موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة بنسبة 7,2% خلال 2025    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"            المغرب وجسر الخير نحو غزة: تضامن صامت تهتز له القلوب وتخرس به الألسن    تفكيك عصابة من 4 اشخاص متخصصة في السرقة المقرونة بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض بوجدة وجرسيف    الصحراء المغربية دعم أمريكي متجدد وكشف إسباني وشيك    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    المغرب يسجل التراجع في البطالة .. وخبراء يحذرون من التفاوتات والهشاشة    بورصة البيضاء تغلق على وقع خسارة    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    رابطة الكتبيين: التخفيضات المدرسية على "السوشل ميديا" خدعة تجارية    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    البحرية الملكية تتدخل لإنقاذ مهاجرين    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة        إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    ‬تجديد ‬الاستعداد ‬لحوار ‬صريح ‬و ‬مسؤول ‬مع ‬الأشقاء ‬في ‬الجزائر ‬ما ‬دلالته ‬؟    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    وزير ‬الداخلية ‬يفتح ‬ورش ‬الانتخابات ‬التشريعية ‬بالمشاورات ‬مع ‬الأمناء ‬العامين ‬للأحزاب ‬السياسية ‬الوطنية ‬    مصرع سيدة في حادثة سير مروعة بطنجة    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    وليد الركراكي يحضر لمفاجآت جديدة في معسكر شتنبر بضم لاعبين من أوتريخت وروما    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    عاكف تتوج ببطولة "فريستايل إفريقيا"    أستراليا تتهم مواطنة صينية بالتجسس        وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    حماس تقول إنها لن تسمح للصليب الأحمر بالوصول إلى الرهائن إلا إذا تم فتح ممرات إنسانية    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطار الموت وسمفونية الحياة !
نشر في أخبارنا يوم 26 - 10 - 2018

لأننا لا نملك حقيقة أسباب انحراف قطار عن سكته بمنطقة بولقنادل صباح الثلاثاء 16 أكتوبر 2018، مخلفا 8 قتلى و125 مصابا بجروح وكسور متفاوتة الخطورة. ولأن الدرك الملكي والقضاء باشرا عمليات التحقيق حول ملابسات الحادث، وأنهما وحدهما الكفيلان بالكشف عن حقيقة ما حدث. وليس علينا سوى انتظار الخلاصات وتحديد المسؤوليات بشفافية وعدم الإفلات من العقاب، تفاديا لاستمرار الفاسدين في الاستهتار بحياة المواطنين، وألا ينحرف التحقيق بدوره عن مساره الطبيعي، كما وقع في أحداث أخرى ومنها "فاجعة طنجة"، إثر اصطدام حافلة نقل المستخدمين بقطار نقل البضائع في فبراير 2018، التي أودت بحياة 7 أشخاص وإصابة 13آخرين.

ولأننا لسنا معنيين باستقالة وزير النقل من عدمها، ولا بالعبث السياسي القائم وانقسام الأغلبية الحكومية حول انتخاب رئيس مجلس المستشارين، ولا بالحديث عن تلك الشرذمة من منعدمي الضمائر التي يجذبها الاصطياد في الماء العكر والاستغلال البشع للمآسي البشرية، سواء بترويج الإشاعات المغرضة وبث الرعب في النفوس، بالنفخ في أعداد الموتى والمصابين ونشر صور الأشلاء والجثث دون مراعاة مشاعر أصحابها وأسرهم وصون كرامتهم، أو نهب أموال وأغراض الضحايا بلا وازع أخلاقي، أو رفع سومة الرحلات من قبل بعض الجشعين. ولأن الكلام لم يعد مجديا عن تردي خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية بسبب سوء التسيير وغياب الحكامة والتقصير في القيام بالواجب أو عدم احترام مواقيت السفر وانعدام الصيانة ووسائل الراحة والسلامة وتعدد حوادث "قطارات الموت"...

فإننا سنكتفي هنا والآن بمحاولة ملامسة الجانب الآخر من الحادث، والمتمثل في تلك السمفونية الرائعة التي صنعها المغاربة وبرعوا في تأليفها من أجل إنقاذ حياة الجرحى ومواساة الأسر المفجوعة، معبرين من خلالها عن نبلهم وصدق مشاعرهم، والأهم من ذلك كله ما أقدموا عليه من مبادرات رفيعة، تعكس بجلاء روح التضامن الساكنة في وجدانهم، والمميزة لهم في مثل هذه الأحداث الأليمة.

ذلك أنه بقدرما كانت الصدمة قوية والمصاب جللا، بقدرما كانت الهبة الشعبية أرقى وأنقى من لدن بنات وأبناء الوطن الأحرار، حيث كشفت الفاجعة عن أصالة معدنهم وعمقهم الإنساني، ليس عبر مظاهر الحزن والتعاطف، وإنما برد الفعل السريع والانخراط العفوي في حملة التضامن والتآزر اللامشروطين، بكل ما توفر لديهم من إمكانات. إذ هناك من ساهموا بسياراتهم الخاصة في تأمين نقل الركاب العالقين إلى مدن سلا والرباط والقنيطرة والدار البيضاء. وهناك من فتحوا بيوتهم لاستقبال العائلات المفجوعة، وهناك من تهافتوا على مراكز تحاقن الدم لإسعاف المصابين، الذين نقلوا إلى مستشفى السويسي والمستشفى العسكري بالرباط، لتلقي الإسعافات الأولية والعلاجات الضرورية.

هكذا وكما عودنا شبابنا، أنهم رغم ما يعانون من تهميش وإقصاء في ظل السياسات الحكومية الفاشلة، لم يفقدوا الأمل في المستقبل ويصرون على الحضور المستمر في الملمات والأحزان وكلما دعت الضرورة إلى التواجد والتعاضد، بخلاف ما يدعيه البعض ممن لا يرون فيهم سوى جماعات من الفاشلين والمتواكلين والحاقدين على الوطن ومجرد مجرمين ومنحرفين ومرشحين للهجرة السرية... فالمغاربة، ووفق تعاليم ديننا الحنيف وقيمنا الإنسانية الراسخة جذورها في عمق التاريخ، ما انفكوا يبرهنون على استعدادهم الدائم لمؤازرة بعضهم البعض سواء في جمع التبرعات وتقديم واجب العزاء عند الوفاة أو المواساة خلال حوادث السير وغيرها، والتكفل أحيانا بمصاريف الجنازة أو علاج المرضى أو في رمضان المعظم وعيد الأضحى مثلا.

فقد توارثوا هذه القيم النبيلة والخصال الحميدة عن آبائهم وأسلافهم، وإلا ما كان ملك البلاد محمد السادس، ليشدد في خطاب حفل افتتاح الدورة التشريعية الخريفية أمام أعضاء مجلسي البرلمان، المنعقد يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018 على: "أن المغرب كان وسيظل، إن شاء الله، أرض التضامن والتماسك الاجتماعي، داخل الأسرة الواحدة، والحي الواحد، بل في المجتمع بصفة عامة" ويضيف قائلا: "... ذلك أن روابط الوحدة والتماسك بين المغاربة لا تقتصر فقط على المظاهر، وإنما تنبع من قيم الأخوة والوئام، المتجذرة في القلوب، والتضامن في الأحزان والمسرات"

وعلى هذا الأساس جعل شبابنا من الفضاء الأزرق منطلقا ليس فقط لحشد الجماهير وتعبئتها للتنديد بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد والغلاء وارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة والمطالبة بالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، ودعوتها إلى التظاهر السلمي والمسيرات الاحتجاجية ومقاطعة بعض المواد الاستهلاكية وغيرها من أشكال النضال الحر، بعد أن تخلت الأحزاب السياسية عن وظائفها الدستورية وانشغل السياسيون بمصالحهم الذاتية، وأفلست المنظمات النقابية بفعل تشرذمها واستبداد القادة بمناصبهم. وإنما كذلك لتكريس قيم التعاون والتضامن والدعم الاجتماعي والنفسي اللازمين، عبر إطلاق مبادرات إنسانية وقوافل اجتماعية، ترمي إلى مقاومة الجوع وقساوة أحوال الطقس خلال فصل الشتاء، وزرع بذور الحياة في القلوب الذابلة. مبادرات تسلط الأضواء على الواقع المزري لعديد الفقراء والمستضعفين والمهمشين والمقصيين والمرضى بالسرطان والقلب والسكري وأمراض أخرى مزمنة، والتخفيف من معاناتهم وتبديد الشعور بالحزن والألم لديهم.


إن قطار الموت ببولقنادل أماط اللثام عن الوجه المشرق لشرفاء الوطن، وأعطى درسا بليغا لمن يشكك في روح المواطنة الصادقة لدى غالبية شبابنا، ولأولئك البرلمانيين والوزراء الذين لا يحسنون سوى البكاء الكاذب والتسابق الجنوني على المناصب والحقائب والمكاسب والحلويات بشتى أصنافها. فهل يذهب التحقيق إلى مداه وتقديم المتورطين إلى العدالة لتقول كلمتها، أم ستواصل قطارات "الخليع" رعبها والتمادي في حصد أرواح الأبرياء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.