لا يخلو شهر واحد بطنجة، دون أن نسمع عن حادثة أو حادثتين ترسل أشخاصا للمقبرة وآخرين للمستشفى نتيجة حادثة سير بين سيارة لنقل العمال وسيارة خفيفة أو شاحنة أو حتى قطار في بعض الحالات. حوادث جمة مازال بعض صورها عالقة بالذاكرة المحلية لسكان طنجة، لكنها لاتزال تنشر الرعب في الوسط الطرقي المحلي الذي توجد فيه المئات من سيارات نقل العمال والمستخدمين، والتي تتحرك في شوارع طنجة بالنهار والليل، وترتفع أعدادها بشكل كبير مع مرور السنوات بطنجة نظرا للطفرة الاقتصادية وافتتاح المعامل في المناطق الصناعية وازدياد أعداد العمال. منذ الساعات الأولى من الصباح الباكر تنطلق سيارات نقل العمال في كل الاتجاهات بأحياء مدينة طنجة للتنقيب عن عمالها وتوصيلهم لمقرات عملهم والتي غالبا ما تكون بالمناطق الصناعية أو المناطق الحرة أو بميناء طنجة المتوسط، ويخيل للزائر الوافد على المدينة أن سباقا جديدا أحدث بين الحافلات نظرا للسرعة المفرطة التي تتحرك بها العربات. ويفسر عدد من المهنيين ممن إلتقهم أن عامل السرعة راجع لضيق الوقت وكثرة الالتزامات، إذ تلتزم بعض الشركات المتخصصة في مجال النقل الجماعي للعمال، مع أكثر من شركة وكل واحدة بحسب توقيت إدخال وإخراج عمالها، وهو ما يجعل عامل السرعة أساسي لتوصيل عمال المصانع أو الشركات والالتحاق بالعمال الآخرين المنتظرين. لكن الاستطلاع الميداني في صفوف العمال كشف أن ظاهرة السرعة المفرطة التي يقود بها سائقو سيارات نقل المستخدمين راجع أساسا إلى تهور بعض السائقين وجشع الشركات المسؤولة على هذا القطاع الذين يعمدون إلى تشغيل سائقين لا يحترمون قانون السير، مطالبين السلطات للقيام بمراجعة منح التراخيص لشركات نقل العمال، متهمين بعض هذه الشركات بالاستخفاف بأرواح المواطنين عن طريق التعاقد مع سائقين بدون خبرة، ومنهم من أصحاب السوابق العدلية. ويضيف عامل آخر أن أغلب سيارات نقل العمال لا يحترمون قانون السير، وبعض السائقين يسوقون وكأن الطرق لهم وحدهم، ومنهم من يدخن ويطلق الموسيقى الصاخبة، متسائلا كيف يتم تشغيل هؤلاء وكيف يحصلون على رخص السياقة في الأصل، داعيا إلى ضرورة تدخل المصالح المعنية لوضع قوانين صارمة وجزية في حق مخالفي قوانين السير، ومراجعة الرخص في هذا القطاع، لحماية المواطنين وأرواحهم، بعد سقوط عدد من الضحايا بشكل بريء. من جهتهم أسس مهنيون في قطاع نقل المستخدمين بمدينة طنجة بداية السنة الجارية، إطارا جمعويا جديدا لتنظيم صفوفهم من أجل مواجهة الإكراهات التي يعيشها المجال، وفق ما تم الإعلان عنه خلال الجمع العام لجمعية « الوحدة لأرباب نقل المستخدمين »، والتي ضمت اندماج اثنين من الإطارات الممثلة لمهنيي القطاع، بهدف توحيد جهود العاملين في هذا المجال. توحيد الرؤية بين جميع المهنيين المشتغلين في هذا القطاع، في ظل المشاكل والإكراهات التي يعرفها، والحد من ظل العشوائية والفوضى الذين بات يتخبط فيهما هذا القطاع، مما يقتضي تكاثف الجهود من أجل تجاوزها. وسبق لعدد من الهيئات المهنية في قطاع نقل المستخدمين بمدينة طنجة أن عبرت عن رفضها لما ما اعتبرته « تجنيا » على العاملين في هذا القطاع مؤكدة على « احترافية العاملين في قطاع نقل العمال وفقا لأرقام رسمية في هذا الإطار »، معبرة عن رفضها تحميل مهنيي القطاع مسؤولية هذه الحوادث المتكررة، مؤكدا أن المتتبعين لها وقعوا في خلط بين المركبات النفعية المستعملة في نقل العمال وغيرها من السيارات المستغلة في النقل المزدوج والنقل السري، مضيفة أن قطاع نقل المستخدمين في مدينة طنجة، يتميز باحترافية كبيرة، مستثنية في ذلك ما وصفها ب »الفئة المتهورة ». وتتواجد بطنجة أكثر من 350 شركة تعمل في قطاع نقل المستخدمين، معظم هاته الشركات تتوفر على أسطول لا يتعدّى عمره خمس سنوات، مشيرا إلى أنّ 90 % من الحافلات العاملة في القطاع تتوفر على جهاز قياس زمن السياقة والراحة يُراقب من طرف المسؤولين في الشركة أو من طرف الزبون بشكل يومي، والنسبة الأكبر من تلك المركبات مجهزة بجهاز تحديد السرعة 60 كيلومتر في الساعة، فيما يبلغ عدد حافلات نقل المستخدمين يتراوح ما بين 2800 و 3000 حافلة مّما يعني وجود أكثر من 3000 سائق يعمل في هذا القطاع، وتبقى نسبة لا تتعدّى 10 بالمائة من الحافلات الموجودة هي الدّخيلة على هذا القطاع أو التي لم يتّم تغييرها بموجب دفتر تحملات صادر عن وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك ومعظمها يعمل في مجال النقل السرّي بالمدينة. »،