تتصاعد وتيرة التوتر السياسي في جهة طنجةتطوانالحسيمة، قبل نحو عام من موعد الاستحقاقات الجماعية والتشريعية المقبلة. ورغم غياب التأطير القانوني، تكشف التفاعلات الميدانية المتسارعة عن بداية تعبئة غير مُعلنة، تتخذ أشكالا متعددة: من قرارات مثيرة للجدل داخل المجالس، إلى تدوينات مشحونة، مرورا بتأويلات متضاربة لمواقف وزارية، وصولا إلى استثمار فج لتعثر المشاريع التنموية في سياق الاستقطاب. وفي هذا المناخ الرمادي، لم تعد ملفات التنمية تُناقش بمنطق التقييم المؤسساتي، بل تحوّلت إلى ساحات تراشق، تتغذى على رغبة الأطراف في التموضع، وعلى هشاشة الحدود بين ما هو تدبيري وما هو انتخابي. وهكذا، تظهر بوادر موسم مبكر من "الضرب والجرح السياسي"، حيث تختلط الأجندة المحلية بالحسابات الوطنية، ويختفي النقاش العمومي خلف موجات من الاتهام والتأويل المتبادل. في المجالس والأسواق، يتحدث المواطنون عن السياسة بمزيج من الفضول والتوجس، بينما تخترق لغة الحملات اليومية تفاصيل الحياة اليومية دون إعلان رسمي عن بداية السباق. الرياضة تتصدر مشهد التراشق بتطوان ويتجلى هذا التوتر في مدينة تطوان، حيث أدى تخصيص دعم مالي لفريق المغرب التطواني لكرة القدم إلى خلاف حاد بين مكونات المجلس الجماعي الذي يترأسه حزب التجمع الوطني للأحرار. فبينما اعتبرت المعارضة أن القرار يحمل أبعادا سياسوية، ويُستعمل لاستمالة جمهور واسع في سياق تعبوي مبكر، تمسكت الأغلبية بحقيقتها القانونية، مؤكدة أنه يندرج ضمن اختصاصات الجماعة ولا علاقة له بأي استغلال انتخابي. وقد اتخذ الجدل، الذي انطلق من ملف رياضي، منحى تصعيديا غير متوقع، وتحوّل إلى مادة للتراشق عبر وسائط التواصل الاجتماعي، حيث تبادل الفرقاء السياسيون تدوينات وردودا تلامس حدود الشخصنة، ما أخرج النقاش من إطاره المؤسساتي إلى مناخ تعبوي أكثر حدة. ويؤكد هذا المسار أن الملفات الرمزية، خاصة حين تتعلق بالرياضة أو العمل الجمعوي، أصبحت حقلا مفضلا لجولات أولى من "الضرب والجرح السياسي"، في ظل غياب تأطير قانوني دقيق للمرحلة التي تسبق الحملة الرسمية، حيث يتحرك الفاعلون بحرية نسبية، ويستثمر كل طرف نقاط قوته دون أن يُعد ذلك خرقًا صريحًا للقانون. مساطر قضائية تزيد من التوتر ومن تطوان إلى مرتيل، يظهر كيف يمكن لمجرد حكم قضائي ابتدائي أن يعيد تشكيل موازين القوة داخل المجلس الجماعي. فبعد صدور قرار يقضي بفقدان الأهلية الانتخابية في حق رئيس الجماعة مراد أمنيول عن حزب الحركة الشعبية، سارعت المعارضة إلى المطالبة بتفعيل مقتضيات العزل، فيما تمسكت الأغلبية بقرينة البراءة، معتبرة أن المسطرة لم تستنفد بعد مراحلها القانونية. وسرعان ما اكتسب هذا التجاذب، وإن بدا قانونيًا في ظاهره، بعدا سياسيا، حيث وُظف القرار القضائي كأداة تعبئة ميدانية، ضمن ما وصفته المعارضة ب"الضرورة الأخلاقية"، في حين رأت فيه الأغلبية محاولة ل"الانقلاب الناعم" على نتائج صناديق الاقتراع. الوضع في شفشاون يعكس نفس المناخ، إذ تحوّلت متابعة قضائية مفتوحة ضد رئيس المجلس الإقليمي إلى محور دائم في خطاب المعارضة. وبين من يشهر ملفا لم يُبت فيه بعد، ومن يحتمي بقواعد المحاكمة العادلة، تتوسع مساحة "الضرب الرمزي" وتضيق مسافة التوافق، حتى في القضايا غير الجاهزة للبت السياسي. ويشير متابعون محليون إلى أن تكرار هذه القضايا يولّد انطباعا عاما لدى المواطنين بأن لغة "المساءلة" صارت مرادفا لتصفية الحسابات أكثر منها دفاعًا عن المرفق العام. استثمار معلق يشعل التجاذب بوزان وفي إقليموزان، تكشف حالة مشروع ألماني متعثر عن بُعد إضافي لهذا التوتر. فالمشروع، الذي تبلغ قيمته 12 مليار سنتيم وكان من المنتظر أن يوفّر 680 فرصة شغل، أثار مواجهة كلامية بين حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة. وانتقدت البرلمانية التجمعية، فاطمة الحساني، في تدوينة لاذعة ما وصفته ب"الهجمة على كل من يفكر في تنمية الإقليم"، محملة المسؤولية ل"عقليات بائدة داخل المؤسسات"، ومعتبرة أن العراقيل لا تصدر عن الدولة، بل من داخلها. ورغم غياب الإشارة الصريحة، فُهم من توقيت التدوينة ومضامينها أنها موجهة إلى موقف وزارة إعداد التراب الوطني، التي تُسيرها وزيرة من حزب الأصالة والمعاصرة. من جهتها، دافعت ندى السباعي، المستشارة الجماعية عن "حزب التراكتور"، عن موقف الإدارة، وأكدت أن المشروع لم يحترم المقتضيات التقنية لقانون التعمير 90.12، وأن الملاحظات المسجلة لا علاقة لها بالحسابات السياسوية. غير أن هذه الردود، بدل أن تخفف التصعيد، ساهمت في إبراز كيف أن تعثر المشاريع صار يُستثمر بوضوح في تغذية موجة ثانية من "الضرب والجرح السياسي"، بين مكونين رئيسيين من الأغلبية الحكومية نفسها. مشاورات داخلية وتوازنات معلقة بالتوازي، أطلقت وزارة الداخلية يوم 2 غشت الماضي، مشاورات موسعة مع قادة الأحزاب السياسية حول الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، في تجاوب مع التوجيهات الملكية الداعية إلى إعداد الإطار القانوني المؤطر لها قبل متم السنة الجارية. وتتسارع، في هذا السياق، المفاوضات الداخلية بشأن تعديلات تشمل التقطيع الترابي، وتنظيم الحملات، وضبط الترحال السياسي، بما يساهم في تهيئة المناخ المؤسساتي للموعد الانتخابي المقبل. وتبرز مدينة طنجة، كأكبر حاضرة في الجهة، نموذجا للاختلال التمثيلي، حيث لا تتجاوز حصتها خمسة مقاعد برلمانية، رغم تجاوز عدد سكانها 1.5 مليون نسمة. ومع غياب الجدولة الرسمية للاستحقاقات، يواصل الفاعلون في شمال المملكة تعبئة أوراقهم بغير قليل من الضجيج الانتخابي السابق لآوانه، مستثمرين الملفات المحلية كآليات ضغط وتصفية حسابات، في مشهد تتزايد فيه مظاهر "الضرب والجرح السياسي"، بينما يكتفي جزء من المواطنين بمتابعة هذه المواجهات بفتور، في انتظار إشارات أوضح من الدولة حول موعد العودة إلى صناديق الاقتراع.