الرقمنة تجلب %91 من ضرائب مغاربة الخارج وتمنحهم أكثر من 4 مليون شهادة إلكترونية    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    سفينة جانحة تغادر "مضيق البوسفور"    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    النهضة البركانية تهزم المغرب التطواني    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "نتنياهو يعرف أن بقاء حماس يعني هزيمته"    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي حاملا رسالة من العاهل السعودي    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل: ما معنى تحول "النهضة" إلى حزب مدني وهل تلتقط "العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان" الرسالة؟
نشر في لكم يوم 22 - 05 - 2016


22 ماي, 2016 - 10:14:00
قد يتساءل المواطن في العالم العربي عن كيف يتحول حزب النهضة إلى حزب مدني؟ ألم يكن حزب النهضة مدنيا، وهل الحزب بالمرجعية الإسلامية انتفاء لمبدأ المدنية في المفهوم السياسي ؟ وهل يمكن أن يجمع الحزب بين المرجعية الإسلامية ومفهوم المدنية ؟
لم يعرف المسلمون القدامى شكلا للدولة إلا قياما على المصلحة والأهواء تماما كما هو شكل الدولة القديمة عند جميع الأمم قبل، فالنظام التشريعي في دولة المسلمين القديمة كان يقوم على الاعتماد على آليات للحكم ملهمة من دويلات تم إسقاطها مثل الروم والفرس أو بعض مما اقتضته الظروف وولدته خواطر العصر. بينما يحكم القضاة اعتمادا على اجتهادات المذاهب الفقهية مجتمعة أو اعتمادا على مذهب واحد فيقال : هذا القاضي يحكم على مذهب أبي حنيفة وهذا قاض يحكم على مذهب مالك. وبقي المسلمون على هذا إلى سقوط دولة الخلافة العثمانية .
بعد المخاض الذي عرفته أوروبا ابتداء من الاجتهادات الفلسفية في القرن الثاني عشر وبروز المدارس الأنوارية والإصلاح الديني، والذي سيعطينا في النهاية فصل الدين باعتباره أمرا شخصيا وبين الدولة التي هي ملك لجميع المواطنين باختلاف مذاهبهم واعتقاداتهم، فظهرت الدولة الوطنية القائمة على التعاقد الذي انتفى معه التفويض الإلهي بإرجاع السيادة للشعب بعدما كانت تفويضا للحاكم باسم الله " الاستخلاف عندنا " . فتكون أوروبا بهذا قد قدمت نموذجا نظريا للدولة الذي أصبح حلما لكل الحركات الوطنية في العالم أجمع، حيث عرف نجاحا مبهرا خاصة في الدول التي تعرف اختلافا اثنيا وعرقيا ومذهبيا فانتفت بذلك الحروب والنزاعات وترسخ مفهوم المواطنة.
طرح المودودي
عندما دخل هذا الشكل من أشكال الدولة لبلاد المسلمين ونشوء الدولة الوطنية القطرية رأى فيه بعض من رجال الدين الفقهاء ضربا للشريعة الربانية، بحيث إن المنظر الإسلامي للدولة يرى أنها لا تقوم على السيادة للشعب ولكن السيادة لله، فالشريعة تعبير عن إرادة الله وهو ما تم التعبير عنه" بالحاكمية ". فظهرت بعض الأصوات التي أعلنت صراحة رفضها المطلق للدولة الديمقراطية المدنية، ورأت بوجوب الحرب والخروج للتغير وهو ما عبر عنه المودودي استنادا الى آيات قرآنية خارجة سياقها ترجع الحكم لله، فقد تبنت الحركة الإسلامية في شكلها البدائي ما جاء به المودودي وأعلنت الحرب على الديمقراطية ورأت المتحاكمين لها كفارا والحاكمين بها عملاء . فاستمرت الحركة الإسلامية على هذا سنينا عددا ولا يزال السلفيون هذا معتقدهم إلى اليوم .
بعد أن رأت الحركة الإسلامية أن طرح المودودي بشكله القديم بعيد التحقق ويجعل الإسلاميين في حالة تناف مع السلطة الحاكمة وواقع الدولة والعالم، بدأت بعض المحاولات تظهر بغية التقريب بين الديمقراطية كشكل عالمي قوي لا مفر منه وبين مفهوم الشريعة، فجعل المجتهدون مفهوم الشورى مماثلا لمبدأ الديمقراطية والتداول، وظهرت تطويعات كثيرة مقابلة للمباديء الأنوارية، فبدت غريبة وبعيدة عن العمق العقلي والفلسفي، خاصة وأن مفهوم السيادة مناف تماما لمفهوم الحاكمية لله الذي لم يجد له المطوعون المقربون مخرجا تأويليا مقبولا.
اجتهادات القرضاوي
تعود ابرز هذه المحاولات وأشهرها إلى ما قمام به الدكتور الفقيه القرضاوي الذي كانت اجتهاداته في هذا الباب معتمدا لمزيد من التنظيرات في كل ربوع العالم العربي الإسلامي، فقد جعل القرضاوي مفهوم سلطة الأمة مشابها لمفهوم الإرادة الإلهية، فإرادة الله هي نفسها إرادة المحكومين، كما لم ينس أن يؤكد على أن السلطة في الدولة الإسلامية لا تخرج الدولة عن مدنيتها . لكن وعلى الرغم من كل المحاولات والتقريبات والتطويعات لم ينجح المنظرون في إقناع المراقبين بالأطروحات المقدمة، خاصة وأن الفروق واضحة خاصة في التعارض بين مفهوم السيادة ومفهوم الحاكمية لله، فالشيخ القرضاوي في كل مرة يدور ويدور ليعود ويؤكد على أن الحاكمية لله وليست للأمة .
فالمحاولات التي ارتأت التقريب يمكن القول إنها زادت الأمر تعقيدا خاصة وأن الدولة بمفهوم الحاكمية لله تكون ملزمة بالاستناد إلى مفاهيم ميتافيزيقية سماوية. فحتى ولو سلمنا بارتضاء الشعب لأصلها وحقيقتها ونسبتها لله، فإنها تبقى مفتوحة على تأويلات لا تكون ملزمة بمفهومها لعامة الشعب الذي يفترض فيه أن لا يكون على نفس الدين والمذهب ودرجة آليات الفهم . فالحرية في الدولة المدنية إلزام بالقانون الوضعي بينما تناط في الدولة الإسلامية بالعبودية لله، فالإنسان حر مادام يعبد الله . فالذين اجتهدوا في تطويع الدولة الإسلامية لتصبح مدنية فعلوا ذلك استنادا إلى أن المواطنين في دولة ما كلهم يدينون بالإسلام ، كما أنهم على نفس المذهب والفهم، فيحكم الحاكم بشريعة الله وما أملى عليه فهمه لمقصود الله، وكل هذا ضرب لمفهوم الدولة المدنية التي لا تفترض أن المواطنين كلهم مسلمون وعلى نفس المذهب من الدين الواحد، فالدين معتقد شخصي بينما الوطن هو ملك لجميع المواطنين بصرف النظر عن معتقداتهم .
إن مفهوم الشورى ليس مفهوما إسلاميا خالصا وإنما حاول البعض جعله أداة وخاصة للمسلمين، ولكن الشورى والتشاور ورد في القرآن مدحا لصفة في المؤمنين مثل حب الطهارة، وهي موجودة حتى عند الجبابرة ، كما أن الاختلاف شديد بين فقهاء المسلمين هل الشورى ملزمة للحاكم أو غير ملزمة وهنا يقع الخلط، فالدولة المدنية تكون فيها السلطة للشعب الذي يقرر ما يراه مناسبا له عبر عملية الاقتراع وليس بما يفهمه الحاكم الذي يتحدث بالنيابة عن الله .
هذا الإشكال المتعلق بحيازة الحاكم أحقية الحكم باسم الله وبإرادة الله المسماة شريعة وحاكمية كما سماها المودودي، حاول الشيخ القرضاوي تداركه بالقول بأن سلطة الحاكم ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بالشورى التي سبق أن قلنا إن الخلاف فيها شديد، هل هي ملزمة للحاكم أم لا وما الذي يمنع الحاكم بالاعتماد على ما يراه في خدمته من كلام الفقهاء المختلفين جدا .
إن الذين اجتهدوا في جعل الدولة الشريعاتية دولة مدنية كان غرضهم احترام الحق الإلهي وجعله مطابقا لمفهوم السيادة الأنواري العقلي وقد بينا أين يقع التعارض، كما كان قصدهم إخراج الدولة من المفهوم الميكيافيلي القائم على المصلحة والمنفعة والغاية تبرر الوسيلة، فالدولة بالمفهوم المكيافيلي ليس لها أخلاق بينما يفترض في دولة الشريعة أن تتخلق بأخلاق الإسلام وهذا مستبعد اليوم خاصة بالفهم الفقهي الذي لا يمكن أن يستوعب الحالة الراهنة للعالم اليوم .
الغنوشي يتدارك
إن الخلط الذي قضى فيه الغنوشي سنين عددا، حيث مافتيء يؤكد في تنظيراته وتصريحاته على أن الدولة الشريعاتية هي دولة مدنية، مادام أن العلمانية تفرض عدم التدخل في معتقدات الناس، والدولة الإسلامية ليست دولة كنسية محذرا من الفك بين الدين والسياسة . فما تدارك الغنوشي وهو في السلطة والمسؤولية، ربما تداركه إخوان بنكيران اليوم دون القدرة على التصريح به مخافة العواقب التي تنجم عن هذا التصريح، فكلنا يعلم أن فكرة الفصل والعلمانية التي قضت الحركة الإسلامية عقودا في ذمها وتربى عليها أجيال وأجيال من الصعب جدا العودة فيها لما لها من وقع عظيم في نفوس المؤمنين بالحاكمية لله . فربما فهم الغنوشي أنه حين يصل للمسؤولية لا يفترض أن يكون التونسيون كلهم مؤمنون بالدين أو على مذهب واحد وفهم واحد ولكنهم يتوحدون في كونهم تونسيون يعيشون في بقعة واحدة بصرف النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم .
وربما تكون هذه رسالة لحزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان لإعادة النظر في ما كتبه المودودي بإرجاع الحكم لله وليس للشعب، فالدولة المدنية هي دولة لجميع المواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات، يجمعهم الوطن ولا تفرقهم المذاهب، والرئيس إنما هو رئيس للمواطنين وليس للمسلمين وهذا كما بينا مناف تماما لمدنية الدولة التي أدركها راشد الغنوشي وأعلنها رغم ما يعلمه من وقعها في نفوس شبيبة الإسلاميين .
إن الفصل بين الدعوي والسياسي ربما هو ما قصد الغنوشي وهو غير مناف لمدنية الدولة مادام أن الحركة الدعوية لن تكون بوقا ومبررا باسم الله لما تقرره السياسة باعتبارها اجتهادا بشريا وهذا هو المطلوب اليوم ، فإرادة الشعب بالإمكان صناعتها لتستقيم مع إرادة الله بسلطة الحجة وليس بسلطة السياسة والجبر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.