صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء تترأس حفل نهاية السنة الدراسية 2024-2025 لمؤسسة للا أسماء    مشاركة مغربية بارزة في النسخة الموسعة من كأس العالم للأندية بالولايات المتحدة    كأس العرش: اتحاد تواركة يحجز مقعدا له في نصف النهائي بانتصاره على سطاد المغربي    جهة طنجة تطوان الحسيمة .. نسبة النجاح في امتحانات الدورة العادية لشهادة البكالوريا تتجاوز 62,72 في المائة    جمعية الصداقة المغربية الإسرائيلية ترد بقوة على "البيجيدي": لا للخطاب الشعبوي الذي يسيء لليهود المغاربة ويضرب قيم التعايش    أوزين ينتقد "جفاف الرؤى الحكومية" .. ويؤكد وحدة صف الحركة الشعبية    تفكيك شبكة إجرامية تستغل نساء راغبات في الهجرة للاستيلاء على عشرات السيارات        بعد الفضيحة الكبرى ؛ الوالي التازي يعفي المهندس المشرف على ترميم صور المعكازين    السعدي: مخرجات المناظرة الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني ستمكننا من تحيين استراتيجيتنا للنهوض بالقطاع    العدوان على إيران: بين الدعم والتفرج    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى رئيسة جمهورية الهند على إثر تحطم طائرة ركاب هندية بأحمد آباد    عمر الحريري وهبة بناني يتصدران نتائج الدورة العادية للبكالوريا    الفرقة الوطنية للشرطة القضائية…توقيف شقيقين للاشتباه في ارتباطهما بشبكة إجرامية تنشط في ارتكاب جرائم النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والاتجار بالبشر        وفاة مستشار المرشد الإيراني متأثرا بجراحه بعد يوم واحد من تعرضه للهجوم الإسرائيلي    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي    غوغل تُحوّل نتائج البحث إلى بودكاست صوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي    برشلونة يخوض مباراة ودية بالدار البيضاء في غشت المقبل    تخصيص ميزانية 113 مليون درهم لتحديث وتأهيل مطار العروي    المغرب يحتفي باليوم الوطني للتبرع بالدم لتعزيز روح التضامن والإنقاذ    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    جيلان تتألق في "ها وليدي": ملحمة فنية مغربية تنبض بالحب والولاء للوطن.. المغرب لا يُغنى عنه، بل يُغنّى له    موجة حر تصل إلى 45 درجة تضرب عدداً من أقاليم المملكة مطلع الأسبوع    إسرائيل تواصل غاراتها على إيران ونتنياهو يقول إن "ضررا حقيقيا" لحق ببرنامج طهران النووي    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهل المملكة المتحدة بمناسبة عيد ميلاده    تامر حسني يكشف تطورات الحالة الصحية لنجله    "صفعة للاستثمار وضربة لصورة المغرب".. نخرجو ليها ديريكت يكشف كواليس توقيف مشروع فندقي ضخم في قلب الدار البيضاء    الحسنية توقع رسميا عقودها مع المدرب الرئيسي والمدير الرياضي للحسنية    مطالب للحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة تحفز اندماج القطاع غير المهيكل بالاقتصاد الرسمي        اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    إيران تقرر إغلاق الأجواء حتى إشعار آخر    مونديال الأندية.. ميسي "متحمس" وماسكيرانو يشيد بقوة الأهلي    رينجرز يعلن رحيل المغربي عصام الشرعي من منصبه كمساعد مدرب    حصيلة وفيات تحطم طائرة هندية ترتفع إلى 270 شخصا    إيران تعلن مقتل 3 علماء نوويين جدد    الطالبي العلمي يستقبل وفد المنتدى البرلماني الإفريقي لبحث قضايا الدفاع والخارجية    لامين يامال يفجر "ضجة كبيرة" بشأن صفقة نيكو ويليامز    ريال مدريد يضم اللاعب الأرجنتيني ماستانتوونو    أجواء حارة في توقعات طقس السبت    واشنطن.. عرض عسكري غير مسبوق احتفالا بالذكرى ال250 لتأسيس الجيش الأمريكي    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري    " التحول " معرض فردي للفنانة حياة قادري حسني برواق باب الرواح بالرباط        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    شهادات مرضى وأسرهم..    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة المدنية هل تشكل عائقا لدولة إسلامية؟
نشر في أخبارنا يوم 13 - 11 - 2019

مع استمرار الحركات الإسلامية بالحضور السياسي والاجتماعي والمشاركة في الحكم، استطال الجدل بين التيارات العلمانية وبعض الحركات الإسلامية حول مفهوم الدولة وهويتها، وامتد الجدل حول نفس الموضوع ليشمل المدارس والمذاهب والاجتهادات الإسلامية أيضا، وعلى الرغم من مساهمة الاجتهاد المعاصر في إيجاد فهم مشترك لفك التناقض وتوحيد الموقف، فإن الاختلاف ما زال قائما حيث أسهمت مؤثرات عديدة في غموض النظرة وتشويش الرؤية وبروز التناقضات في الفكر السياسي عند بعض المسلمين. المصطلح يرفضه بعض الإسلاميين، ويعتبره آخرون الصيغة المعبرة عن التقاء الأهداف المقاصدية للشريعة الإسلامية مع خلاصة ما توصل له الإبداع الإنساني في منظومة القواعد القانونية الضرورية لضبط العلاقة بين الحكام والمحكومين وإحداث التوازن بين السلطات.

لذلك فإن استحقاق النصاب ألزماني والتحدي الذي يواجه الإسلاميين في قدرتهم على إدارة حوار علمي منضبط بمنهج تخصصي نحو فهم مشترك لمفهوم الدولة المدنية وموقعها في الفكر السياسي المعتمد من الحركات الإسلامية. فما المقصود بالدولة المدنية؟ وبماذا تختلف عن مفهوم الدولة الإسلامية؟ وهل الدولة الإسلامية هي دولة دينية؟ وهل تمثل الدولة المدنية نقيضا أو بديلا لمفهوم الدولة الإسلامية؟ وكيف تنظر الحركات الإسلامية إلى معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان؟. بعض الإسلاميين يرفض القبول بالدولة المدنية لأنها تستند إلى الأساس الفلسفي التشريعي الذي يعتبر قرا الأغلبية وآراء الناس مرجعية في إصدار التشريعات واختيار الحاكم، واستنادا لهذا الحق المطلق يمكن أن يكون الشذوذ حقا مقننا والنظام الاقتصادي القائم على الربا والاحتكار والقمار مشروعا، ويستند رفض هؤلاء أيضا لاعتبار أن الدولة هي مجمل المراكز القانونية، وتختلف هذه المراكز حسب مصدر الحق، هل هو مصدر إلهي أم بشري؟ وباعتبار أن الفكر السياسي ونظرية العقد الاجتماعي التي انطلقت منها فكرة الدولة المدنية، تقوم على فكرة الحق الذي ينشأ مرتبطا بالتراب الوطني، حيث يكون المواطنون على هذا التراب متساوين فيما بينهم، وهم أصحاب الحق في التوافق على شكل الحق الذي تقوم عليه

الدولة، وليس الحق الإلهي في الحكم والتشريع، لذلك فهم يرفضون القبول بالدولة المدنية باعتبارها نقيضا للدولة الإسلامية. لم ترد "الدولة" لا مصطلحا ولا مفهوما في القرآن الكريم، كما أن مفهوم الدولة بالمعنى الحديث غير موجود في التاريخ الإنساني قبل العصر الحديث، فهذا مستوى أول يطرح به الحديث عن "الدولة" مع مفهوم جديد غير مسبوق. فالدولة المدنية دولة يحكمها الدستور (العقد الاجتماعي) وتشكل منظومة التشريعات والقوانين مرجعية حاكمة لتنظيم التوازن والتلازم بين السلطات والصلاحيات وطريقة التداول على السلطة، وضمان حق المواطنين بممارسة حرية الرأي والتعبير والتنظيم، والأمة هي مصدر السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية أو التقنينية من خلال ممثليها، وهم أعضاء البرلمانات فيها، حيث يهيمن القانون على كل مكونات الدولة أفرادا وسلطات، وتُفوض السلطة الحاكمة بقيادة الدولة تفويضا مقيدا لا مطلقا نحو مصالح الوطن والمواطنين. والمعايير التي تجعل الدولة مدنية خمسة اعتبارات هي تمثيلها إرادة المجتمع، وكونها دولة قانون، وانطلاقها من نظام مدني يضمن الحريات ويقبل التعددية وقبول الآخر، وقيامها على اعتبار المواطنة أساسا في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين فيها، وأخيرا التزامها بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. وبالنظر للتوجهات العامة المبثوثة في القرآن والسنة وكتابات علماء الإسلام، فإن هذه المعايير متوفرة في نظرة الإسلام للدولة.

"كون القوانين تستند إلى المرجعية الإسلامية، لا يمنع تحولها بفعل الآلية الديمقراطية إلى قوانين مدنية.

ويفيد هذا الأساس النظري في التمييز بين الشريعة والقانون، على أساس أن الشريعة أحكام ملزمة دينيا للفرد المؤمن، بينما القانون وضع بشري ملزم دنيويا.

"

وخلاصة القول الذي ذهب له المفكر الإسلامي د. محمد المختار الشنقيطي إن الذين يرفضون الديمقراطية إما أنهم لم يحيطوا بالديمقراطية أو أنهم غفلوا عن مقاصد الشريعة الإسلامية. ومصدر الأشكال يكمن باستخدام المصطلح، فأغلب الذين يستعملون عبارة "الدولة الإسلامية" يربطونها بجعل الشريعة مصدر القوانين، ولذلك يحصل الإشكال في التصور وإصدار الحكم، إذ أن بناء الدولة هو بناء سياسي، وليس مرتبطا بالضرورة بطبيعة النظام القانوني أو مرجعيته التي ليست في الحقيقة قضايا سياسية، بل هي نتيجة لممارسة مقتضيات بناء الدولة ومؤسساتها في أمة من الأمم، وإذا انطلقنا من طبيعة الأنظمة السياسية الحديثة التي تضم مواطنين من ديانات مختلفة، فإن النظام القانوني قد يقترب أو يبتعد عن مقتضيات "الشريعة" في بعض أحكامها التفصيلية حسب ازدياد أو نقصان تمثيلية المسلمين في الأجهزة التشريعية البرلمانات. وقد يتطور تشريع القوانين في الدولة الواحدة حسب وزنهم السياسي، هذا من جهة أولى، ومن المفروض والطبيعي أن يعبر الممثلون عن نظام القيم في المجتمع وعن توجهات أغلبية أفراده الفكرية والسياسية تلقائيا.

وانطلاقا من ذلك يمكن الحديث عن مسألة مرجعية القوانين في مجتمع مسلم، فممثلو الأمة هم ضمانة الالتزام بقيم الدين وثوابته.

وكون القوانين تستند إلى المرجعية الإسلامية، لا يمنع من تحولها بفعل الآلية الديمقراطية إلى قوانين مدنية.

ويفيد هذا الأساس النظري في التمييز بين الشريعة والقانون، على أساس أن الشريعة أحكام ملزمة دينيا للفرد المؤمن، بينما القانون وضع بشري ملزم دنيويا، بحكم طبيعة الدولة التي تمارس السلطة بتفويض من المجتمع، والمسلم يبذل جهده ليتحقق الانسجام بينهما، أو على الأقل لتفادي التعارض بينهما. ومعروف أن القانون كان دائما أحكاما دينية أو مبادئ أخلاقية أو أعرافا اجتماعية سائدة في المجتمع، تحولت مع مرور الزمن وتطور المجتمعات أو وعيها إلى قوانين حاكمة في المجتمع عبر الفعل السياسي، ولا يمنع هذا التدافع من قيام أحزاب سياسية بمرجعية دينية أو لأسباب دينية، بتحقيق المقصود بالمقاصد والأحكام الشرعية بالوسائل الديمقراطية.. هل هذا المفهوم موضع اتفاق بين العلماء والفقهاء ورواد الفكر والحركات الإسلامية؟ وهل وردت في المراجع الشرعية نصوص صارمة وتفصيلية ودقيقة خاصة في نظام الحكم؟ وهل يتفق الإسلاميون على مفهوم واضح ومحدد لمصطلح الدولة الإسلامية؟ بعد استعراض النصوص المعبرة عن إفهام وأدبيات قيادات الحركات الإسلامية المعنيين بإقامة المشروع الإسلامي لا نجد خطابا واحدا في تعريف ماهي الدولة وتوصيفها، وإنما نجد خطابات متباينة ومختلفة، فالخطاب الإصلاحي تحدث عن الدولة المدنية والديمقراطية منطلقا من تطابق المصلحة والشريعة وحسب نصوص وافرة ومتواترة "فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهو من الدين وليست مخالفة له وكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل".

هذا ما نص عليه ابن القيم وغيره من العلماء، وأما الخطاب الحركي الإحيائي الذي ركّز على جانب الهوية أو المرجعية الإسلامية، فهناك فجوة واضحة بين المضامين، فثمّة اختلاف بين تصور راشد الغنوشي مثلا للدولة الإسلامية في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية"، وتصور حركة طالبان أو أيمن الظواهري مثلا، وأبو محمد المقدسي أو حتى تقي الدين النبهاني وحزب التحرير الإسلامي، أو النموذج الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية التركي.

"ليس من المنطقي طرح السؤال عن شرعية الدولة المدنية، لأن الدولة المدنية ليست نقيضا للدولة الإسلامية وإنما هي نقيض للدولة البوليسية العسكرية التي تظهر بصور متعددة، فقد تكون الدولة المستبدة دينية يحكمها رجال الدين بالمعنى الثيوقراطي وادعاء الحكم الرباني الإلهي لمن يزعمون لأنفسهم العصمة والقداسة".

صحيح أن الإسلاميين لم يتنازلوا عن مشروعهم في "إقامة الدولة الإسلامية"، ولا عن شعارهم "الإسلام هو الحل"، لكن أغلبهم استطاعوا فك الاشتباك والتوفيق بين المرجعية الشرعية وهوية الشعب والمجتمع وبين الديمقراطية والحكم الدستوري والتعددية السياسية، فلم تعد هذه المفاهيم محل نقاش أو جدل بل أصبحت من المسلّمات في خطاب الحركات

الإسلامية المعتدلة التي توصف ب"بحركات الإسلام السياسي"، وقد تجسد هذا المعنى بوضوح أثناء الحراك السياسي الشعبي العربي، وتوافقت الحركات الإسلامية مع المجموع الوطني على هذا الهدف. وقد صدرت عن الأزهر وثيقة فقهية حدّدت صيغة الدولة الإسلامية ب"الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة". وتعرّف الوثيقة طبيعة النظام الديمقراطي بالقول: "اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر، الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومن تحديد للاختصاصات ومراقبة للأداء ومحاسبة للمسئولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شؤون الدولة بالقانون، والقانون وحده وملاحقة الفساد وتحقيق الشفافية وحرية الحصول على المعلومات. كما تعتبر أن مصالح المجتمع في النظر الإسلامي، هي مصالح دنيوية مرتبطة بتحقيق المقاصد الأساسية، الضروريات والحاجيات والتحسينيات باعتبارها غايات عليا، ويجب أن يتوخاها التشريع، وأن تتوخى تحقيقها الحكومات القائمة على تنفيذ هذا التشريع. ويُعرِّف ابن خلدون الدولة بأنها "كائن حي له طبيعته الخاصة به، ويحكمها قانون السببية، وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية، وهي أيضا وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلا بها". ويذكر "أن الدولة التي تُحكم وفق الهوى والشهوة هي الدولة الفوضوية التي تحكمها الغرائز، وهذه أساسٌ لخراب العمران وعدم نهوض الحضارات"، وبالعودة إلى اجتهادات العلماء المستندة إلى أصول الفقه ألمقاصدي نجد أنهم يميزون بين العبادة والعادة، ولكل منهما منهج خاص في التعامل معه، ويجعل أبو إسحاق ألشاطبي التمييز بين المجالين من "مقصد الشارع" ليس هذا التمييز خاصا بالشاطبي بل هي القاعدة المعتمدة لدى كبار علماء الإسلام قديما وحديثا ومنهم تقي الدين ابن تيمية حيث يقول: "تصرفات العباد نوعان عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم والأصل فيها عدم الحظر وما لم يثبت من العادات أنه منهي عنه فكيف يحكم على أنه محظور"؟.

ومن الواضح أن الجانب السياسي وإدارة شؤون الدولة استندت إلى المبادئ والقيم والمقاصد مثل العدل والشورى فيما يترك المجال للتطور والإبداع البشري وتراكم التجارب الإنسانية، وهو المعنى الذي عبر عنه أبو حامد الغزالي بقوله: "ما يتعلق بمصالح العباد من غير العبادات فالتحكم فيها نادر"، وما يعين على الفهم أنه ليس هناك نظام سياسي إسلامي واحد ومحدد وملزم، فلم يرد في الكتاب ولا في السنة شكل محدد للنظام السياسي ولم يرد أي تفصيل عن كيفية قيام الدولة ولا عن طريقة تدبيرها وإدارتها، كما أن العلماء لم يتفقوا على كيفية اختيار الحاكم أو عزله أو مدة ولايته ومدى صلاحياته ولا كيفية ممارسة الشورى أو كيفية حسم الخلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى؟ وليس من الضروري في المجال السياسي أن نبحث عن سند شرعي من النصوص لأي إجراء جديد، بل الذي يمنع الاجتهاد أو


الاقتباس فعليه البحث عن الدليل الشرعي الذي يمنع من الاجتهاد والإجراء الجديد لأن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يرد المنع. وبهذا المعنى فليس من المنطقي طرح السؤال عن شرعية الدولة المدنية بمفهومها المتقدم في التعريف؛ لأن الدولة المدنية ليست نقيضا للدولة الإسلامية وإنما هي نقيض للدولة البوليسية العسكرية التي تظهر بصور متعددة، فقد تكون الدولة المستبدة دينية يحكمها رجال الدين بالمعنى الثيوقراطي وادعاء الحكم الرباني الإلهي لمن يزعمون لأنفسهم العصمة والقداسة فيحتكرون حق التشريع، ويصادرون حق غيرهم مهما كان شأنهم واختصاصهم من خلال ولاية الفقيه وعصمة الإمام، علما بأن الإسلام ينزع كل عصمة أو قداسة عن ممارسات الحكام وقراراتهم، كما ينزعها عن الوسائل التي تتوصل بها الدولة لإدارة شؤون الأمة. والحاكم في الإسلام لا يستمد مشروعيته من قوة غيبية، بل هو فرد عادي يستمد ولايته من الأمة التي اختارته وكيلا عنها بمحض إرادتها وهو مسئول أمامها في الدنيا، فضلا عن مسؤوليته أمام الله يوم القيامة، لكن مسؤوليته في الآخرة فردية لا تنقص في شيء من مسؤوليته الدنيوية الكاملة أمام شعبه. وقد تكون الدولة المستبدة علمانية يحكمها الفرد أو الحزب أو الطائفة أو الأسرة الحاكمة بسلطة مطلقة فوق العقد الاجتماعي والدستوري، وأما الديمقراطية فهي الآليات والأدوات الضامنة لتحقيق مبدأ الشورى وإرادة الأمة ومنظومة الحريات العامة وتحقيقها، وهذا ما وصل إليه سعد الدين العثماني في بحثه المتفرد بعنوان "الدولة الإسلامية المفهوم والأماكن" حيث يقول: "وهكذا فإن الاصول الإسلامية لا تتنافى في شيء مع مفهوم الدولة المدنية، بل تؤسس لها على مختلف المستويات". هذه مقاربة في بحث هذا الموضوع الذي يحتاج إلى المزيد، وخاصة في عناوين أخرى ذات ترابط وثيق وتحتاج إلى بحث ودراسة مثل مفهوم الخلافة الإسلامية المعنى والإمكان، وربما يكفي هذا البحث بحده الأدنى لترك التردد والقبول بالديمقراطية والدولة المدنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.