شقّ عزيز عصا طاعة والده عندما انجرف وراء تيار التخدير والسكر، فشرع يعتدي عليه كلما لعبت الخمرة برأسه، غير أن درجة الاعتداء بلغت ذروتها عندما أقدم على ذبحه من الوريد إلى الوريد عقب توصله بخبر مفاده أن الأب أقدم على تفويت بيت العائلة لوالدته (جدة الجاني). حياة عادية تلك التي كانت تحياها أسرة الشاب عزيز داخل بيتها المتواضع بأحد دواوير منطقة هشتوكة التابعة لدائرة أزمور، فقد كانت تتعاقب عليها –على غرار جميع الأسر- لحظات فرح كلما تعلق الأمر بحلول مناسبة سعيدة، و كذا لحظات قرح متى لاحت في سمائها مآسي تجعل الابتسامة تهجر أفواه الجميع لتعوضها ملامح الحزن والأسى التي ترسم علاماتها على وجوه أفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم. ظل الأب يكد و يشقى من أجل توفير لقمة العيش لأفراد أسرته، بل و زاد كدّه منذ أن رزق بأطفال صغار باتت حاجتهم تزداد يوما بعد آخر للقمة تضع حدا لصفير أمعائهم الذي يتعالى كلما استبد بهم الجوع. بتأثيث الأطفال دنيا الأب، أضحى يفكر في تأمين مستقبلهم من خلال توفير سكن يقيهم ذل التشرد، ما جعله يضاعف وتيرة اشتغاله بحقول وضيعات كبار الفلاحين، حتى رسمت قساوة الزمن آثارها على وجهه الشاحب، فصار الوهن يأخذ من قوته شيئا فشيئا سيما وأن السنين شرعت تزحف به نحو خريف العمر وهو في غفلة من أمره. تبدد الآمال شيّد الأب بيتا متواضعا يؤوي إليه رفقة أفراد أسرته الصغيرة كلما أرخى الليل سدوله، بل ويقيهم سقفه لفحات الشمس الحارقة صيفا، وقطرات الأمطار الباردة شتاء، وظلت آماله قائمة في أن ابنه عزيز سيتولى أمر تدبير شؤون الأسرة بعدما تخور قواه وهو الذي بلغ من الكبر عتيا. لقد ظلت آماله تكبر بدواخله كلما وقع بصره على ابنه البكر وهو يكبر يوما بعد يوما، حتى اشتد عوده وصار شابا بطول فارع وعضلات مفتولة بإمكانها أن تساعده على تحمل مشاق العمل لمواجهة صروف الحياة اليومية الخاصة بأفراد الأسرة جميعا. بدت آمال الأب تتبدد رويدا رويدا عندما علم بأن ابنه شق عصا طاعته ولم يعد يهتم لنصائحه وأوامره، بل ولم يكترث لشؤون البيت بعدما أضحى يتعاطى لشتى أنواع المخدرات جراء معاشرته لرفاق السوء، ما جعل بعض المخاوف تتسلل إلى دواخل الأب حول مصير العائلة، دون أن يدرك أن القدر يخبئ له ما لم يخطر بباله أبدا. غضب ابن سكير أضحى عزيز يمارس جبروته على والده كلما لعبت المخدرات برأسه، ما يعكس حجم “الضغينة” التي بات يضمرها له وهو الأب المسكين الذي أفنى حياته من أجله و لم يدخر جهدا في توفير ما يلزمه من حاجيات يومية. كان الأب كلما اختلى بنفسه إلا وأبدى أسفه تجاه الوضعية التي آل إليها ابنه بسبب “البلية”، وهو ما جعله يفكر في طريقة لحماية والدته وإخوته من تسلطه بعدما راوده إحساس بأنهم سيعيشون حياة التشرد من بعده جراء إقدام عزيز على بيع نصيبه من الإرث في البيت المتواضع الذي كدّ طوال حياته من أجل توفيره لتأمين مستقبل أفراد عائلته الصغيرة، من أجل تحصيل الأموال الكفيلة باقتناء ما يلزمه من الخمور و المخدرات التي أدمن على استهلاكها. أمام هذا الإحساس الغريب الذي انتاب الأب على حين غرة، قرر أن يفوّت البيت لوالدته (جدة عزيز)، ظنا منه بأن هذه الطريقة كفيلة بضمان حقوق زوجته وأبنائه الصغار، لكنها سرعان ما تحولت إلى نقطة أفاضت كأس غضب عزيز تجاهه. سبٌّ و لكمٌ ثم ذبح استشاط عزيز غضبا فور تلقيه خبر تفويت البيت لجدته، فراح يبحث عن كأس نبيذ من شأنه أن يعطّل تفكيره في هذا الموضوع الذي بات بمثابة غصة في حلقه، إلا أنه ما إن لعبت الخمرة برأسه حتى زاد غضبه من والده، فشق طريقه يتمايل من فرط الثمالة نحو المنزل، حتى إذا ما ولجه شرع يرغي ويزبد في وجه الأب الذي انزوى إلى ركن قصي من إحدى الغرف لتفادي الدخول معه في مواجهات قد تزيد من توتر الأوضاع. لم يتوقف جبروت عزيز عند هذا الحد، بل قاده غضبه إلى الإمساك بتلابيب والده الذي أخذت منه نحافة “الفقصة” مأخذها، وشرع يسدد له من اللكمات ما خر على إثره أرضا، قبل أن يستل سكينه من جيبه ويقوم بذبحه من الوريد إلى الوريد غير مهتم بتوسلات والدته وأخيه الصغير اللذين رفعا عقيرتهما بصراخ النجدة الذي استجاب له سكان الدوار حيث احتشدوا أمام البيت دون أن يجرؤ أحدهم على التدخل لإنقاذ الأب المسكين بعدما أخذ عزيز يلوّح بسكينه مهددا إياهم بسوء العاقبة إن هم حاولوا تخليص والده من بطشه. عبدالفتاح زعادي