إنفانتينو: المغرب أصبح أحد المراكز العالمية لكرة القدم    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. غانا تنتصر على الجزائر وتواجه المغرب في نصف النهائي    الوكيل العام ينفي مزاعم سرقة أعضاء بشرية    أخنوش يطلب من الوزراء والمصالح الحكومية التسريع بتنزيل قانون العقوبات البديلة    كريم زيدان: جهة الشرق على أبواب نهضة تنموية.. ولا مكان لاستثمارات لا تحترم تكافؤ الفرص    السجن المحلي بالناظور يوضح أسباب وفاة أحد نزلائه    "تروكوت" ضبط مستشارة جماعية في حالة تلبس بحيازة الكوكايين    عاجل | اندلاع حريق بغابة قرب مركز باب برد    تشاؤم واسع بين الأسر المغربية... الادخار مستحيل والأسعار تواصل الارتفاع    مروحية تابعة للقوات الملكية تنقذ مواطنين فرنسيين في عرض البحر    فقرة راقصة في حفل مدرسي تثير انتقادات وتفتح نقاشا حول دور المدرسة    البنك الدولي: 44% من المغاربة يملكون حسابات بنكية و 6% فقط تمكنوا من الادخار سنة 2024    إنجازان قياسيان في بورصة البيضاء    غياب مراقبة المطاعم ومحلات الوجبات السريعة يهدد صحة المواطنين بالحسيمة    لقجع: استثمارات "الكان" وكأس العالم تناهز 150 مليار درهم ولن تثقل على الميزانية العامة للدولة    "سهام بنك" يعزز الاقتصاد الأخضر    موجة الحر تنحسر بالمغرب .. والحرارة تعود إلى الارتفاع وسط الأسبوع القادم    نتائج الشطر الثاني للدعم السينمائي    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    عين اللوح .. افتتاح فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني لأحيدوس    قندس جندول تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الحر الدولي بعمان    الرجاء يعلن فك ارتباطه باللاعب مروان زيلا بالتراضي    بوغطاط المغربي | عندما تتحول "لوموند" إلى بوق دعائي مأجور في ملف مهدي حيجاوي.. وشبهات مثيرة حول بصمات طحنون في القضية    لقاء تواصلي هام بهدف تجويد خدمات قطاع الكهرباء بجهة الشرق    الرئاسة السورية تعلن وقفا شاملا وفوريا لإطلاق النار في جنوب البلاد    المغرب واليونسكو يعلنان عن تحالف جديد لتعزيز التنمية في إفريقيا عبر التعليم والعلم والثقافة    فرحات مهني: النظام الجزائري يحوّل تالة حمزة إلى قاعدة عسكرية ضمن مخطط لاقتلاع القبائل    القدرات اللوجستية المتقدمة للمغرب عززت إشعاعه على الصعيد الدولي (نائبة سابقة للرئيس الكولومبي)    ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة    إصابة 19 شخصا في حادث ألعاب نارية خلال مهرجان شعبي بألمانيا        فيلدا: جاهزون لكل السيناريوهات في نصف نهائي الكان    أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    محمد المهدي بنسعيد        أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    فيلدا: فوز "اللبؤات" على مالي مستحق    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية            افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقتصاد المقدس
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 05 - 2020

تخالجني في كثير من الأحيان أفكار وموضوعات وخواطر تثير لدي الكثير من القلق والفضول البين-ذاتي، وسرعان ما أدونها حتى لا تنمحي أو تنسى أو تنزلق في اللاشعور.
وقد اخترت من بينها في هذه اللحظة والهنيهة موضوعا يخالجني باستمرار وهو اقتصاد المقدس، فما اقتصاد المقدس؟ وما العلاقة بين الاقتصاد والمقدس؟ وكيف يمكن أن يكون المقدس اقتصادا؟
أسئلة وأخرى تتقاطر علي باستمرار سأحاول الإجابة عنها من خلال هذا التأمل البين- ذاتي.
أولا: أجرأة مفهوم اقتصاد المقدس:
إن الدلالات والمعاني التي يمكن إضفاءها على مفهوم اقتصاد المقدس، تجد مدلولاتها في المقدس ذاته وهو الدين الإسلامي في مجتمعنا، ونحن هنا أمام مفهومين أولها الاقتصاد والثاني المقدس، فالأول ينتمي إلى حقل الاقتصاد بما يختزنه من تنظير وممارسات تقوم على تحقيق الربح المادي والمنافسة..؛ أما الثاني فينتمي إلى حقل الدين باعتباره أمر مقدس لدى جميع المسلمين ويشكل المعنى الحقيقي في الحياة لديهم بل وفي وجودهم. فلماذا الجمع بين هذين المفهومين بالذات من خلال هذه المساهمة؟
قد يبدوا للوهلة الأولى أنهما مفهومين بعيدين كل البعد عن بعضهما، إلا أن المناسبة شرط إذ إننا منغمسين في كنف هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك لعام 1441 ه، الموافق ل 2020 م، بروحانياته ومقدساته ومنافساته الاقتصادية من نوع آخر. وعليه فإن المعنى والجوهر الذي يتم استخراجه من عنوان ومنطوق اقتصاد المقدس هو كونه “عمل تديني وتعبدي يجتهد من خلاله الإنسان المسلم لتحقيق أكبر قدر من الربح الروحاني والمعنوي في اقتصاد المقدس وعملته في ذلك جمع أكبر قدر من الحسنات وطرح السيئات”.
وعليه فالاقتصاد الذي أتحدث عنه هنا هو اقتصاد روحاني ومعنوي يشغله عمال و”شغيلة” واسعة من المسلمين عبر أرجاء العالم، ويجتهدون ويتنافسون في تحقيق الربح والتدرج في المراتب والدرجات من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، ونورد في هذا الإطار الحديث المشهور الذي يحدد هذه المراتب :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : ” يا محمد أخبرني عن الإسلام ” ، فقال له : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) ، قال : ” صدقت ” ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : ” أخبرني عن الإيمان ” قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ، قال : ” صدقت ” ، قال : ” فأخبرني عن الإحسان ” ، قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال : ” فأخبرني عن الساعة ” ، قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) ، قال : ” فأخبرني عن أماراتها ” ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت : “الله ورسوله أعلم ” ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. رواه مسلم .
ثانيا: فلسفة اقتصاد المقدس:
تنبع فلسفة اقتصاد المقدس من الدين الإسلامي الذي وضع النظام الاقتصادي الروحاني والتديني، وحدد العملة والأرباح كعملة الحسنات والربح الدنيوي والآخر في جنة الخلود.
فبالرجوع إلى مصادر الدين الإسلامي وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، نجد أن هناك مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحفز الإنسان المسلم ببعد اقتصادي ربحي في التدين ومن أمثلة ذلك ما يلي :
قوله تعالى : ” لمثل هذا فليعمل العاملون”، (سورة الصافات، الآية 61).
قوله تعالى: “ختامه مسك،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”: ( سورة المطففين، الآية 25).
فإذا كانت هاته الآيات البينات ذات حمولة روحانية فإن القرآن الكريم يتضمن كذلك آيات تنظم وتؤطر الاقتصاد المادي الدنيوي والذي تكون من ورائه و مقاصه أبعاد روحية معنوية وتعبدية ومن أمثلتها:
قوله تعالى: “وآتوهم من مال الله الذي آتاكم”، (النور: 33).
قوله تعالى: ” وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، (القصص:77).
قوله تعالى: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، (البقرة: 254).
قوله تعالى: ” وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ” ، (البقرة: 275).
يتبين من خلال استقراء هذه الآيات، أن الإسلام يصبغ اقتصاده بصبغة واقعية تتلاءم مع طبيعة الإنسان، فلا يأمره بترك الماديات مطلقا، ولا بترك الروح مطلقا، على الرغم من أن ما هو مادي تكون غايته تحقيق ما هو روحي، لأن الضامن لاستمرار السلطة الزمنية أو المادية هو السلطة الروحية. كما أن ديننا المقدس يؤطر اقتصاده بالأخلاق، وبتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فيما لو تعارضتا، وعليه فإن جوهر الاقتصاد ومحوره في الإسلام هو الإنسان سواء فيما هو مادي أو روحي.
أما على مستوى الأحاديث النبوية الشريفة فأنطلق من حديث مشهور ينطلق من مفهوم اقتصادي، هو مفهوم الإفلاس الذي يدل على الفناء والانهيار الاقتصادي، فما مدلوله من خلال اقتصاد المقدس؟
جاء في الحديث :
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ” أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم ولا متاع له؛ فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة؛ ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا؛ وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار”. (رواه مسلم)
إذن في ثنايا هذه الحديث يمكن استخراج أن الإفلاس الحقيقي يتحقق في العالم الآخر، الذي تكون عملته الاقتصادية الحسنات من جهة وطرح السيئات من جهة أخرى في عملية أخذ ورد بين الظالمين والمظلومين، بين من جمع جبال من حسنات اقتصاد المقدس من صلاة وصيام وزكاة..، لكنه بالمقابل مارس أعمال وسلوكات مضادة لاقتصاد المقدس، فتهوي به إلى درجة الصفر من الحسنات، وأكثر من ذلك ناقص الصفر حينما تطرح عليه سيئات المدينين والديون المتبقية، وعليه فهذا هو الإفلاس الحقيقي في اقتصاد المقدس.
ثالثا: الربح اليومي في اقتصاد المقدس:
يأتي هذا المحور الأخير في هذه المساهمة للحديث عن اليومي في اقتصاد المقدس، والذي أقصد به الطقوس اليومية لجمع أقدر ربح من عملة اقتصاد المقدس. فإذا كان التاجر أو العامل في نهاية كل يوم يحسب الأرباح التي حققها والخسائر التي تكبدها، فالسؤال المطروح هو هل يقوم الإنسان المسلم بنفس هذه العملية في نهاية كل يوم باحتساب حسناته أو على الأقل تقديرها، ثم رصد سيئاته والعمل على محوها؟
لا شك أن الإنسان المسلم يمارس مجموعة من الطقوس والعبادات بشكل يومي، وقد يؤديها بوعي أو بدون وعي، بتأمل وتدبر أو بشكل طقوسي ثقافي فقط، ونورد في ما يلي بعض الطقوس التي يمكن أن يقوم بها المسلم يوميا:
أداء الصلوات الخمس والنوافل.
الأذكار والأدعية.
زيارة المرضى ومصاحبة الموتى.
الزكاة والصدقة.
العمل والمعاملات.
هذه طقوس من بين أخرى تمارس بشكل يومي، فهل الجميع يمارس هذه الطقوس، فهناك من يمارس بعضها وهناك من يمارس أغلبها أو كلها وهناك من لا يمارسها إطلاقا، وبهذا تختلف المراتب والدرجات في طقوس اقتصاد المقدس.
ولعل ما يثير الانتباه هو لغة الأرقام في اقتصاد المقدس في احتساب عملته المتمثلة في الحسنات، فعدد الحسنات ودرجاتها في الصلاة مع الجماعة بالنسبة للرجال ليس كالصلاة فرادى، وعدد الحسنات في تلاوة آيات القرآن مرتبط بأحرفها، وفي إماطة الآذى عن الطريق حسنات، بل وحتى أن المبتسم في وجه الآخرين يظفر بأرباح حسناتية من العابس.
وعكس ذلك يمكن للإنسان المسلم الذي ارتكب السيئات وأقر ذلك بوعيه وفي دواخله أن يحمل على محوها واستبدالها بالحسنات مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم ” اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” رواه الترمذي.
وعليه فالسؤال هل يحتسب كل واحد منا حسناته ويعمل على طرح ومحو سيئاته ويجتهد في ذلك بشكل يومي؟ أتركه وأمرره للجميع إلى دواخلهم من أجل حوار بين ذاتي لتقييم وضعيتهم في اقتصاد المقدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.