الإمارات تجدد دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    افتتاح القنصلية العامة للمغرب بميامي    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    العصبة الاحترافية تتجه إلى تأجيل انطلاق البطولة الوطنية    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    باب سبتة.. إحباط محاولة تهريب 79 كيلوغراماً من الحشيش بحوزة فرنسي من أصل جزائري    الذهب يرتفع مجددًا بفعل تنامي الطلب وتزايد الإقبال على الملاذات الآمنة    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    ليس بينها المغرب.. 20 دولة عربية وإسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتحذر من التصعيد    رغم معارضة ترامب.. نتنياهو لا يستبعد اغتيال خامنئي ويقول: سنفعل ما يتعين علينا فعله    مايس... الرابور الفرنسي يُشعل المنصات برسالة قوية دفاعًا عن مغربية الصحراء    احتجاجات مرتقبة لموظفي التعليم العالي بسبب تعثر المصادقة على النظام الأساسي    وليد الركراكي.. بين فورة الغضب ومتطلبات البناء الوطني    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    ارتفاع أسعار النفط بنحو 2 بالمائة في الأسواق العالمية    جهة الدار البيضاء – سطات بصدد إحداث 28 محطة لتحلية المياه    تطوان تحتفي بعبق الموسيقى التراثية في أول ملتقى جهوي يحتفي بعبد الصادق شقارة    أعمدة كهربائية تُشوّه جمالية شوارع مدينة الجديدة: محمد الرافعي وإبراهيم الروداني في الواجهة .    إيران والجزائر... محور الاضطراب الذي يؤجج بؤر التوتر في العالمين العربي والإفريقي    "نقاش الأحرار".. برادة يكشف جهود الحكومة لرفع أعداد "مدارس الريادة" والحد من الهدر المدرسي    باريس وبرلين ولندن تحض طهران على التفاوض "بأسرع ما يمكن بدون شروط مسبقة" (مصدر دبلوماسي)    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    طنجة.. الإطاحة بلص خطير متورط في 16 سرقة قرب الكورنيش    ترامب يضع إيران أمام خيارين أحلاهما مرّ    حزب الله يدين استهداف إعلام إيران    قائمة شركات طيران علقت رحلاتها جراء التصعيد بين إسرائيل وإيران    لجنة ال24/الصحراء.. غواتيمالا تجدد تأكيد دعمها لحل سياسي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية    موعد مباراتي نصف نهائي كأس العرش    المغربي هاروان رِيد يعرض أعماله في دار سوذبيز ببروكسل ضمن مؤتمر المغرب: فرصة استثمارية استراتيجية وأسلوب حياة فريد    النقابة الوطنية للصحافة تدعو لتسريع الإصلاحات وضمان حقوق العاملين في القطاع    أكادير تحتضن أشغال المنتدى الدولي حول التدبير المستدام للمجال الغابوي    السينما والتاريخ شعار الدورة الثانية لأيام وزان السينمائية    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نادي برشلونة يقرر إلغاء المباراة الودية بالدار البيضاء قبل انطلاق الموسم    وزيرة المالية: لا غلاء في المغرب.. وملف التقاعد لا يحتمل المزايدة السياسية    "الجغرافيا الجديدة" بأكاديمية المملكة    فريق الرجاء يؤجل انطلاق التداريب    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح بأقاليم الجهة الشرقية    435 سجينا يحصلون على شهادة البكالوريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    جراحات جبل "طوبقال" القديمة    فرجة "دراغون" تلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    أسبوع الفرس .. تنظيم الدورة الأربعين من 5 إلى 13 يوليوز المقبل بالرباط    بنما: مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء    في أول لقاء مع جمهوره المغربي.. ديستانكت يكشف ألبومه العالمي وسط تفاعل صاخب    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تغتالوا بن بركة مرة ثانية!
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 12 - 2021

لم تكن تصريحات "جان كورا"، أستاذ مساعد بجامعة "شارلز" ببراغ، لصحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير نشرته الأحد 26 دجنبر الجاري، الأولى من نوعها في إثارة شبهة وجود علاقة للمناضل اليساري المهدي بن بركة بالمخابرات التشيكوزلوفاكية في الفترة ما بين سنة 1960 وسنة 1965 التي تم اغتياله فيها بفرنسا. فقد سبق لمجلة "ليكسبريس" الفرنسية في عددها 2922 الصادر ما بين 5 و 11 يوليوز 2007، أن نشرت تحقيقا من ست صفحات للصحافي والمؤرخ للسياسة التشيكوسلوفاكية في القارة الإفريقية ما بين 1948و1968، "بيتر زيديك"، يتهم فيه المهدي بن بركة بأنه كان يعمل جاسوسا لصالح الإستخبارات التشيكية. وزعم بوجود ألف وخمسمائة وخمسين (1550) وثيقة تؤكد تلك الاتهامات. وقد تصدت عائلة بن بركة لتلك الاتهامات حينها ونفتها عن المهدي بن بركة، وقد نشرت "ليكسبريس" في موقعها بتاريخ 7 يوليوز 2007، ردا للبشير بن بركة ينفي فيه تلك الاتهامات.
وعكس ما جاء في افتتاحية جريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم 28 دجنبر 2021، ردا على ما نشرته "الغارديان"، فنحن لسنا أمام إعادة نشر ما سبق لمجلة "ليكسبريس" أن نشرته، إذ أن ما نشر سنة 2007 (وليس سنة 2006 كما جاء في الافتتاحية) كان يتعلق بعمل صحافي (تحقيق)، وهو بذلك يسهل تصنيفه في خانة ما هو سياسي، ويمكن بالتالي الرد عليه بنفس الرد الذي نشرته نفس المجلة في موقعها للبشير بن بركة، كما أشرنا إلى ذلك. ولكننا اليوم أمام عمل يريد أن يصنف نفسه ضمن البحوث العلمية، مما يتطلب ردا مخالفا يكون من نفس النوع والقيمة.
إن الانتقال بتهمة التجسس من العمل الصحافي إلى مجال البحث العلمي، قد يضفي على تلك الاتهامات صبغة "الحقيقة العلمية"، والمقال العلمي ل"جان كورا" قد يتحول إلى مرجع بحوث وأعمال أخرى، وهكذا سوف تتحول الاتهامات تدريجيا إلى "حقيقة" بفعل التداول المستند إلى عمل ذي طبيعة علمية.
لذلك فنحن أمام تحول حساس في ملف تلك الاتهامات لن تنفع معه كل التصريحات والبلاغات والافتتاحيات، بل ينبغي مواجهته في ميدانه وبأدواته. وبغير هذا سنفاجأ يوما بتحول قصة "الشيخ"، كما تزعم مقالة "كورا" أنه لقب المهدي الاستخباراتي، إلى فيلم سينمائي مثير عن بطل ثوري ليس في الواقع سوى جاسوس مرتزق قد تمكن من تضليل العالم لأزيد من أربعة عقود. والذين سوف يغضبون لمثل هذا الكلام عليهم أن يعلموا أن الغضب لا ينفع في وقف عجلة هناك العديد من الجهات التي سوف تعمل عل تسريع سيرها، ليتم اغتيال بن بركة مرة أخرى وأخيرة.
إن الأمر لا يتعلق اليوم بالدفاع عن رمز تاريخي يعتبر أيقونة النضال، ولا على تراث شخصية كانت معروفة عالميا بمواقفها المناهضة للامبريالية والمناضلة من أجل نصرة المظلومين وفي سبيل رفاه المستضعفين، كما لا يتعلق بصراع إيدلوجي أو سياسي يمكن معالجته بالخطابات السياسية والإديولوجيىة. لذلك نرى أن افتتاحية الاتحاد الاشتراكي، التي جاءت دون مستوى رد عائلة بن بركة مند أزيد من 14 سنة، لم تساير التطور الحاصل في ملف "اتهام بن بركة بالجاسوسية".
هناك في التقدير تحديات ينبغي رفعها لإحداث تطور في التعاطي مع هذا الملف، وتجنب اغتيال المهدي مرة ثانية والتي ستكون، لا قدر الله، الأخيرة، لأن التمكين لتهمة التجسس في الأذهان من شأنه، من جهة، إعطاء نوع من التبرير لعملية الاغتيال المادي الذي تعرض له المهدي سنة 1965، ومن جهة ثانية، ستحول المهدي لمجرد جاسوس مرتزق لا يستحق أي تعاطف ولا تقدير. وسنجمل تلك التحديات في ثلاثة هي:
التحدي الأول، يتعلق بكوننا أمام مقال علمي لأستاذ جامعي متخصص في التاريخ ذي الصلة بالموضوع نشرها في نونبر 2020. وصاحبه يعتبر عمله عملا علميا، ومثل هذه الأعمال لا تواجه إلا بمثلها.
التحدي الثاني، نجده في تصريح "جان كورا" في حواره مع جريدة "مدار" المغربية، حيث رفض وجود أية اعتبارات أو دوافع سياسية أو غيرها خلف إعداده لمقاله ونشره. وقال في حواره المنشور بتاريخ 27 دجنبر الجاري: (في مقالتي البحثية، يمكن أن تجد الإحالات للمصادر الأرشيفية التي استعملت (بعضها تم رفع السرية عنه مؤخرا استجابة لطلب تقدمت به). ويمكن لأي شخص يرغب بذلك زيارة الأرشيفات التشيكية ويطلب الحصول على الوثائق نفسها. أنا مؤرخ مهني مهتم بتشيكوسلوفاكيا زمن الحرب الباردة وانخراطها في النزاعات التي تلت الحربين العالميتين. وقد أوّلت قصة بن بركة بالطريقة التي أراها. يمكن لأي شخص أن يستعمل تلك الوثائق نفسها ويتحدّى التأويل الذي قدّمته). والتحدي الواضح هنا لا يمكن رفعه بالاتهامات والبلاغات والتصريحات، بل بعمل علمي يفند ما ذهب إليه "كورا" أو يجد تأويلا يخالف تأويله.
التحدي الثالث، والذي لم تنتبه له افتتاحية جريدة الاتحاد الاشتراكي حين قالت إنه (ومنذ ذلك التاريخ (2007) لم يخرج أي مسؤول استخباراتي سابق ليؤكد تلك المزاعم، خصوصا أن مسؤولي المخابرات في بلدان أوروبا الشرقية، التي انحلت بعد انهيار جدار برلين غير مطوقين بواجب التحفظ الذي يلزم مسؤولي مخابرات سابقين لدول مازالت قائمة، ولذلك يعتبرون منجما للمعلومات الصحافية والتاريخية). فقد سبق لموقع مجلة "ليكسبريس" بتاريخ 7 يوليوز 2007 تعليقا على رد البشير بن بركة أن أكد أن المجلة عاينت جميع الوثائق التي اعتمدها الصحفي المؤرخ الذي أعد التحقيق الصحافي المنشور، والتي تبلغ 1550 وثيقة، مضيفة إشارة خطيرة تقول فيها "ينبغي التذكير أن أحد قدماء الأجهزة التشيكية قَبِل إعطاء شهادته بالوجه المكشوف في إطار ذلك التحقيق، وأنه أكد العلاقات بين أجهزته القديمة والمعارض المغربي في المنفى". وكان المفروض وضع مهنية المجلة على المحك بطلب الكشف عن "العميل الشاهد" الذي قبل الحديث بهوية معلنة للسماح بتقييم مدى مصداقية شهادته.
وفي التقدير، وكما سبقت الإشارة، نحن أمام تحول حساس في ملف اتهامات المهدي بن بركة بالتجسس، بل وبطلب دعم المخابرات التشيكية من أجل إسقاط الملك الراحل الحسن الثاني، كما زعم "كورا"، بإضفاء الصبغة العلمية على تلك الاتهامات. وهذا يتطلب عدم الاكتفاء بتكذيب ما ينشر هنا وهناك، والعمل بالعكس على رفع تحدي "كورا" بإعادة قراءة الأرشيفات الاستخباراتية المعنية وتمحيصها، وإعادة تأويلها بالكيفية التي تتيحه تلك القراء العلمية. وهذه مسؤولية عائلة المهدي بن بركة رحمه الله، ومسؤولية اليسار عموما، وأحزابه بشكل خاص، ومسؤولية الباحثين المغاربة، لأن المهدي بن بركة في التقدير شخصية، بكل الرمزية التي اكتسبتها، أصبحت ضمن التراث اللامادي للمغاربة. فهل يتم العمل على وقف عملية اغتيال ثان وأخير للمهدي بن بركة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.