الحكومة تنفي نيتها الهيمنة على المجلس الوطني للصحافة وتؤكد انفتاحها على تعديل القانون    فرنسا والصحراء المغربية .. منعطف استراتيجي كبير    إسرائيل تقصف مجددا مبنى الأركان في دمشق وتوقع إصابات    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الدار البيضاء.. توقيف مواطن فرنسي متورط في تبييض الأموال والترويج الدولي للمخدرات    هل تكتب أو تنشر أو ترسم للأطفال؟..الجائزة الدولية لأدب الطفل ترحّب بالمواهب المغربية والعربية.    سعيد موسكير يقص من المضيق شريط الدورة ال 21 لمهرجان الشواطئ    الجديدة أولى محطات مهرجان ''العيطة المرساوية'' .. قبل أن يحط الرحال بمديونة والبيضاء    الفريق الاستقلالي في مجلس المستشارين: مؤشرات البطالة في المغرب غير مرضية    التقدم والاشتراكية: احتجاج آيت بوكماز تأكيد على ضرورة النهوض بالعدالة المجالية والاجتماعية    إحداث نحو 49 ألف مقاولة بالمغرب مع نهاية ماي منها أزيد من 15 ألفا في البيضاء    وزارة الثقافة الفرنسية: المغرب خزان فني في ازدهار مستمر    الاتحاد الدولي لكرة القدم يكشف عن برنامج بيع تذاكر كأس العالم 2026    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء طنجة    اختتام برنامج "تجديد المعارف" لفائدة الأطر الحاصلين على رخصة "كاف برو"    رسميا.. ريال مدريد يعلن رحيل لوكاس فاسكيز وإقامة حفل وداع خاص بحضور بيريز    بينهم أطفال.. إسرائيل تقتل 13 فلسطينيا بغزة منذ فجر الأربعاء    القضاء الكندي ينتصر لمحام مغربي في مواجهة "تيكتوكر" متهم بالتشهير    خامنئي: هدف الحرب إسقاط النظام    إسرائيل تقصف رئاسة الأركان السورية    أحزاب إسبانية تقاضي زعيم "فوكس" بتهمة التحريض على الكراهية ضد المهاجرين المغاربة    رئيس جنوب أفريقيا الأسبق يستحضر لقاءه التاريخي مع الملك محمد السادس    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    لامين يامال يواجه عاصفة حقوقية في إسبانيا بعد حفل عيد ميلاده ال18        ارتفاع جديد في اسعار المحروقات في محطات البنزين بالمغرب    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    هيئة أطباء الأسنان الوطنية تدعو إلى تعزيز الثقة في ممارسة المهنة    مشروع القرن ينطلق من المغرب: الأنبوب العملاق يربط الطاقة بالتنمية الإفريقية    قمة أورومتوسطية مرتقبة في المغرب.. نحو شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط    مقتل مهاجر مغربي طعنًا في اسبانيا    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    لقجع: المداخيل الجبائية ترتفع ب25,1 مليار درهم حتى متم يونيو 2025    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الاتحاد صوت الدولة الاجتماعية    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغاربة يلقون حتفهم بين يدي المشعوذين
نشر في أخبارنا يوم 24 - 09 - 2012

أشخاص جعلوا من ممارسات السحر والشعوذة تجارة رائجة ومربحة يجنون منها الأموال الطائلة نظير الوهم الذي يبيعونه لزبنائهم بعدما أجادوا العزف على الوتر الحساس والتلاعب بأحلامهم وآلامهم. تجارب كثيرة لضحايا انطلت عليهم حيل «لفقها» كانت نهاياتها مأساوية، فالأمر لم يقتصر على العاهات المستديمة والأمراض بل انتهى بالموت، بسبب الوصفات القاتلة التي كان هؤلاء الضحايا يرون فيها الدواء للأمراض التي يعانون منها والوسيلة السحرية لطرد النحس الذي يخيم على حياتهم.
لم يكن محمد ألكا يظن أنه سيلقى حتفه في بيت المشعوذ الذي لجأ إليه من أجل البحث عن علاج للمرض الذي استعصى على الأطباء، فظن أنه لن يجد له الحل إلا بطرق أبواب المشعوذين والدجالين الذين دله عليهم معارفه.
تسمم…فمات بخلطة «التوكال»
تكبد محمد ألكا وهو من مواليد سنة 1971 المتزوج والأب لطفلين عناء التنقل من مدينة إنزكان إلى مدينة الصويرة، من أجل زيارة مشعوذ ذاع صيته ويتعاطى العلاج بالأعشاب. كان محمد يظن أنه سيتخلص من « التوكال» الذي كان يعاني منه منذ سنوات. لكن نهاية مأساوية كانت بانتظاره
«الفقر والظلم وقلة ذات اليد والجهل والأمية، بالإضافة إلى اليأس والإحباط والاتكالية، كلها عوامل نفسية واجتماعية تفضي بالناس إلى ولوج عالم الشعوذة والدجل من أجل تحقيق مآربهم، وتدفعهم إلى المجازفة بسلامتهم البدنية والنفسية، لأنهم يعتقدون بأنهم سيتمكنون من الوصول بتلك الطريقة إلى ما عجزوا عن بلوغه بشكل عملي وموضوعي وإرادي» يقول الخمار العلمي أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة.
لم يتأخر المشعوذ الذي يفقه في كل شيء حتى في علاج الأمراض المستعصية في الاستجابة لطلب زبونه، وسارع إلى تهيئ وصفة مكونة من خليط عدة أعشاب وزيوت، مقدما إياها لمحمد من أجل تناولها في الحين، وتقيإ ما بمعدته من «توكال».
لم يكد محمد يتناول جرعة من الوصفة التي قام المشعوذ بتحضيرها له، حتى فارق الحياة على التو بمنزل هذا الأخير، بمركز سميمو الذي يبعد عن مدينة الصويرة بحوالي 30 كيلومترا.
فور توصلها بخبر الوفاة تنقلت عناصر الدرك الملكي والفرقة العلمية والتقنية إلى مسرح الحادث، حيث أخذت صورا للضحية، كما تم مسح مكان الحادث ومعاينة الجثة وأخذ كل المعطيات الضرورية واللازمة، كما تم حجز قارورة تحتوي على الخليط لعرضها على المختبر العلمي.
نقلت الجثة إلى مستودع الأموات بمستشفى سيدي محمد بن عبد الله بمدينة الصويرة. كما ألقت عناصر الدرك الملكي القبض على المشعوذ من أجل فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة أسباب وملابسات الوفاة، حيث أمرت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمدينة اسفي يوم الثلاثاء 28 غشت 2012 بعرض كليتي الضحية، وجزء من معدته وأحشائه، وعينات من دمه على المختبر العلمي من أجل تحديد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاته. وبعد استكمال البحث مع المشعوذ تم عرضه على محكمة الاستئناف بمدينة آسفي، لكن الغريب أن المشعوذ لم يستوعب بعد ما اقترفت يداه فدخل في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله.
ماتت بحصص تعذيب «الدجال»
محمد ليس الوحيد الذي لجأ للمشعوذين من أجل البحث عن علاج لحالته، ليجد الموت في انتظاره بسبب استغلال المشعوذ لحاجة الناس في العلاج، من أجل الاستحواذ على أموالهم، والتلاعب بسلامتهم الجسدية، فعائشة أيضا فقدت حياتها جراء التعذيب الجسدي الذي تعرضت له على يد أحد الدجالين الذي ادعى قدرته على إخراج الجن الذي «يسكن» جسدها!
كانت شابة في مقتبل العمر لم تتجاوز الثلاثين سنة حينما تغيرت حياتها، وبدأت تظهر عليها بعض التصرفات الغريبة، التي جعلت الجميع يفكر في أنها مصابة بمس من الجن وتحتاج لزيارة الأضرحة، و«الفقها» من أجل طردهم من جسدها.
عائشة التي كانت تقطن بإحدى قبائل الشاوية، لم تعد تستطيع المكوث ببيت زوجها، الذي لم يتفهم الحالة النفسية التي تعيشها، وتخلى عنها وأعادها لبيت أسرتها، التي بدأت تتنقل بها بين الأضرحة و«المشعوذين».
بالرغم من طرق الأسرة لأبواب الكثير من «الفقها» طلبا لشفاء ابنتهم من حالة البكاء والصراخ الهستيرية التي كانت تدخل فيها، إلا أنه لم تظهر عليها أي علامات للتحسن، بل على العكس من ذلك زادت النوبات التي كانت تعاني منها.
لم تكن عائلة عائشة تتردد في نقل ابنتهم إلى أي شخص يسمعون عن قدرته في علاج الجن، فأهم شيء بالنسبة لهم هو التمكن من إعادة ابنتهم لحالتها الطبيعية، التي كانت عليها من قبل، لذلك لم يترددوا في نقلها إلى بيت أحد الدجالين الذي كان يسكن بأحد الدواوير المجاورة.
وصف الدجال حالة عائشة بالمستعصية، بسبب ثلاثة من الجن الذين «استوطنوا» جسدها، وأنه لن يتمكن من إخراجهم إلا بعملية «الصرع» التي تقوم على ضرب جسد المرأة مع قراءة بعض التعاويذ عليها إلى أن يتم طرد الجن منها.
وافقت الأسرة على نقل ابنتهم المريضة إلى بيت المشعوذ من أجل الاستفادة من حصص العلاج بالضرب، لتبدأ عائشة حصص التعذيب، بدعوى الرغبة في إخراج الجن منها، فكانت تخرج في كل مرة من بيت الدجال وهي لا تقوى على المشي على قدميها.
تواصلت الحصص مرة بعد الأخرى، إلى أن لم تعد عائشة تقوى على الحراك، ودائما كان الدجال يتحجج بأن طرد الجن يتطلب القيام بهذه العملية، التي أدخلت عائشة غيرما مرة في حالة غيبوبة، قبل أن يطلب المشعوذ من عائلتها الاحتفاظ بها بالبيت، بعد أن ساءت حالتها الصحية.
لم تمض أيام حتى فارقت عائشة الحياة، بسبب جلسات التعذيب التي كان يمارسه عليها المشعوذ الذي لاذ بالفرار فور سماعه بخبر وفاتها، تاركا خلفه ضحاياه، قبل أن يتم إبلاغ رجال الدرك عنه، وتصدر في حقه مذكرة بحث وطني من أجل إلقاء القبض عليه.
حلمها بالأمومة انتهى بالموت
مضت أشهر طويلة على زواج مريم التي تعيش رفقة زوجها بالديار البلجيكية، لكنها لم تتمكن من تحقيق حلمها في أن تصبح أما، ما جعل القلق يعرف الطريق بسهولة إلى نفسها، ويقض مضجعها ويحرمها من طعم الراحة والنوم.
وجدت الشابة ذات الثالثة والعشرين عاما نفسها محاصرة بأسئلة زوجها، قبل أن يصير تأخر حملها موضوع حديث أفراد العائلة الكبيرة، ما زاد في تعميق مشاعر الخوف والقلق لديها، لتقرر اللجوء إلى الأطباء في بداية الأمر، قبل أن تغير وجهتها نحو «لفقها»، بعد أن أكد لها المقربون منها قدرة أحدهم ويدعى «الشيخ» على علاج العقم وغيره من الأمور المستعصية على الأطباء.
«يكون اللجوء إلى المشعوذين في مثل هاته الحالات مرتبطا بصعوبة تفسير الظواهر وإرجاعها إلى أسبابها العملية والواقعية، وهو ما يجعل الناس يرجعون أسباب فشلهم أو صعوبة تحقيقهم لغرض ما إلى سحر أو مظاهر غير منطقية وعلمية» يوضح الأستاذ الخمار العلمي.
رغبة مريم الجامحة في تحقيق حلم الأمومة، جعلتها تنساق بسهولة خلف المشعوذين والدجالين، وتصدق نجاعة وصفات شعبية لا يقبلها العقل، بحيث لن تتردد في الاستجابة لطلبات «الشيخ» الذي أكد لها بأنه قادر على مساعدتها في تحقيق حلمها بالإنجاب، وإعادة الاستقرار إلى حياتها الزوجية.
شخص «الشيخ» حالة مريم بكونها «مسكونة» من جن يمنعها من أن تحبل، وأخبرها بأن تخلصها منه يستوجب خضوعها لحصص «الرقية الشرعية» التي ستكون كفيلة بطرد الجن الذي «يستوطن» جسدها.
كان «الشيخ» يعمد خلال تلك الجلسات على إدخال أصابعه في حلقها، قبل أن يغطسها في ماء ساخن، ويضربها بعصا مكتوب عليها آيات قرآنية. بالرغم من صعوبة ووحشية ما كانت تتعرض له خلال تلك الجلسات، قررت مريم أن تتحمل كل أشكال العنف التي كانت تمارس عليها في سبيل التخلص من «الأرواح الشريرة».
لن تستطيع الزوجة التحمل لوقت طويل، ففي الخامس من غشت سنة 2004، ستظهر عليها مضاعفات خطيرة ترغم زوجها على الاتصال بالطوارئ، ليتم نقلها إلى المستشفى، حيث سيتبين بأنها مصابة بكدمات في أنحاء من جسدها، وبأن رئتيها ممتلئتان بالماء.
وجد الزوج نفسه محاصرا بسيل من الأسئلة من طرف رجال الشرطة، ليعترف بأن مريم كانت تخضع منذ حوالي شهر لحصص «الرقية الشرعية»، وتتواصل التحريات بناء على اعترافاته، فتقود إلى ستة أشخاص من بينهم ثلاثة من شقيقات الزوجة بتهمة القتل، حيث من المقرر أن يواجهوا عقوبة حبسية تتراوح ما بين 20 و 30 سنة.
فقدت ابنتها بسبب جريها وراء الشعوذة
داخل غرفة بالبيت الذي يقطنه، كانت ثمة مواد وطقوس تحيل على أفعال السحر والشعوذة، تؤثثها الكثير من المواد الغريبة، منها رؤوس بعض الحيوانات والزواحف ومساحيق وبخور وتمائم وأثواب، تستغل في الاحتيال وبيع الوهم للناس.
كان معروفا باستقبال الناس منذ الساعات الأولى للصباح الباكر، حيث كان يصطف الناس أمام بيته طيلة الفترة الصباحية، ومن جميع المناطق بعد أن ذاع صيته، بسبب ادعائه علاج الأمراض وطرد الجن، بالإضافة إلى جانب ادعائه”جلب الحظ والخير وطرد العنوسة والشر.
وقدعمل على رسم صورة الفقيه الورع التقي بين الناس بزعمه أنه يستند إلى الكتب الشرعية والسلف الصالح لعلاج مرض الصرع وحل مختلف المشاكل، لذلك وضع عددا من المصاحف بواجهة غرفته.
من ضحايا هذا الدجال، سيدة كانت سببا في افتضاح أمره واعتقاله، وهي والدة مريم المصابة بداء الصرع، والتي أرادت في البداية أن تتوكل على بركة هذا «الفقيه» وقصدت بيته بحثا عن علاج لابنتها وما إن عرضت ابنتها عليه حتى أخبرها أن مسا من الجن قد أصابها، مؤكدا أن شفاءها رهين بصرعها، الذي يتطلب حسب طقوسه تكبيل المريضة وإحاطتها بالبخور وقراءة بعض سور القرآن عليها، وضرب أطرافها بالسوط من أجل إيقاظ الجن المستقر بداخلها، وعند ذلك «يدخل» الدجال معه في حوار، ينتهي “بتسليم” الجن نفسه بعد خضوعه لأوامر المشعوذ والامتثال إليه.
أصيبت الأم بالذعر في بداية الأمر وهي تشاهد ابنتها مكبلة وتضرب بعنف، وحاولت التدخل لتطالب الدجال بأن يشفق عليها، لكن هذا الأخير نهرها وأمرها بالصمت والانسحاب، وأكد لها أن ابنتها لكي تتماثل للشفاء عليها أن تبقى بمنزله أسبوعا على الأقل، لأن الجن الذي بداخلها «قبيح» ومن الصعب إخراجه والقضاء عليه ما دام يرفض “الاستسلام”. وطلب من الأم مبلغ 500 درهم ك«تسبيق» للعلاج على أن تدفع له مثلها بعد تماثل ابنتها للشفاء.
بعد انقضاء أسبوع عادت والدة مريم لبيت الدجال، على أمل أن تجد ابنتها شفيت، بعدما راودتها شكوك حول سوء أحوال إيوائها وإطعامها وعلاقتها بباقي المرضى.
كانت صدمة الأم كبيرة عندما وجدت ابنتها في حالة صحية متدهورة، بعد أن أصيب في رأسها خلال إحدى حصص “العلاج” التي يقيمها الدجال لمرضاه، لتنقل ابنتها إلى المستشفى حيث قضت نحبها هناك بعد أسابيع.
لم تجد الأم من حل سوى اللجوء إلى وضع شكاية مستعجلة لدى مصالح الأمن، معززة بشهادة طبية تثبت إصابتها بآلة حادة على رأسها بالإضافة إلى مجموعة من الكدمات التي كانت بادية على جسدها، لتكون مريم السبب في سقوط الدجال ومعه الوهم الذي ظل يبيعه لسنوات لمواطنين مغلوبين على أمرهم، بسبب الجهل وقلة ذات اليد.
حصص طرد الجن الأخرس حولته إلى «مشلول»
«تنتج عن استعانة بعض الناس بخدمات المشعوذين والدجالين عواقب وخيمة تتجلى في المخاطر والأضرار الجسدية والنفسية التي تلحقهم، فالأفعال الإجرامية التي يمارسها الدجالون والمشعوذون على أجسادهم قد تحدث لهم عاهات مستديمة بالإضافة إلى العديد من التشوهات» يؤكد الأستاذ الخمار العلمي.
وضع ينطبق على حالة عبد الرحيم الذي تحول إلى شخص مقعد لا يتحرك إلا بكرسي متحرك بعد أن كان قادرا فيما قبل على الحركة والتنقل حيث شاء بدون مساعدة من أحد
تعود تفاصيل الحادث الأليم إلى سنوات خلت عندما كانت تنتاب الشاب عبد الرحيم نوبات من الإغماء والغيبوبة التي لا يحرك معها ساكنا، ولا ينبس خلالها بكلمة واحدة، وتستمر هذه الحالة لساعات قبل أن يستعيد وعيه، بينما تستمر نوبات الصداع التي تكاد تفجر رأسه.
كانت جميع المؤشرات بالنسبة لأسرة الشاب تصب في كونه مصابا بنوع من المس، لذلك بدأوا يبحثون عن شخص يمكنه علاج نوبات الصرع التي تنتاب عبد الرحيم، والتي حولت حياته إلى جحيم بعد أن أصبح أهله يرفضون السماح له بمغادرة المنزل والتنقل إلى أي مكان آخر بمفرده، خوفا من أن تنتابه النوبة خارج البيت.
بعد بحث طويل توصل الأهل إلى الشخص الذي مدحه الجميع وتحدثوا عن قدراته العجيبة في صرع الجن وطرده بعيدا عن الأجساد الإنسانية، وتخليصها من تحكماته.
بدأت رحلة العلاج التي كان يتنقل خلالها عبد الرحيم رفقة والده إلى منزل الرجل لعلاجه بالصرع، حيث كان يستخدم أساليب قاسية في طرد الجن، بضرب المريض على مستوى جميع جسده، دون تمييز بين الأماكن الحساسة التي يمكن أن تخلق الكثير من المشاكل الصحية فيما بعد بالنسبة للمريض.
يستهل الرجل جلسة العلاج بجو روحاني داخل غرفة شبه مظلمة بسبب إضاءتها الخافتة، تنبعث منها رائحة البخور، الذي يزيد من عتمة المكان، ويبدأ في التمتمة بكلام غير مفهوم وهو يمرر يده على جسد المريض المستلقي بين يديه، قبل أن يبدأ في ضربه في جميع جسده، وخاصة على مستوى الرأس محاولا إخراج الجن الذي يسكنه.
كان عبد الرحيم يخرج من بيت الرجل وجسمه يحمل جميع علامات الضرب، التي يخلفها السوط الذي كان يضربه به، خاصة وأنه كان يدعي أن الجن الذي يستوطن جسده أخرس! وهو من أنواع الجن التي يصعب إخراجها، في محاولة منه تبرير استخدامه ذلك الأسلوب العقابي، والآثار الناجمة عنه.
بدأت حدة الألم الذي كان ينتاب عبد الرحيم على مستوى الرأس تزيد جلسة بعد أخرى، وأصبح يجد صعوبة في تحريك أطرافه السفلى، إلى أن فقد القدرة على تحريكها نهائيا، وكان تبرير الدجال دائما أن الجن هو الذي فعل به ذلك انتقاما منه، وأن الأمر لا علاقة له بالأمراض العضوية ولا حاجة لنقله للطبيب.
استغل الدجال جهل أهل عبد الرحيم وسذاجتهم ورغبتهم القوية في تخليص ابنهم من المرض الذي حوله إلى مقعد، وأرسلهم إلى شخص آخر يتمتع بخبرات في هذا الميدان أكثر منه، حتى يبعد التهمة عنه في حال أراد الأهل إبلاغ الأمن بما حدث لابنهم.
بسبب العدد الكبير من الدجالين الذين لجأ إليهم الأهل طلبا لعلاج عبد الرحيم، فقدوا القدرة على معرفة من كان وراء فقدان الإبن للقدرة على الحركة، وحوله إلى مقعد يعتمد في تنقله على كرسي متحرك، بعد أن شخص لهم الطبيب حالته التي كان الضرب وراء وصوله إليها.
أنكر الأهل على الطبيب أن ابنهم تعرض للضرب من طرف الدجال، وحاولوا إرجاع سقوطه المتكرر من على السلالم إلى الغيبوبة التي تنتابه بشكل مستمر، حتى لا يطالبهم الطبيب برفع شكوى ضد الدجال الذي اختفى عن الأنظار.
مجيدة أبوالخيرات/ شادية وغزو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.