أعادت حادثة الاعتداء، الشهر الماضي، على مثليين جنسيين بمدينة بني ملال وسط المغرب، وتطويفهما عراة في الشارع العام، تخوفا داخل المنظمات الحقوقية المدافعة عن الحريات الفردية، واعتبر حقوقيون هذا الحدث بمثابة تطبيق لعقوبة "القصاص" في حق المؤمنين بالحريات الفردية، أنتج تخوفا لدى الفتيات المتحررات في لباسهن أو الشواذ. محمد، 30 سنة، يتردد باستمرار على ملهى ليلي بشاطئ مدينة مهدية شمال الرباط، هذا الشاب يتقن الرقص الشرقي داخل الملهى، ولا يخفي مجاهرته بشذوذه الجنسي منذ طفولته. يحكي محمد عن الأحداث التي شاهدها عبر وسائل الإعلام الرقمية، تظهر اعتداءات على شواذ بمدن بني ملال وقبلها مدينة فاس التي تقع شمال شرق الرباط بحوالي 200 كيلومترا، وكذا ظهور ملتح يهدد فتاة بالدر البيضاء بسبب لباسها الشفاف. وبات "السيمو" يحتاط خوفا من الاعتداء عليه في الشارع العام، كلما كان متوجها من مدينة القنيطرة التي تبعد عن الرباط ب 30 كيلومترا، نحو الملهى الليلي الذي يشتغل فيه بشاطئ مدينة مهدية، ويعترف المتحدث نفسه أنه بات يرتدي نظارتين سوداوين وغطاء رأس قصد إخفاء معالم وجهه. حكاية أحمد تشبه إلى حد كبير حكاية سعيدة، 24 سنة، تتذكر بدورها قصة ما زالت عالقة في ذهنها عندما اعترض سبيلها مجموعة من الأشخاص بسبب لباسها، وتتحسر هذه الشابة حينما قررت التوجه إلى شاطئ عين الذئاب بالدار البيضاء، وفجأة هاجمها حشد كبير من المواطنين، وأمروها بالعودة إلى منزلها وارتداء ألبسة غير شفافة. لا لتطبيق القصاص خارج سلطة الدولة أخرجت واقعة الاعتداء على الشواذ ببني ملال، الحقوقيين عن صمتهم. ويرى محمد أقديم نقيب سابق لهيأة المحامين بالرباط ورئيس الجمعية المغربية للمحامين بالمغرب، أن هذه الأحداث أعادت المغرب إلى تطبيق "قضاء الشارع" الذي يهدد الحريات الفردية. ويؤكد أقديم أن ماقامت به جماعات من الأشخاص بمدن بني ملالوفاس في الاعتداء على الشواذ، ورجم عرافة بمدينة سلا شمال الرباط، مخالف للقيم الإنسانية وللحق في الاختلاف. وحذر النقيب من الأعمال التي تفقد الدولة هيبتها وتمس بسيادة القانون والمؤسسات "ولا يجب السماح بتاتا للاعتداء على المثليين أو المتحررين". وباتت هذه الأحداث تضع القضاة في موقف "حرج" يضيف المتحدث نفسه. من جهته، يعتقد المحامي الحبيب حاجي رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، أن ما حدث ببني ملالوفاسوالبيضاءوسلا هو جريمة "اضطهاد للمجتمع" وجب أخذ أثارها المترتبة بعين الاعتبار. وشدد حاجي أن خلفيات الاعتداء على الشواذ أو الفتيات "المتبرجات" هي خلفية "عقائدية ودينية". رئيس الجمعية ذاته اعتبر أن ما بات يحدث في المغرب بين الفنية والأخرى يعتبر بمثابة "محاكم التفتيش" التي كان يطبقها السلفيون في العصور السابقة، وأن حكومة الإسلاميين بالمغرب، باتت مطالبة بإعادة مراجعة مجموعة من القوانين، وتجريم الاعتداء على المثليين وجعلها عقوبة جنائية، ومعاقبة الأجهزة بسبب التقصير في حماية المعتدى عليهم.
هل هناك تقصير من السلطات الأمنية؟ صب الحقوقيون غضبهم على الأجهزة الأمنية في محاربة جماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وذهبت بعض الآراء إلى مطالبة وزير العدل والحريات المغربي المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، بفتح تحقيق مع المسؤولين الأمنيين، بعدما تُدووِلت فيديوهات تظهر الاعتداءات في الشارع العام، دون حضور الأمن. ويعتبر النقيب أقديم أن الأجهزة الأمنية وفرق البحث الجنائية تتحمل المسؤولية في حماية المواطنين على حد سواء، لكن الغريب في الأمر يضيف النقيب أن التقصير في الحماية يعرض الأجهزة الأمنية للمساءلة القضائية، إذا ظهر نوع من التغاضي، ويواجه فيه رجال الأمن بحسب قوله تهمة "عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر".
قوانين تجرم الاعتداء رغم ما حدث بمجموعة من المدن المغربية، واتهام الأمن بالتقصير في حماية عرافة سلا التي رشق منزلها بالحجارة، لأنها تقوم في نظرهم بأعمال شيطانية خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي. يرى محمد أكضيض الخبير الأمني وعميد سابق بجهاز الشرطة القضائية، أن رجل الأمن ليس وحده المسؤول عن تطبيق القانون في مواجهة تطبيق القصاص من قبل جماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وشدد العميد أن القانون المغربي يفرض على المواطن العادي تحمل المسؤولية، عن طريق إبلاغ الشرطة بوقوع جرائم، وخصوصا من قبل المتشددين الإسلاميين، مضيفا أن المواطن في حالة عدم قيامه بإبلاغ الشرطة يواجه تهمة "عدم التبليغ عن وقوع جريمة" ويعاقب أمام المحاكم. ويعتقد العميد السابق أن الأجهزة الأمنية لا يمكنها أن تسمح بظهور جماعات تسعى إلى تطبيق القانون بيدها، في الوقت الذي توجد فيه قوانين تجرم الاعتداء ليس على المثليين فقط، وإنما على جميع المغاربة والأجانب المتواجدين بالبلاد. وعلى عكس تصريح الخبير الأمني، يعتبر حاجي رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان أن الاعتداء على الأشخاص بمرجعية عقدية يعتبر "جريمة إرهابية" لأن هذا الاعتداء له خلفيات دينية برأيه. ويضيف أن جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحب أن تحال على محكمة الإرهاب.