سويسرا تعد الرئيس الروسي بالحصانة    جريمة هتك عرض قاصر تعيد إلى الواجهة مطلب إخصاء المعتدين جنسياً    المغاربة يخلدون ثورة الملك والشعب : دروس في الوفاء والتلاحم بين الملك والشعب    أخبار الساحة    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    حرب الشوارع بالمدن تحصد 48 قتيلا و3004 جرحى في أسبوع واحد    الوكيل العام يوضح تفاصيل العثور على سيون أسدون مغمى عليه داخل منزله بالدار البيضاء    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    إصابة دركي ببني أحمد إثر مباغثته بمادة "كروموجين" خلال توقيف صاحب سوابق في قضايا السرقة    اجتماع طارئ ل "برلمان المغرب التطواني".. هل يعلن المكتب المسير عن استقالته؟    اليابان تؤكد موقفها الثابت بعدم الاعتراف ب"البوليساريو" خلال قمة تيكاد-9    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأحمر    "البريمرليغ" يقترب من رقم قياسي جديد في سوق الانتقالات الصيفية    تراجع أسعار النفط    عودة ظاهرة سرقة الدراجات المائية واستعمالها في الهجرة السرية        10 أعمال من المغرب ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في مختلف فئات جائزة كتارا للرواية العربية    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير        الأمن يضع يوقف أما وابنتها قامتا بالنصب والاستيلاء على أزيد من 180 مليون    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال        20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    رسميا.. الرجاء الرياضي يرفع عقوبة المنع ويطوي صفحة النزاعات    الأسعار ترتفع ب0,5% في يوليوز مقارنة بالسنة الماضية    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    الغلوسي: "تواطؤ داخل البرلمان يهدد استقلال القضاء ويؤسس لدولة داخل دولة"    مبادرة ملكية جديدة: المغرب يرسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة    الأمم المتحدة.. 383 قتيلا من عمال الإغاثة في 2024 نصفهم تقريبا في غزة    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    واشنطن تستهدف طلابا مؤيدين لفلسطين.. إلغاء أكثر من 6 آلاف تأشيرة دراسية    "البيجيدي" يرفض تهميش السياسيين والمنتخبين في إعداد الجيل الجديد من برامج التنمية ويدعو لاحترام الدستور    الغلوسي: إعادة الثقة للمؤسسات تتطلب مواجهة حازمة للفساد والرشوة ونهب المال العام    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقهى الموناليزا...
نشر في أخبارنا يوم 23 - 08 - 2012

الإهداء إلى: "موسى" الإنسان في زمن العاصمة المتخشب...

المقهى.. ذلك الفضاء الإنساني بامتياز.. حيث الأدخنة المتعالية والنيران المعلنة على السجائر تلو السجائر، مقر المحللين وعلماء الاجتماع والباحثين، زبناء ب 8 دراهم يسبون مدربين يتقاضون 40 مليون أورو لفرق عالمية عريقة، وفلاسفة يحلون مشاكل العالم المستعصية في رمشة عين...

المقهى فضاء من لا فضاء له، فضاء الحميمية وصلة الرحم والاختلاف ومشاركة الهزائم والانتصارات في الكرة والسياسة والحياة…

المقهى عالم من العوالم الأكثر إنسانية في المدينة الحديثة حيث يشتكي الصديق لصديقه ويحلل المواطن الراهن السياسي والثقافي والاقتصادي، والسياسة العمومية، وجرائم المال العام، وينتقد الحكومة والحكام، ويبوح بأسراره ومعاناته، ويمارس هوايته في النميمة اليومية...

المقهى مرآة للمجتمع.. والمرصد لنبض المجتمع وثقافته ومدى تحضره...

والموناليزا..!

نعم.. الموناليزا.. هي الكتاب المفتوح كل يوم، حيث تستطيع قراءة تحولات مجتمع وقيمه من خلال صفحاتها المنبثة على الكراسي والجذران وزوايا المقهى...

"سوق عكاظ" صغير، و"برج بابل" تختلف فيه اللهجات واللغات... ووجودها في "ممر" بين شارع محمد الخامس الرئيسي وشارع خلفي مفتوح على وزارة العدل، يعطيها وجهها السوريالي، ويمنحها الزخم الكافي لرسم لوحة يومية تلخص حياة الرباط العاصمة وتلوناتها...

ممر يجعلها وكأنها ممر بحري غزير بالتيارات البحرية والأسماك الناذرة، وبأجواء المد والجزر البحري حيث تكثر الطحالب والأعشاب، والأسماك النادرة والمخلوقات العجيبة، والنحث الصخري المتواصل لوجه الصخر والشاطئ. تدخل أجزاء أصيلة وأخرى مزيفة الممر، راسخة في المبادئ وأخرى اختارت لعبة البيع والشراء، بعضهم يستريح استراحة محارب ليكمل رحلة الممانعة من جديد وآخرون يفترشون المقاعد للخوض في رحلة بيع وشراء جديدة واقتناص "همزة" مفترضة، أو القيام بضربة العمر، فنانون مزيفون وآخرون حقيقيون، وطنيون ومتاجرون بالوطن...

وجهك الملغز يا الموناليزا.. حيرني وحير كل من حاول قرائته... وجهك بين الابتسامة والحزن بين الملائكية والضعف بين الهدوء والمسكنة بين الطفولة والأمومة يصيبني بالجنون...

زبائنك يا الموناليزا من مختلف الطبقات والمشارب، هو تنوع إنساني يلخص المغرب في شساعته وتعدده. وتشكيلتك المتنوعة، من رجال أمن، أساتذة، محامون، نقابيون، معطلون، رياضيون، فنانون، صحافيون، موظفون متقاعدون. يضفون عليك ألقا وبهجة أكثر...

في الموناليزا.. هناك مشهد سوريالي متحرك يطرد عنك الملل والرتابة؛ يزيد المشهد السوريالي نشاطا وتجددا وحيوية؛ صور متسلسلة ومتتالية في شبه "عرض جماعي" متقن ومتزامن ل"بياعة وشراية" يدخلون الممر هاربين من الأمن، وأحيانا كذلك صرافة "السوق السوداء" يؤثثون الفضاء ذهابا إيابا في الممر وقعودا على الكراسي، بائعوا "السيديات" يروحون ذهابا وإيابا، بائعوا الحلوى والشوكولاتة، وكذلك الذين يمرون ببطائق ورقية مكتوبة توضح معاناة رجل مع داء مزمن أو جمع ثمن عملية جراحية أو إعالة أسرة بدون معيل، وماسحوا الأحذية يضفون مسحة مغربية محضة على وجه الموناليزا الأنيق، وبائعوا "الديطاي"، وبائعوا فرش الأسنان، وبائعوا أقلام الكتابة، والكاريكاتوريست الذي يوزع أعماله على زبناء المقهى، وبعض الأفارقة المهاجرون يرطنون بكلمات عربية من أجل الحصول على المساعدة، وأصحاب الخلطات السحرية للعشوب في"براريد الشاي" في عين المكان التي تداوي جميع الأمراض المستعصية..! وصاحب المبخرة الذي يمر على الدكاكين وعلى زبائن المقهى لطرد الجن والحسد وترقيتهم من العين والمكاره ببضعة دراهم فقط "لا غلى على مسكين"...

كلها وجوه إنسانية تلهمك وتهيم بك في عالم الفن والموسيقى والمسرح والسينما والشعر والقصة والرواية، وتهيم بك في عالم السسوسيولجيا والفلسفة وتغوص بك في عوالم التأمل والتمثل... كلها وجوه تمر بشكل حي وواقعي ومباشر بصورها وأشكالها وروائحها ولغاتها وملامحها وآلامها وعاداتها... تمر كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة على وجه الموناليزا البهي الأنيق كل صباح وكل مساء ومع كل رشفة قهوة...

أمواج بشرية من مختلف المشارب والتخصصات والميادين تعاقبت وتتعاقب على وجهك أيتها الموناليزا؛ لسنوات طويلة والأفواج تتوافد، وجوه معروفة وأخرى مغمورة، بعضها مداوم وبعضها عابر، وجوه سافرة ووجوه مستبشرة، وجوه باعت ووجوه مانعت الفساد وضلت في صباغتها الأصلية ولم تغير جلدها، وجوه استفادت من الوطن وامتصت دماءه ووجوه أفادت الوطن، وجوه تقدم الفن ووجوه تتاجر بالفن، وجوه مانحة بسبب القضية وأخرى تاجرت باسم القضية...

وفي الموناليزا أيضا تجلس أجيال متساكنة إلى بعضها البعض بندوها التي تركها الزمن، جيل النكبة وجيل حرب أكتوبر وجبل المسيرة وجيل 20 فبراير والطاي باس والتشويكة...

وأنت مسترخ في الموناليزا.. تترامى إلى أذنك عنوة مصطلحات وتعابير وجمل وكلمات تعبر عن التنوع والتعدد في كل شيء؛ كلمات مسكوكة، ونظرات بطابع إداري، ونميمات هنا وهناك.. كلام نابي، تدين، ماركسية، 20 فبراير، جيل فشكل، "دين مو دابا نوريه"، المقال الثقافي، العمل السينمائي، مراتو، الملف، المسطرة القضائية، الوثائق المطلوبة، شنو دار معاكم شفيق! هذاك راه يقضيلك الغاراض غير سير عندو! اللائحة، والله العظيم إلى غير...، شفار وكذاب ولد الحرام ذاك..، السالير هو هو..، واش جابلك الله تغيرات شي حاجة والو..! البلاد هي هادي هاد الشي اللي عطا الله... إنه المجتع المغربي بكل تجلياته البسيطة والمعقدة...

وأنت جالس في الموناليزا.. تحضى أيضا بجو إنساني متنوع؛ يواجهك محل لبيع الملابس الرياضية ومستلزماتها تصادف عيناك بين الفينة والأخرى أسر تلج المحل يبدو عليها الارتياح المادي الكامل، أب وأم وأطفال يمرحون وتنط البشاشة والارتياح من وجوههم الصغيرة المحمرة الخذوذ من أثر النعمة، ينتقلون بين المعروضات كما يتنقل النحل بين الزهرات، ويلكنون بين الفينة والأخرى بالفرنسية "mami je vous …"، وآخرون يعاينون البضائع وأيديهم مشغولة بمكالمات متواصلة على الهاتف...

الموناليزا.. هي الوجه المستعصي عن القراءة... وبين الإسم وبين الواقع هناك تشابه كبير في اللغز والتكوين والملامح... لوحة رسمها "ليوناردو دافينشي" بشكل منفرد، ولوحة رسمها الزبناء بشكل جماعي زبناء مقهى صورتهم العامة مثالية وجميلة لكن بألغاز داخلية.

هذه الجذبة، هذه اللوحة الحية، هذا الركح المسرحي العاج بالحركة واللوحات الفنية المتواثرة بسرعة وتواتر جذاب وجميل وواقعي ودرامي في نفس الآن، وسمفونية الحياة التي تدب في الممر الأسطوري بكل ألوانها وأشكالها في وقت زمني ضيق ومضغوط كل يوم، وأنت ترشف قهوتك أو شايك الأخضر، وهذه الوجبة الإنسانية الدسمة هي ما تقدمه إليك الموناليزا إلى جانب فنجان قهوتك المعتاد كل يوم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.