عدد زبناء اتصالات المغرب يتجاوز 81 مليون زبون عند متم شتنبر 2025    بلدان الاتحاد الأوروبي توافق على الانتقال إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الموحدة ل"شنغن"    مزارعو الضفة الغربية يجمعون الزيتون وسط هجمات المستوطنين المعتادة بموسم الحصاد    رسميا.. ليونيل ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    لامين يامال يشن هجوما على الريال قبل الكلاسيكو: "يسرقون ثم يشتكون"    انطلاقة نارية للجولة السادسة من البطولة.. وديربي البيضاء يلهب منتصف الأسبوع    لجنة نداء الكرامة بتاونات تصعد من احتجاجاتها وتدعو إلى مسيرة للمطالبة بالتنمية المجالية    توقيف ثلاثة قاصرين بسوق الأربعاء الغرب بعد تعنيف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في مقطع مصوّر    طقس حار نسبيا في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    كيوسك الجمعة | غوتيريش يشدد على اغتنام الزخم الدولي الراهن لحل قضية الصحراء    حادثة سير تودي بحياة شابين ضواحي الجديدة    الذهب يرتفع قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية    الصين: انتخاب المغربي ادريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    مشروع قرار أمريكي حول الصحراء يضع الحكم الذاتي أساس التفاوض ويتحدث عن ضمان حق تقرير المصير (نص القرار)    صفقة تاريخية.. حكيم زياش يعزز صفوف الوداد الرياضي    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    هذه تفاصيل الدعم المباشر الذي ستشرع الحكومة في توزيعه على "الكسابة"    الصحراء المغربية.. التقرير الأخير للأمين العام الأممي يجدد تأكيد الدعوة إلى التحلي بالواقعية وروح التوافق    تمثل 22% من مجموع الإنفاق العام.. ميزانية 2026 ترصد زهاء 167.5 مليار درهم لفائدة نحو 51 "صندوقا خاصا"    ترامب: سأتخذ قرارا بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي    مرسوم جديد يحدد شروط إنجاز واستغلال منشآت الإنتاج الذاتي للكهرباء    الخطوط المغربية تطلق 63 رحلة أسبوعياً نحو الأقاليم الجنوبية بأسعار تبدأ من 750 درهماً    المؤرخ بوعزيز يخاطب "جيل زد": المستقبل بين أيديكم.. لا تُعيدوا إنتاج الاستبداد    النيابة العامة تصدر دليلا لوحدة معايير التكفل بالأطفال المهاجرين وحماية حقوقهم    الأمين العام للأمم المتحدة يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    بوريطة يدعو ببروكسيل الفاعلين الاقتصاديين البلجيكيين إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية    بايتاس: 165 ألف طفل سيشملهم دعم التعويضات العائلية الإضافية    كوتوكو الغاني: سنقاتل أمام الوداد    الرباط ضمن أفضل خمس وجهات عالمية في 2026    جامعة الكرة تقيم حفلا تكريميا على شرف المنتخب الوطني المغربي للشباب    طقس الخميس.. سحب كثيفة وكتل ضبابية بعدد من المناطق    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    الفنان محمد الرزين في ذمة الله    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    الكبار يتميزون في دوري أبطال أوروبا    مذكرة توقيف بحق بشار الأسد بتهمة شن هجمات كيميائية    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاجعة باريس
نشر في أخبارنا يوم 08 - 02 - 2015

مرعب وبشع جداً، هذا الذي حدث في مدينة الأنوار، هذه الأيام ! رجلان يهاجمان مقر الصحيفة الساخرة (شارلي إيبدو)، خلال اجتماع هيئة التحرير ويقتلان، بدم بارد، 12 شخصا، من بينهم نخبة من أبرز رسامي الكاريكاتور الفرنسيين. صحفيون بأقلام وقراطيس وحواسيب يسقطون صرعى على يد شابين مسلمين متعصبين مدججين بأسلحة نارية متطورة، بدعوى أن ما نُشر بالجريدة يمس بمشاعر المسلمين ويحقر ديانتهم ويسيء إلى رسولهم الكريم. في المظاهرة التاريخية التي نُظمت للتنديد بالعمليات الإرهابية التي عرفتها فرنسا، رفع متظاهرون شعاراً بليغاً يدعو إلى إسالة الحبر عوض إسالة الدم verser de l'encre, pas du sang . هل من المنطقي أن يكون الرد على مقال أو رسم هو إعدام الصحفي وتصفيته وحرمان بلد بكامله من مبدعين ورموز إعلامية؟ في الأسبوع، نفسه، أقدم شاب مسلم آخر على احتجاز رهائن عزل، بسبب ديانتهم، وانتهت العملية بمقتل عدد منهم، واعتبر الشاب أنه، بهذه الطريقة، يثأر لأرواح الفلسطينيين التي يحصدها البطش الإسرائيلي. والنتيجة أن أربعة من ضحايا مجزرة متجر المواد الغذائية اليهودية تقرر دفنهم بإسرائيل و أن نتنياهو خاطب يهود فرنسا بقوله : "إسرائيل هي وطنكم" ! وبذلك ستساعد العملية الثانية، ربما، على إعطاء دفعة للخطاب الذي يحفز يهود فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل. هذا، بالإضافة إلى أن العملية المذكورة تقدم الصراع في فلسطين على أنه صراع ديني بين المسلمين واليهود، بينما هو، في الأساس، صراع بين الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني، بمختلف طوائفه وفئاته، والإيديولوجية الصهيونية ذات البعد الاستعماري الاستيطاني والتمييزي القائم على اغتصاب الأرض واقتلاع أصحاب الحق فيها.
ما قام به الأخوان شريف كواشي وسعيد كواشي، اللذان قبلا العمل تحت إمرة زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، قبل وفاته، أنور العولقي، واميدي كوليبالي، الذي بايع أبا بكر البغدادي "خليفة داعش"، لا يكاد يُصدق، ولا نكاد نتصور أن القرن الواحد والعشرين يمكن أن يعرف وجود مسلمين يجيزون لأنفسهم حق استعمال القتل لإسكات صوت مخالف لهم في الرأي والاعتقاد ويمارسون التعبير، عن اعتزازهم بديانتهم، بأسلوب مغرق في الدموية والتطرف. كيف وصلنا إلى هذا المنحدر وأصبح البعض منا يعتبر أنه كمسلم يتعرض للظلم والأذى، وأن ذلك يبرر اللجوء إلى جز الأعناق وسبي النساء واحتجاز الرهائن، الذين ليست لهم علاقة بأي نزاع مسلح، وقتل مائتي مدني في محطة ميترو واغتيال الصحفيين..إلخ؟ كيف يقف، في هولندا، شاب، من ديانتنا، قَتَلَ مخرجا سينمائيا أمام القاضي مصرحاً بأن الضحية لو عاد إلى الحياة لقتلته ثانية؟ كيف يتحول، في زمن الحرية وحقوق الإنسان، نشر فيلم أو رسم أو مقال إلى قضية سياسية تطغى على كل القضايا وتشعل نار الاحتجاجات الضارية والاعتداءات على رموز ومؤسسات دول برمتها، ويصبح مناسبة لإطلاق سيل من الوعد والوعيد والتهديد بسلب الحق في الحياة ممن قاموا بالنشر، ولا نقبل أن نكون من زمرة الذين وصفهم القرآن الكريم ب"الكاظمين الغيظ"، ومن الذين يفضلون الجواب السلمي والحضاري المشروع على المحاولات التي يعتبرون أنها تستهدف إلحاق تشويه أو تبخيس أو مس معنوي بصورة ديانتهم؟
لقد اعتقد الكثيرون أن هجمات الحادي عشر من شتنبر ستكون آخر الأعمال الإرهابية الكبرى التي سينفذها البعض على تراب بلدان الغرب، باسم الإسلام؛ لكن حلقات مسلسل الدم والرعب لم تنته، فبعد 'غزوات" القاعدة، ظهرت"داعش"، وبعد 11 شتنبر الأمريكية حلت 11 شتنبر الفرنسية.
هناك، منا، من سيختار الصمت أمام الفاجعة الباريسية، بينما الموقف لا يحتمل الصمت نهائياً، فكما فرض علينا الالتزام بحقوق الإنسان أن نعلن تضامننا مع أبناء غزة والعراق، وفعل الشيء نفسه الملايين من مواطني أوروبا وأمريكا، حيث فاق حجم المظاهرات المناهضة للحرب الأمريكية الظالمة على العراق،"هناك"، حجمها "هنا"، فإن الالتزام، نفسه، يفرض علينا التضامن مع ضحايا "شارلي إيبدو" ومتجر المواد الغذائية اليهودية.
وهناك من سيعبر عن أسفه على سقوط ضحايا، ولكنه سيصر، أيضاً، وكما هي العادة، على إرفاق ذلك بالإدلاء بواحدة أو أكثر من "التحفظات"، الواردة بعده، وهكذا :
- سيُقال، مثلاً، إن "أحداث باريس" تَمَّ تدبيرها من طرف معاد للإسلام بغاية تشويه سمعته. لقد قيل، سابقاً، إن أحداث 11 شتنبر ليست من تنظيم القاعدة وإن فيديوهات الذبح "الداعشي" مفبركة ومزورة، والنتيجة أن "الكل" ضد الإسلام ويفعل كل شيء للنيل منه. إن التحصن البليد خلف نظرية المؤامرة الجاهزة يمنعنا من تشغيل عقولنا ويجعلنا عاجزين عن فهم ما يجري؛
- سيُقال، مثلاً، إن صحفيي "شارلي إيبدو" مسؤولون عما وقع لأنهم تخطوا الحد المقبول في ممارسة حرية التعبير. والحال أن أكبر حجة نبني عليها رفض الاحتكام إلى المرجعية الكونية لحقوق الإنسان هي "احترام الخصوصية"، فنتشبت، تبعا لذلك، بالحق في اعتماد نموذجنا الخاص في إعمال حرية التعبير، بما يطابق مقدساتنا وثوابتنا، ونعتبر أن "الغرب" ليس من حقه أن يفرض علينا نموذجه الخاص في حرية التعبير، ولكننا نقع في التناقض عندما نحاول أن نفرض على مواطنيه، في ديارهم، الالتزام بنموذجنا الخاص؛
- سيُقال، مثلاً، إن "الغرب" مسؤول عما وقع، لأنه دَبَّرَ الجرائم المرتكبة، هنا وهناك، ضد المسلمين، أو تسامح معها، ومن ثمة أفضى الشعور بالظلم والإحباط، لدى بعض شبابنا، إلى تأصيل نزعة الرد بالعنف والإرهاب لديهم. هذا صحيح، طبعاً، لكن طبيعة الرد، المتوسل إليه، تزيد في تعميق معاناتنا ومآسينا وتربك موقف حلفائنا الذين دأبوا على مساندة معاركنا العادلة، وتظهرنا في موقع العاجزين عن ركوب طرق أخرى في الرد. إن الخلل الذي تتعين معالجته، هنا، بالنسبة إلى عموم المسلمين، هو فشلهم، حتى الآن، في تجاوز ردود الفعل العاطفية الهوجاء. قادة الشبكات الإرهابية الاحترافية لهم، دائما، حساباتهم الخاصة، ولكن نجاحهم، في الإيقاع بكل هذا العدد من الشباب في فخ هذا النوع من ردود الفعل المجنونة والخرقاء، يمثل عمق المشكل الذي يتعين حله؛
- سيُقال، مثلاً، إن منفذي عمليات باريس هم أصحاب سوابق عدلية، حصلت متابعتهم، ماضياً، في قضايا المخدرات والسطو والعنف. وبالتالي فالأمر يتعلق، اليوم، باستمرار نوع من الإجرام العادي الذي أُسدل عليه، لاحقاُ، غطاء إيديولوجي. هذا صحيح، ولكن المطلوب منا هو البحث عن الأسباب التي تجعل عملية التغطية، هذه، تنجح في تحقيق أهدافها وبلوغ مراميها؛
- سيُقال، مثلاً، إن حل مشكل الإرهاب، الممارس من طرف شباب مسلم، يمر عبر حل قضية فلسطين. وهذا، إلى حد ما، صحيح، أيضاً، غير أن لهذا النوع من الإرهاب، كذلك، عواقب وخيمة على القضية نفسها (تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل..)؛
- سيُقال، مثلاً، إن أعمال الإرهاب هي من صنع أقلية ولا علاقة لها بالإسلام والمسلمين، ولهذا فلا يتعين أن يؤدوا ثمنها أو أن يتعرضوا إلى أعمال انتقامية أو ملاحقات أو تضييقات أو نظرة تبخيسية. هذا صحيح، لكننا كمسلمين درجنا، من جانبنا، متى حصلت أعمال مسيئة إلى الإسلام في بلدان الغرب، على تحميل المسؤولية لدول ومجتمعات بكاملها، فنطالبها، ككل، بالتدخل و"تحمل مسؤولياتها"؛ ثم إن صدور أغلب الأعمال الإرهابية، في العالم، عن مسلمين، سيؤدي، موضوعياً، إلى نشوء خوف من الإسلام في المجتمعات غير المسلمة، فلا يجب أن يفاجئنا ذلك.

ولهذا، فإن علينا، اليوم، ربما، ألا نكتفي بترديد نفس الخطاب التقليدي القديم، وأن نحاول الكشف عن العلاقة، بين ممارسة الإرهاب باسم الإسلام، وبين الحاجة إلى فتح جدي لورش الإصلاح الديني في بلاد الإسلام، وأن نحدد المسؤوليات عن تعليق هذا الورش" الاستراتيجي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.