الدرهم يرتفع أمام الدولار ويتراجع مقابل الأورو    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    توقيف مروج للخمور بخميس المضيق وحجز أزيد من 1400 قنينة            مأساة وادي الحراش في الجزائر... دماء الأبرياء تكشف كلفة سياسات عبثية    تقرير: المغرب يستعد ليصبح أول بلد عربي وإفريقي يُشغّل طائرات F-35    بولمان.. اكتشاف ثلاث أسنان متحجرة لديناصورات عملاقة تعود إلى حقبة الباثونيان    ترامب يطلع زيلينسكي وقادة حلف الناتو على نتائج قمته مع بوتين    مقتل 11 وإصابة أكثر من 130 في انفجار بمصنع في موسكو    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    مريدو الطريقة البودشيشية في ليبيا يعلنون دعم مشيخة منير البودشيشي ويراسلون الملك محمد السادس    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"        موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024: نهائي قبل الأوان بين المغرب والكونغو الديمقراطية    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    قمة ترامب وبوتين في "ألاسكا" تنتهي دون اتفاق نهائي حول أوكرانيا    صرف الدرهم يرتفع مقابل الدولار    أسعار النفط تترقب قمة ترامب وبوتين    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    زيارتي لمالقة    كرة القدم.. برشلونة الإسباني يمدد عقد مدافعه كوندي حتى 2030    فنان ال"راب" مسلم يجدد اللقاء بآلاف المغاربة بمهرجان الشواطئ لاتصالات المغرب        "الشان"..تعادل النيجر وجنوب إفريقيا    موجة حر مع "الشركي" وزخات رعدية من الجمعة إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة        "الجمعية" تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا                الملك محمد السادس يهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة عيد استقلال بلادها    هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة: ارتفاع صافي الأصول تحت التدبير بنسبة 9,12 في المائة متم شهر يوليوز (جمعية)    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    الحسيمة.. المضاربة ترفع أسعار الدجاج والسردين إلى مستويات قياسية    الشرطة الإسبانيا تطالب باتفاق مع المغرب لإعادة المهاجرين    منظمة حقوقية تشكل لجنة لتقصي أسباب حرائق شفشاون    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"        "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاب "دانييل" .. قصة أكبر مآسي التاريخ الإنساني
نشر في العمق المغربي يوم 03 - 01 - 2021

* الصورة الرئيسية: مشهد تعبيري لمحاكم التفتيش بحق الموريسكيين
في الذكرى ال529 لسقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين بالأندلس، استحضرتُ قصة شاب إسباني مسيحي أبا عن جد، يُدعى دانييل، التقيتُه بمدينة اسطنبول قبل 6 سنوات أثناء تدريب إعلامي شاركت فيه مُمثلا عن المغرب.
هذا الشاب وبعد أن عرف أنني مغربي، حكى لي قصة عجيبة غيرت مسار حياته، ودفعته لاعتناق الإسلام.
روى لي الشاب دانييل أنه كان مولعًا بتاريخ بلاده إسبانيا، وظل يبحث بدقة عن شجرة نسبه وأصول أجداده الموثقة في أرشيف المكتبات الوطنية الإسبانية، إلى أن اكتشف بشكل "صادم"، أن جده الأول كان موريسكيًا من بين الأندلسيين المسلمين الذين أُرغموا على اعتناق المسيحية خوفا من الإعدام ضمن حملة التنصير الدموية التي قادها المماليك الكاثوليك ضد المسلمين بالأندلس لأزيد من قرن منذ سقوط غرناطة..
هذا المعطى دفع الشاب دانييل إلى البحث والتعرف عن الدين الذي كان يعتنقه أجداده الأوائل وسر تمسكهم به طيلة عقود رغم القمع الذي كانوا يتعرضون له من أجل التخلي عنه، إلى أن اقتنع به وأعلن دخوله الإسلام، وتعلم اللغة العربية، بل وأصبح فنانا في الخط العربي يخط عشرات اللوحات.
شغف دانييل في معرفة تفاصيل ما حدث لأجداده المسلمين، جعله يواصل البحث والتدقيق فيما يحصل عليه من كتب وأرشيفات إسبانية، ليقف بنفسه على هول وفضاعة جرائم الإبادة التي ارتُكبت بحق المسلمين في الأندلس لأزيد من 100 عام منذ سنة 1492، حيث كان القتل والاغتصاب وقطع الرؤوس ونهب الممتلكات والكتب وإحراق المؤلفات العلمية… طقوسا عادية من طرف المماليك الإسبان بحق الموريسكيين الذين قاوموا طويلا حملة القمع الممنهجة ضدهم، واستمروا في إخفاء دينهم طيلة قرون، وكانوا يخبئون كتب علماء الأندلس المتبقية لديهم داخل جدران بيوتهم مخافة إحراقها، وهي الكتب التي عُثر على عدد منها خلال القرن الماضي داخل جدران عدة منازل تاريخية تعود للموريسكيين، خاصة بحي "البيازين" بغرناطة الذي ظل سكانه يقاومون التنصير ومحاكم التفتيش لما يقارب 120 عاما منذ سقوط الأندلس.
الشاب دانييل حكى لي قصته وفي قلبه غصة بسبب تجاهل بلاده حقيقة ما وقع لأجداده المسلمين، وهو ما جعله يبوح لي بأسراره بعدما علم أنني مغربي أقطن بمدينة تطوان التي لجأ إليه الأندلوسيون الأوائل عقب سقوط غرناطة، كما أن الحنين إلى تاريخ أجداده دفعه إلى شراء بيت له بمدينة شفشاون التي لجأ إليها الأندلسيون أيضا…
وفي نفس سياق ذكرى سقوط "الفردوس المفقود"، استحضرت أيضا كتابا رائعا ومؤلما في نفس الوقت، كنت قد قرأته السنة الماضية يحمل عنوان "المأساة الموريسكية من التنصير إلى التهجير" لمؤلفه الطبيب المغربي طارق الريسوني، يروي فيه انطلاقا مما توصل إليه من معطيات تاريخية إسبانية، حجم المأساة التي عاشها الموريسكيون بعد سقوط الأندلس، والتي لا يمكن وصفها بحسب رأيي إلا بكونها واحدة من أكبر مآسي التاريخ الإنساني..
كثيرون يظنون أن قصة الأندلس انتهت مع تسليم آخر ملوك غرناطة، أبي عبد الله الصغير، مفاتيح الحكم إلى الإسبان بعد توقيعه معاهدة الاستسلام مع الملكين الكاثوليكيين فيرناندو وإيزابيلا، يوم 2 يناير 1492، لتغرب شمس الإسلام عن الأندلس بعدما عمَّرت طيلة 8 قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية.
لكن الحقيقة هي أن مأساة الأندلس بدأت بعد 1492، واستمرت إلى ما بعد سنة 1609 تاريخ إصدار قرار الطرد النهائي لسكان إسبانيا من أصول مسلمة ضمن ما يعرف بالمسلمين المدججين أو "الموريسكيين"، وهم المسلمين الأندلسيين الذين فُرض عليهم اعتناق الديانة المسيحية، في فترة مؤلمة من تاريخ المسلمين.
وتضمنت معاهدة تسليم غرناطة 67 شرطًا لحماية المسلمين، أبرزها "تأمين المسلمين على أنفسهم وأهلهم وأموالهم، وإبقاء الناس في أماكنهم، وأن تبقى المساجد كما كانت، ولا يُقهر أحد على ترك دينه، وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا على نفسه وماله"، إلا أن الحكام الإسبان حينها نقضوا كل تلك العهود عبر محاكم التفتيش التي ارتكبوا خلالها أبشع المجارز بحق المسلمين.
وهنا يجب الإشارة إلى أن اسم "الموريسكيون" يعود إلى تسمية المسلمين المنصَّرين بالإكراه، وهي كلمة تحقيرية وتصغيرية لمصطلح "مورو" الذي يعني "المسلم"، إذ تشير الأبحاث والكتابات الإسبانية في الموضوع، إلى أن الموريسكيين استعملوا حِيَلا وأشكالا مبدعة في مقاومة حملة القمع والاضطهاد الشرسة ضدهم، من بينهما أن الأسر المسلمة كانت ترسل نفس الطفل إلى الكنيسة يوم الأحد ليتم تعميده (طقس كاثوليكي) حينما كان الحاكمون يرغمون المسلمين على تعميد مواليدهم الجدد بشكل قسري، فيما كانت الأسر تغسل الأطفال ليلا من أجل تطهيرهم من "النصرانية" المفروضة.
كما كان الموريسكيون يخبئون الكتب العلمية والدينية داخل جدران منازلهم أثناء بنائها، مخافة إحراقها في الساحات العمومية، حيث ارتكب الإسبان محرقة تاريخية بحق كتب المسلمين، خاصة في ساحة "باب الرملة" الشهيرة، باستثناء كتب العلوم والطب التي كانت تُرسل إلى قلعة "إناريس" ليستفيدوا منها.
وفي العصر الحديث، يقوم الإسبان بالاحتفال بما يعتبرونه "استعادة الأندلس"، عبر مناسبتين، الأولى في ذكرى سقوط غرناطة يوم 2 يناير من كل عام، والثانية في 20 يوليوز من كل سنة في ذكرى معركة "العُقاب" التي جرت عام 1212، واعتبرت أول خسارة كبرى للمسلمين في الأندلس، وشكلت نقطة تحول مفصلية في سقوط الأندلس.
ففي ذكرى معركة "العُقاب"، يتم تنظيم كرنفال رسمي يحمل خلاله جنود عسكريون إسبان الراية الأصلية لجيش المسلمين في معركة "العُقاب" التي خسرها السلطان محمد الناصر قائد جيش الموحدين، وهي راية تحمل آيات قرآنية ورموزا إسلامية.
وخلال السنة الجارية 2020 تم إلغاء الاحتفال بهذه الذكرى بسبب فيروس كورونا.
وعلى سبيل الختم، فإنه بات من الواجب على الباحثين والأكاديميين من جهة، والسياسيين المثقفين والحاملين لقيم وطنهم وتاريخهم، من جهة أخرى، أن يواصلوا البحث والتدقيق من أجل إظهار حقيقة محنة الأندلسيين عقب سقوط الحكم الإسلامي، خاصة عن طريق الكُتاب الإسبان ممن عايشوا تلك الفترة، رغم أن مصادرهم قليلة جدا وأغلبهم كانوا حينها ضد الموريسكيين، لكنهم على العموم كشفوا جزءا من الحقائق المغيبة في الملف، وذلك من أجل الترافع الدولي للاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الإسبان بحق الموريسكيين وتقدم اعتذار رسمي لهم، وذلك أضعف الإيمان.
كما يجب التنويه بالأصوات الإسبانية التي تدعو إلى إلغاء الاحتفال بذكرى سقوط الأندلس لما يشكله هذا الاحتفال من إعادة إحياء الكراهية والعنصرية تجاه المسلمين والإساءة لقيم التعايش والتآخي الإنساني بين الطوائف والأعراق المختلفة.
وهنا أيضا، وجب التنويه بإحدى المبادرات التي قام بها حزب إسباني صغير كان قد تقدم بمقترح قانون للاعتراف بمعاناة الموريسكيين بهدف تعزيز العلاقات مع الدول المغاربية وشمال إفريقيا، لكنه لقي رفضا كبيرا من طرف الحزب اليميني والحزب القومي الكطالاني.
* محمد عادل التاطو – تطوان في 2 يناير 2021


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.