركته في هذا الميدان تبدو الآن في مهب ريح حرب وصفها بأنها بلا معنى بين الخلفي ومدراء التلفزيون. وأفاد أن شركته تشغل 15 مستخدما قارا يتوفرون على حقوقهم المنصوص عليها في قانون الشغل، إضافة إلى 40 متعاونا. وهو اليوم يتحمل كلفة 300 ألف درهم من الأجور الشهرية منذ أكثر من عام دون أن تكون هناك أي مداخيل بسبب توقف عجلة الإنتاج عن الدوران. نور الدين زروري / عبد العالي الدمياني