الرقمنة تجلب %91 من ضرائب مغاربة الخارج وتمنحهم أكثر من 4 مليون شهادة إلكترونية    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    سفينة جانحة تغادر "مضيق البوسفور"    سان جرمان يقصى من "أبطال أوروبا"    النهضة البركانية تهزم المغرب التطواني    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "نتنياهو يعرف أن بقاء حماس يعني هزيمته"    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي حاملا رسالة من العاهل السعودي    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    نادي إشبيلية يستضيف وليد الركراكي    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دجالون يتاجرون بضحايا المرض الخبيث
نشر في أخبارنا يوم 10 - 12 - 2011

تغيرت النظرة، ولم يعد السرطان ذاك البعبع الذي يتناقل الناس قصصه في وشوشات. خرجت الروايات للعلن، وتم نزع أنياب الموت من مرض كانت نسبة المعتقدين من حتمية الرحيل بعد زيارته تبلغ 31 في المائة، لتنخفض اليوم إلى حدود19 في المائة. تصطدم الجهود ببقايا الأفكار المغلوطة، ويحاول المختصون انتشال المرضى المحبطين من بؤر العلاجات العشوائية التي يفرضها الجهل حينا، وضيق ذات اليد الممزوج بالرغبة الملحة في البحث عن علاج كيفما كان، وأينما وجد، سلوك يرى فيه المختصون انتحارا بطيئا، بينما يرى فيه المرضى تجربة للتحايل على ما يعتقدونه “حكما بالإعدام“
«عاونوني باش ما سخاكم الله»، لازمة لم تتوقف فاطمة عن تكرارها وهي تفترش أرضية أحد المساجد المتواجدة بمركز مدينة المحمدية، حيث الهدوء المتكسر على صرير بوابات الفيلات المحيطة بالمسجد. مشهد نشاز يجمع بين فخامة المكان، والمبلغ الهزيل الذي تختزله بضع دريهمات مرمية فوق ورقة تثبت ماهية مرض المرأة، وطبيعة الدواء الذي تحتاجه.
الوجه البشع لسرطان الجلد
تفاصيل لا يكترث لها جل الوافدين على المسجد، والذين انقسموا لصنفين، صنف عهد وجود المرأة، لذا لم يبخل بطرح السلام والسؤال عن حالها، وصنف يكتفي بطرح غمغمات لا يفهم معناها. لم تجد فاطمة بدا من كشف جسدها مكرهة وهي تعلم ما سيشكله المشهد للناظرين، مكتفية بوضع عينيها في الأرض، وكأنها أرغمت على فعل ينتقص من كرامتها. كان المشهد صادما لجسد نهشه سرطان الجلد، صورة ربما أجابت على التساؤلات التي قرأتها فاطمة في عيون الوافدين، ما الذي يدفع امرأة فارعة الطول، لم تغادرها بعد نضارة الشباب، للوقوف أمام المسجد. مشهد جعل البعض يثقل الخطى ليرى كيف زحف الورم على جسد المرأة، ليطمس جزئا من معالم ثديها، مخلفا ما يشبه الحفر على سائر جزئها العلوي، ورائحة تمنع من الاقتراب. تزداد قسوة المشهد، حين يصبح المرض فرصة للفرجة…
«الله يستر»، غمغمت الشابة الأنيقة، وهي تنظر لجسد فاطمة “العبرة”، توجهت الشابة اتجاه سيارتها الرباعية الدفع، وعادت اتجاه فاطمة، لتضع بين يديها درهما، ودعوة بالشفاء. زاد انكسار فاطمة التي تقضي يومها في لملمة مبلغ علاجها، الذي يصل 1500 درهما شهريا، بعد أن استقرت حالتها، واجتازت مرحلة الخطر. تقطع المسافة من الدار البيضاء، باتجاه المحمدية، محاولة الهرب من محيط المعارف، وهي التي كانت لوقت قريب المعروفة بنخوتها، وعدم ترددها في مساعدة المحتاجين، لكنها اليوم بدون سند بعد أن فقدت حليها الذهبية، والأرض التي ورثتها عن والدها، أثناء رحلة العلاج. «خرجي طلبي، هادي راها صحتك ماشي اللعب»، كانت تلك آخر جملة سمعتها فاطمة من الطبيبة التي أشرفت على علاجها. «بكيت طويلا عند سماع هذا الحل، وتمنيت أن لا تشرق علي شمس يوم جديد، فالموت رحمة»، تقول فاطمة التي اكتشفت أن الموت ليس سهل المنال، لتجد نفسها مجبرة على مد يدها بعد أن خسرت كل ما تملك، وبعد أن عجزت الجمعيات عن توفير العلاج الدائم. سلاحها اليومي جلباب فضفاض يسعفها على تعرية جسدها كحجة على صدقيتها أمام المشككات في نيتها، بعد أن أصبح التسول مهنة للبعض. ولا تنسى فاطمة وضع نقاب لتخفي ملامحها المنكسرة، التي سرعان ما يسكنها نوع من الشموخ المدفون حين تتجاذب أطراف الحديث مع الفضوليين، لتتحدث عن ماضيها المريح، حين كان لها بيت وزوج، وحلم باقتراب موعد ممارسة الأمومة. انتهى الحلم برحيل الزوج الذي “عاف” جسد زوجته المشوه، تحت وطأة أنياب سرطان الجلد.
حالات طلاق متعددة، تزيد من تأزيم الحالة النفسية للمصابات، مما يجعل تداعيات سرطان الجلد، أقسى مقارنة بباقي السرطانات، «لكوننا نقف أمام مرض يراه الكل، ولا يمكن التكتم عليه كما هو الحال لباقي الأمراض» تقول البروفيسور حكيمة الأخضر، الرئيسة سابقا لقسم الأمراض الجلدية بالمركز الجامعي ابن رشد، وهي تتوسط المنصة أثناء الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس جمعية جلدي، التي تم تأسيسها من أجل التخفيف من المعاناة المادية التي يفرضها سرطان الجلد، والتي تنهك جيوب المرضى، خاصة أمام غياب الوعي بهذا المرض، الذي غالبا ما يطلب ضحاياه العلاج في مراحل متأخرة، مما يعني المزيد من المصاريف، والمزيد من الجهود، وفي نفس الوقت المزيد من التداعيات، حيث أشارت البروفيسور حكيمة الأخضر، لبعض القصص المأساوية لنساء تلقين خبر طلاقهن وهن تحت العلاج، مما يزيد من تأزيم وضعيتهن الصحية.
ألم وإقصاء
أولى مآسي مريض سرطان الجلد، هي مطاردة عيون الفضوليين، التي تدفع المريض للتألم في عزلة، مهما كان سنه، ففي بهو القسم المخصص لمرضى الجلد بمستشفى ابن رشد، يحاول البعض تحاشي نظرات الآخرين، خاصة بالنسبة للأطفال المرضى، القادمين رفقة أمهاتهن. يحاول بعضهم دس وجهه بين يدي والدته التي ترافقه من أجل الحصول على بعض الأدوية، يزداد تحرجا وهي تزيح ملابسه للوقوف على آثار المرض، يبدو واضحا أنه يشعر بالفرق بينه وبين باقي الأطفال، مما يعمق إحساسه بالخجل. ما يزيد عمق المشكل الأحكام المسبقة، والمغالطات حول طبيعة بعض الأمراض التي يعتقد البعض أنها معدية، مما يوسع الهوة بين المريض والمحيط.
أمراض الجلد عموما، وسرطان الجلد على الخصوص وفق إجماع المختصين، تكون أشد وقعا على صاحبها، لأنها تطمس معالم شكله الخارجي، مما يسهل عملية تمييزه، ومن تم اقصائه، هذا ما دفع القائمين على القسم إلى إنشاء جمعية”جلدي”، من أجل تجاوز الخصاص الحاد في الأدوية المكلفة لمرض يتطلب الكثير من الرعاية.
السرطان نحو الأعلى
عند مغادرة قسم الأمراض الجلدية، والانعطاف نحو أحد ممرات المستشفى المعبد، حيث تكسر خضرة الأعشاب قساوة المظهر الإسمنتي، تصادفك بناية مركز الأنكولوجيا بالمركز الإستشفائي ابن رشد، بتصميم أنيق، لكنها لا تغري الكثيرين بالدخول إلا قهرا، وفق ما ترسب في القناعات التي صاغتها الأحكام المسبقة حول كل ما له علاقة بالسرطان. داخل المركز تبدو الأمور منظمة، حيث يجلس الحاضرون في هدوء رفقة ملفاتهم الصفراء. بالصعود نحو الطابق الثاني، لا يغيب مظهر الملفات الصفراء، لكن هذه المرة بوتيرة أعلى داخل قاعة الاجتماعات حيث تتناثر الأوراق فوق طاولة تشغل كل مساحة القاعة. تمعن إحدى الطبيبات في الملف تلو الآخر، قبل العمل على نقل ردها للنساء الجالسات في البهو بكل هدوء. يلاحظ الوافد أن الحضور الأنثوي يطغى على المكان، وإن كان المنطق الطبي يقتضي أن تكون الغلبة للجانب الذكوري، حيث يسجل عالميا ارتفاع نسبة الإصابة بين الرجال نظرا لاحتكاك الرجل بالعوامل المتسببة في الإصابة، مثل التدخين المسؤول عن سرطان المثانة، والحنجرة، والرئة، إضافة للأسباب المهنية، مثل المشتغلين في الصباغة، الحدادة، النجارة، لأنها مهن تتعامل مع مسببات السرطان. ويشير البروفيسور عبد اللطيف آيت إيدار، مدير مركز الأنكولوجيا بابن رشد، إلى كون هذه النسب استثنائية، وأنها نتيجة لتكتم الرجل المغربي عن أمراضه، مما يعني إمكانية تغير المعطيات في حال الاستفادة من الفحص من أجل الكشف عن حقيقة الإصابة. ويسترسل البروفيسور آيت إيدر في الكلام من داخل مكتبه بالمركز الاستشفائى، حيث أشار لتسجيل 30 ألف حالة سرطان جديدة سنويا، والتي يشكل سرطان الثدي فيها نسبة 37 في المائة، أي ما يعادل سبع آلاف حالة جديدة لسرطان الثدي بالمغرب، يليه سرطان عنق الرحم، ثم سرطان الجهاز الهضمي في المرتبة الثالثة. ويعتبر سرطان الرئة الأكثر ارتفاعا في صفوف الرجال، حيث يشكل نسبة 25 في المائة من نسبة السرطانات عند الرجل، أي ما يناهز خمس آلاف حالة جديدة في المغرب، يليه سرطان البروستات، الذي يظهر مع الشيخوخة، وهو يعرف نسبة ارتفاع نتيجة تغير الهرم السكاني المغربي الذي بدأ يتجه نحو الشيخوخة.
مغالطات نسائية
بعيدا عن مكتب البروفيسور عبد اللطيف آيت إيدر، حيث تغيب الحقائق عن جل النساء اللاتي ينقصهن الوعي بالرغم من الحملات التحسيسية الكبرى التي لا ينكر المختصون أنها«مجهودات يمكن حصد نتائجها في السنوات القادمة» كما جاء على لسان البروفيسور، تتبادل مجموعة من النساء وصفات لأعشاب يقال أنها “قاهرة “للأورام،« جربت الدغموس، برزطم، حب الرشاد، الخميرة المسوسة، العسل الحر، الرقية الشرعية» تقول إحدى السيدات وهي جالسة بانتظار دورها للفحص بإحدى العيادات المتخصصة في أمراض الثدي، مما يشكل مفارقة صارخة تجمع بين الضدين. فتح باب النقاش بين السيدات من أجل تبادل قصصهن، ولم تتأخر إحداهن عن كشف ما آلت إليه حالتها حين فقدت حلمة ثديها أثناء اتباعها لعلاج عشوائي قوامه الأعشاب، أمر دعمته قصص بعض النسوة، بينما عمدت إحداهن على الاستدلال بقصة إحدى معارفها التي شفيت تماما من سرطان الرحم، بعد خضوعها للعلاج على يد أحد العشابة،«ولكن خاص بنادم يستحضر النية، ويتوب من المعاصي»، تقول السيدة التي قررت تشخيص المرض على اعتباره عقابا إلهيا، «حيث بنادم مابقاش كيحشم» تقول المرأة التي ينضاف صوتها لنسبة تقدر ب 11 في المائة من الذين يعتقدون أن السرطان عقاب إلهي، وقد سجلت النسبة تراجعا بالمقارنة مع إحصاءيات 2006 التي كانت تصل ل 20 في المائة.
تبتعد خديجة عن باقي النسوة، وتهمس أنها أيضا أصيبت بسرطان الرحم، وأنها خضعت للجراحة بعيدا عن أعين المعارف، حتى لا تعلم ضرتها بالأمر، وخوفا من الشماتة. ارتفعت وتيرة التخوف لدى خديجة حين علمت أن شقيقتها أيضا مصابة بسرطان الثدي. تلخص المرأة معاناتها وشقيقتها بعبارة قد لا يؤمن بها الكثير من الأطباء، لكنها مقنعة للشقيقتين،« الحسد، والعين»، كلمتين ختمت بهما خديجة كلامها، بعد أن وجدت نفسها مجبرة على الخضوع للعلاج تحت إلحاح ابنها البكر، وبالرغم من وجودها داخل غرفة تتبادل فيها النساء قصصهن حول المرض” الخبيث” بكل أريحية، إلا أنها تكتفي بكلمات مقتضبة، مع بعض التشكيك بخصوص النجاعة النهائية للعلاج، وهي تتساءل عن جدوى الفحوصات والتتبع البعدي عقب الجراحة. بالرغم من تردد خديجة، إلا أن إحصائيات المرصد التابع لجمعية للا سلمى تظهر ارتفاع نسبة المرضى الذين وهبوا ثقتهم للعلاج العصري، لحدود62 في المائة، مقارنة بإحصائيات 2006 التي كانت في حدود 32 في المائة. وإذا كانت خديجة قد فضلت الحديث عن الموضوع في زاوية بعيدة عن الفضوليين، فإن قاعة الفحص كانت تعج بقصص النساء حول المرض الخبيث، الذي فقد صفة البعبع مع توالي الحملات التحسيسية، التي سجلت تقدما واضحا، وصل لحدود مواجهة بعض الحالات لعدسات الكاميرات من أجل الحديث عن تجربتهن مع المرض، وكيفية قهره، إجراءات كانت كفيلة بجعل رقم الممانعين للحديث عن المرض يتهاوى من 44 في المائة، إلى حدود 11 في المائة، في ظرف خمس سنوات.
جهود أكثر تعني سرطان أكثر
ارتفاع المؤشرات الإيجابية، وانخفاض المؤشرات السلبية، لا يعني أبدا أن المهتمين بالموضوع وصلوا لنقطة النهاية، بل هي فرصة للانفتاح على باب آخر بعد أن نجحت الحملات التوعوية في اختراق أبواب الصمت، والخوف، والجهل بماهية المرض، إجراءات توهم المتتبع أنه سيقف أمام معادلة مفادها، جهود أكثر تفضي لسرطان أقل. لكن العكس هو الصحيح فيما يرتبط بالسنوات القادمة، التي ستشهد تسجيل ارتفاع الحالات المعلن عنها، والأمر كما يشير البروفيسور آيت إيدار يعود لعاملين رئيسيين، الأول تزايد بعض المسببات المرتبطة بأنواع محددة من السرطانات، مثل ارتفاع التدخين، مما يعني ارتفاع سرطان الرئة، والحنجرة، والمثانة، وتغير العادات الغذائية التي تعد من عوامل سرطان الجهاز الهضمي. ثم ارتفاع معدل الشيخوخة مما يعني ارتفاع سرطان البروستات، أما العامل الثاني فيعود لاتساع دائرة الفحوصات المجانية، والحملات التحسيسية المشجعة عليها، مما يعني خروج عدد كبير من المصابين من دائرة الظل، للتعرف على إصابتهم بالمرض، في الوقت الذي كان الكثير منهم يتعايش مع المرض دون أن يعلم بإصابته، أو لغياب الإمكانيات التي تشجعه على الكشف.
كما أن انتشار الاختصاصيين بالمدن الصغرى والمناطق الهامشية، يشكل أيضا عاملا مساعدا على الكشف، وهو ما يفسر مصادفة العديد من القادمين باتجاه المدن الكبرى، بتوجيه من المختص الذي يطلب من المرضى فحوصات خاصة. السعدية القادمة من بنسليمان، باتجاه ابنتها بالدار البيضاء طلبا للعلاج، مثال للكثير من الحالات التي تتمسك بالرغبة في الحياة. لا تنكر المرأة أن تخوفها وصل حد توديع أبنائها، وأحفادها بالرغم من طمأنة الطبيب المعالج الذي أكد لها أن العلاج سيكون ناجحا نتيجة اكتشاف المرض في بدايته، تبدى المرأة استسلامها لرأي الطبيب، وتؤكد أن الموت ليس بالنهاية المأساوية، في الوقت الذي تؤكد لها ابنتها أن الأمر سيكون أسهل مما تعتقد.
كوني “أخبث” منه
سهولة لا ينكرها الدكتور عبد الاله الشنفوري الاختصاصي في أمراض النساء، والذي يؤكد أن الكشف المبكر عن الإصابة بأمراض السرطان المرتبطة بالمرأة، يسهل عملية العلاج، كما يخفض كلفتها حيث يتم الاستغناء عن الخيارات المعقدة، والعلاجات الكيميائية ذات الكلفة المرتفعة. في المقابل يشير الدكتور الشنفوري أن الاكتشاف المتأخر يكون بمثابة فرصة للتخفيف من تداعيات المرض أكثر منه علاجا، وذلك من أجل تيسير المدة المدة المتبقية من حياة المريضة. لذا يتوجب على المرأة أن تكون واعية بدورها في العلاج من خلال المسارعة في الكشف، حتى تتم عملية التشخيص في البداية، وفي ذلك اختزال للجهد والتكلفة. وتشير الاكتشافات العلمية إلى إمكانية الحيلولة دون إصابة المرأة بسرطان الرحم بعد اكتشاف الفيروس المسؤول عن الالتهابات التي تتحول مع الزمن إلى سرطان الرحم إذا لم تعالج في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة. وتوجد حاليا جهود تهدف لتعميم اللقاح ضد هذا الفيروس بين صفوف النساء خلال سنة 2012، كخطوة للحد من هذا النوع من السرطانات الذي يحتل المرتبة الثانية في المغرب، مقارنة مع باقي الدول المتقدمة التي يتراجع فيها هذا السرطان للمرتبة العاشرة.
وبالنظر لتراجع نسبة الوعي بين صفوف النساء، تتصدر جمعيات المجتمع المدني بعض المبادرات الهادفة للتقرب من النساء داخل الأحياء المهمشة والفقيرة، من أجل القيام بفحوصات مجانية تهدف للكشف عن بعض الالتهابات القبلية المسببة لسرطان الرحم، الناتج عن فيروس تحمله 80 في المائة من النساء المتزوجات بعد ممارساتهم الجنسية. ويشير الدكتور الشنفوري الذي شارك في مجموعة من القوافل الطبية، أن عملية الفحص المجاني، كشفت عن العديد من الاتهابات التي كان من الممكن تحولها لسرطانات لو لم يتم اكتشافها، وعلاجها. لذا تحيل جل الدراسات الطبية، والإحصائية، إلى ضرورة تبني خطوات استباقية، تعيق ظهور المرض الخبيث. وتعمل جمعيات المجتمع المدني على خلق شراكات مع بعض أطباء القطاع الخاص، من أجل علاج بعض الحالات مجانا داخل المصحات الخاصة، من خلال تقديم كلفة المعدات، مقابل الإقامة المجانية، والطبيب المعالج المتعاون.
أما بخصوص سرطان الثدي فالرائج غياب أي وقاية قبلية، لذا يعتمد العلاج على الكشف المبكر، الذي يحول دون استئصال الثدي، وبتكاليف أقل، مع نسبة نجاح تصل لمائة بالمئة.
أميرة تختزل رهان بلد
عند الحديث عن مبادرات المجتمع المدني، وعن الحملات التحسيسية، وعن ماهية مرض السرطان والسبل الكفيلة بالتصدي له، يتردد كثيرا ذكر جمعية للا سلمى لمحاربة السرطان. فعلى الرغم من وجود جمعيات جعلت من محاربة السرطان، هدفا لها قبل تأسيس جمعية الأميرة، إلا أن الجميع يؤكد الفرق الذي أحدثته الجمعية، والتي تمكنت من تغيير ملامح الصراع مع المرض في سنوات قليلة. يشير الكل إلى ثقل الهاجس المادي، الأمر الذي تمكنت المؤسسة من تجاوزه، وكمثال بسيط ورد على لسان البروفيسور آيت إيدار وهو يتحدث عن دور الجمعية في شراء أربعة أجهزة، يصل ثمن الواحد منها المليار، ما يعني أربع مليارات تم صرفها دفعة واحدة، وهو الرقم الذي كان من المستحيل الحديث عنه في غياب الجمعية. يضاف لذلك دور المؤسسة في بناء مراكز بمختلف مناطق المغرب، في الوقت الذي كان العلاج حكرا على الرباط، والدار البيضاء، « اليوم توجد مراكز في أكادير، وجدة والحسيمة، ومراكش، وفاس، و في سنة 2012 سيتم افتتاح مراكز أخرى بمكناس،و طنجة، ثم في آسفي، والعيون» يقول البروفيسور متحدثا عن جهود الجمعية، وجهود الأميرة للا سلمى، الحاضرة ببصمتها في برنامج محاربة السرطان الذي تم الإعلان عنه من خلال الخطة الوطنية للوقاية من السرطان، والتي تمتد لعشر سنوات قادمة، أي لحدود 2019 والحاضرة أيضا بصورتها رفقة الطاقم الطبي لمركز الأنكولوجيا المزينة لجدار مكتب مدير المركز، الذي لا يخفى رغم كل الجهود الكبيرة، الخصاص المسجل على مستوى المراكز وتجهيزاتها، نتيجة لعدد المصابين الذي يتجه نحو الارتفاع، بعد الإعلان عن مجانية الكشف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.