جريا على شغفه بتسليط الضوء على هوامش المجتمع المصري، يضع فيلم "فتاة المصنع"، للمخرج المصري المخضرم محمد خان، المشاهد في قلب أوضاع الفئات الهامشية، هذه المرة من زاوية حلم فتاة يحيا في ظل اكراهات الوضع المعيشي من جهة، وثقل النظام الاجتماعي المحافظ من جهة أخرى. الفيلم الذي عرض أمس الاربعاء في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة، بحضور كاتبة السيناريو، وسام سليمان، وهي زوجة محمد خان، ينحاز الى شريحة المرأة العاملة، التي تحاول بناء استقلاليتها المادية وتشكيل كيان عاطفي خاص تغذيه أحلام حب "ساذجة" ومشروعة، منذورة للانكسار على صخر الواقع. هي قصة "هيام"، الاسم الدال على مسماه، فتاة من ضواحي القاهرة الشاسعة، التي لا يتوانى محمد خان عن تصوير مظاهر هشاشتها وأعطابها في المجالات السكنية الهامشية، بمشاهد علوية ترصد كثافة ديموغرافية وفوضى عمرانية هائلة، وأخرى داخلية، تتسلل الى بيوت وأزقة الضاحية، حيث الشرفات والأبواب المتجاورة التي تلغي أي حميمية أو استقلالية عائلية. "هيام" التي أدت دورها باقتدار الفنانة الشابة ياسمين رئيس، في بداية عقدها الثاني، تعمل في مصنع للنسيج لإعانة أسرة مكونة من والدتها وزوج أمها وشقيقتها، تتورط في علاقة عاطفية مع مهندس بالمصنع، ذي وضع اجتماعي وعائلي مختلف، يحكم على العلاقة بالاستحالة. رغم أن محمد خان أحد رواد الواقعية في السينما المصرية، فإنه يحرص على تحرير شخصياته من آلامها ومآزقها. وهو ما يحققه في فيلمه الجديد، حيث تتسارع وتتشابك تطورات مأزق البطلة بين فشل علاقتها وانكشاف أمرها في وسط عائلي محافظ، لتفتح أخيرا أمام "هيام" آفاق انعتاق روحي فردي، بعد تجربة قادتها الى حافة الانتحار. تلعب الموسيقى دورا هاما في البنية السردية للفيلم. تحضر أغاني الممثلة سعاد حسني، الدافئة والخفيفة، التي أدتها في أشهر أعمالها، مرافقة لأحداث الفيلم، مشكلة خلفية تعبيرية كاشفة لأحوال البطلة/ باستيهاماتها وأحلامها وانكساراتها. يذكر أن فيلم "فتاة المصنع" أعاد المخرج خان إلى السينما بعد انقطاع دام 7 سنوات، إذ يعود آخر أعماله الى فيلم "في شقة مصر الجديدة" الذي كتبته أيضا زوجته وسام سليمان. ويتوج الفيلم مسيرة من أربعة عقود، أخرج خلالها خان (71 عاما) أكثر من 20 فيلما وحصد عشرات الجوائز في مهرجانات محلية وعربية ودولية. ويتنافس "فتاة المصنع" على جوائز مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة الذي يتواصل الى 27 شتنبر الجاري، ضمن قائمة من 12 فيلما تمثل بلدانا من إفريقيا وأوروبا وآسيا وكندا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي.