بعد مخاض عسير، ونقاش داخلي كبير، تمكن المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية من انتخاب أمين عام جديد خلفا للأمين العام المستقيل. نتيجة التصويت في المؤتمر الاستثنائي التي بلغت 81%، تعكس بجلاء أن عبد الإله بنكيران لازال يحظى بشعبية كبيرة داخل الحزب، زاد من حجمها اقتناع العديد من المناضلين بأنه رجل المرحلة، والجواب الملائم لنتائج انتخابات 8 شتنبر. لقد ترك بنكيران الحزب في وضعية، وعاد إليه في وضعية مغايرة تماما، وهو ما سيجعله يقف أمام رهانات خمسة للنجاح في إعادة بناء الحزب، وهو البناء الذي لن يكون سهلا ولا بالبساطة التي يمكن أن يتصورها البعض. الكل يعرف أن بناء بيت جديد أسهل بكثير من إعادة إصلاح أو بناء بيت قائم، نفس المنطق ينطبق على المهمة التي تنتظر الأمين العام الجديد. الرهانات الخمسة التي تنتظر الأمين العام الجديد لإرجاع الحزب لسابق عهده هي كالتالي: الرهان الأول يكمن في توحيد صفوف الحزب، ليس من منظور حرية التعبير عن الآراء المختلفة، وإنما من منظور القطع مع واقع التقاطبات والتحشيد لرأي ضد رأي آخر. فالحزب يجب أن يعود إلى سابق عهده بضمان حرية التعبير وإبداء الرأي، بعيدا عن الإصطفافات التي تلغي القناعات والمواقف بل وحتى المبادئ من أجل الإصطفاف وراء شخص أو تيار معين. الرهان الثاني هو إعادة بناء الآليات التي يشتغل بها الحزب. وهو رهان في غاية الأهمية لأنه سيساعد على تقليص زمن خروج الحزب من أزمته الداخلية ومن تداعيات نتائج الانتخابات الأخيرة. فانتخابات 2015 و2016 جعلت الحزب يحقق نتائج برلمانية كبيرة ويسيطر على الأغلبية في كثير من الجماعات والمدن الكبرى. هذه المناصب الكثيرة لم يحسن الحزب التعامل معها، بحيث شرع أعضاء الحزب يستنكرون تكديس المناصب في قلة من الأشخاص الذين يجمعون بين المناصب الانتدابية والمسؤوليات الحزبية. هذا الواقع جعل الكثير من الممارسات الغريبة عن الحزب تتسرب داخله وهو الأمر الذي جعل الكثير من أعضاء الحزب يستنكرون ممارسات من قبيل الكولسة وخدمة المصالح الشخصية وهي الممارسات التي اختزلها مناضلو الحزب في تيار الإستوزار. الرهان الثالث هو اعتماد أطروحة سياسية جديدة بإمكانها أن تجيب على تحديات المرحلة، وتشكل قنطرة عبور الحزب من واقع التراجع والضعف إلى الوضع الذي يحلم به كل أعضاء الحزب المتجلي في إعادة الوهج والشعبية والقوة التي طالما اتسم بها أداء الحزب. ومن شأن هذه الأطروحة كذلك أن تعيد الروح السياسية لشرايين الذات الحزبية بعد فترة من التدبير الإداري والممارسة السياسية الجافة والجامدة. كما أن هذه الأطروحة من شأنها أن تجيب عن مخلفات الملفات الحارقة التي وضع فيها الحزب يده ونخص بالذكر التوقيع على اتفاقية التطبيع وفرنسة التعليم وتقنين القنب الهندي. الرهان الرابع يتجلى في محو الصورة الباهتة عن الحزب التي تكرست في مخيلة المواطن المغربي والتي كانت ممارسات الحزب وبعض قراراته سببا في تكريسها. فحزب العدالة والتنمية يملك رأسمالا يشتغل به مخالف لباقي الأحزاب. هذه الأخيرة يمكن أن تتعرض لانتكاسات وتبقى تحقق نتائج انتخابية تضمن تواجدها في المؤسسات المنتخبة رغم ضعف أدائها وفضائحها. لكن حزب العدالة والتنمية، يشتغل برأسمال سياسي لا يسمح له بالتخلي عنه وإلا هاجرته القواعد المتعاطفة مع توجهه، وهذا ما يفسر، ولو بمقدار، الانتكاسة الكبيرة التي تعرض لها الحزب في الانتخابات الأخيرة. الرهان الخامس يتحدد في تدعيم الالتحام بين منطلقات الحزب التي يعكسه تاريخه وتوثقه ورقته المذهبية، وبين الممارسة الداخلية للحزب، وذلك لكي لا يُعيد الحزب مستقبلا نفس الممارسات التي دبَّتْ إلى الجسد الحزبي والبعيدة عن أرضية الانطلاق والمبادئ العامة للمشروع الذي من أجله تأسس الحزب. هذه الرهانات الخمسة تؤكد أن مهمة الأمين العام الجديد لن تكون سهلة ولا مفروشة بالورود، لكن شخصية وكاريزما الأستاذ بنكيران من شأنها أن تكون قيمة مضافة في سبيل إعادة الحزب إلى سكته قبل الاستحقاقات المقبلة.