رئيس البرلمان الأنديني: المغرب عاصمة عالمية للدبلوماسية البرلمانية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء تقوم بزيارة عمل إلى جامعة غالوديت بواشنطن من أجل شراكة استراتيجية    هل يتجه حزب العدالة والتنمية إلى الحظر بعد أن تحول إلى جماعة إسلامية حمساوية    "ندوة السلام".. بن عبد الله يدعو لتكثل عالمي يواجه إجرام إسرائيل ويحيي سكان طنجة    سوريا.. السلطات تعتبر القصف الإسرائيلي لمنطقة قريبة من القصر الرئاسي بدمشق "تصعيدا خطيرا"    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    اعتقال مروج مخدرات خطير بمراكش وبحوزته آلاف الأقراص المهلوسة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    للمرة الخامسة.. مهمة سير فضائية نسائية بالكامل خارج المحطة الدولية    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ الكِتابة العربية
الفصل الأوَّل
نشر في طنجة الأدبية يوم 09 - 03 - 2009

- أولا: أَصْلُ الكِتابة العربية بيْن الأُسْطورة و النُّقوش الأَثَرِية.
أ- أصل الكِتابة العربية من خلال الأسطُورة و الإخباريين.
ب- أصل الكِتابة العربية من خلال النُّقوش الأثَرية.
الْخَطُّ الجَنُوبي: خَصَائِصُهُ و مُمَيِّزَاتُهُ الخَطُّ الشَّمَالِي: خَصَائِصُهُ و مُمَيِّزَاتُهُ: بيْن السُّريانية و العربية. بيْن النَّبَطِيَّة و العربية.
ت - النُّقُوشُ العَرَبية قبْل الإِسْلام: نَقْش زَبَد نَقْش أَسِيس. نقْش حَرَّان. نَقْش أُم الجِمال الثاني.
ثانيا: الكِتَابَة في المَرحلة الإسلامية 610 / 661.
أ- قُبَيْل الإسلام
ب - ظُهور الإسْلام: الفَتْرَة النَّبَوية ( 610 / 632 ).
ت - ظُهور الإسْلام: العَصْر الرَّاشِدي ( 632 / 661 م ). عهد أبي بكر، عهد عُمر بن الخطاب و عهد عثمان بن عفّان: من القرآن إلى المُصحف، عهد علي بن أبي طالِب.
ج - نُصُوصٌ و خُلاَصَاتٌ.
ثالِثا: الكِتابة في العَصْر الأُمَوِي (40-132 ه /661-750م)
أ- ظُهور الشَّكْل / النَّقْط في الكِتابة.
ب- أَبُو الأَسْوَد الدُّؤَلِي ( تُوفِيَ 69 ه/ 689 م) و تَعميم الشَّكْل.
ت - تَلاَمِيذُ أبي الأسود: ظُهُورُ الشَّدَّة.
ج - بَعْضُ الْنُّصُوصِ الأُمَوِيَّة.
رَابِعا: الْعَصْر الْعَبَّاسي الأَوَّل (132- 232 ه / 750- 846 م).
أ- الإِعْجَام.
ت - الشَّكْلُ: الْخَلِيلُ (توفي 175 ه/ 792م) و الْحَلُّ النِّهَائِي.
الفصل الأوَّل
نشأة الكِتابة العربية
مقدِّمة: كَثيرون هم الذين لا يميَّزون، بيْن الكِتابة و الخط، و سوف يعتقدون أنّنا سوْف نتحدّث عن الخط كفنّ. كنا نتمنَّى ذلك لكنه ليْس بإمكاننا. سوْف نتطرَّق إلى الكِتابة العربية كأَداة تَعبير و تواصُل، دون التطرُّق إلى جانِبها الإبداعي الزُّخرفي الّذي هو الخط. و أوّل سؤال نبدَأ به هو عن أصل الكِتابة العربية من أيْن جاء؟
أوَّلا: أَصْلُ الكِتابة العربية بيْن الأُسْطورة و النُّقوش الأَثَرِية.
في بحثنا عن جُذور الكِتابة العربية يُمكننا الحَديث عن مُقارَبتيْن اثنتين: الأُولى هي مُقاربة أُسطورية ليْست لها أيةُ قِيمة عِلمية. و الثانية هي مُقاربة عِلمية تاريخية أثرية.
أ- أصل الكِتابة العربية من خلال الأسطُورة و الإخباريين.
تكاد تختصر هذه المُقاربة تَفسيرها لأصل الكِتابة العربية، بقوْلها: " إنّها وحي من الله" و هو "تَفسير" يؤوِّل آيتيْن قرآنيتيْن من سورة البقرة ليْس إلاّ.
- الآية 31:" وَ عَلَّم آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلاَئِكَةِ"
- الآية 33:" قَالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ"
لن ندخُل في نِقاش حوْل صِحة هذا التَّأويل أو عدم صحته و نكتفي بالقوْل إن مَفهوم الوحي الإلهي الَّذي أنتج الكِتابة لا يدخُل في سِياق العلم لسبب بَسيط هو عدم إمكانية دِراسته.
هذه المُقارَبة الّتي تجعَل الكِتابة العربية ذات مَصدر خارجي غيْر إنساني, نجدها في كِتابات مَجموعة من إخباريينا وأهمهم:
- القَلْقشندي في كِتابه " صُبْحُ الأَعْشَى في صِناعة الإنشاء" ج3 ص 10 يدَّعي أنّ آدم هو أول من كتَب بالعربية.
- ابن عبد ربه الأندلسي في كِتابه " العِقْدُ الفَريد" ج3 ص157 يزعُم أنّ النبي إدريس هو أول من كتَب بالعربية. ثم يعود، أسطُرا بعد ذلك، ليقُول إنّ النبي إسماعيل هو أول من كتَب بالعربية.
- محمد بن جَرير الطَبَري في كِتابه" تاريخ الرُّسُلِ و المُلُوكِ" المَعروف أيضا تحت عِنوان " تاريخ الأُمَمِ و المُلُوكِ" ج1ص167 يزعُم أنّ "وّخْنُوخ - إنُوخ؟" هو أول من كَتَب بالعربية.
تَعليق: ما يقُوله الإخباريون يُثير انتباهنا من جانِبيْن:
الأوّل: هو كَوْن السؤال الَّذي يَطرَحونه عن (أول من كتب) سؤال لا مَعنى له، بحكْم أنّ الكِتابة لا يُمكن أنْ تكُون من اختراع إنسان واحد حتى و إنْ كان نبيا.
والثاني: هو كوْن التضارُب في الآراء راجع إلى ضُعف النقد التاريخي في كِتاباتهم. فهم يُعطون الخبر كما نُقِلَ إليْهم دون تَدقيق. و كما يَقول الطَّبري " وقَدْ أدَّيْنَاهُ (الخَبَر) إِلَيْكَ كَمَا أُدِّيَ إِلَيْنَا"
ب- أصل الكِتابة العربية من خلال النُّقوش الأثَرية.
لم تبدَأ البُحوث الأثرية حوْل هذا المَوضوع إلاّ في القرن التاسِع عَشر المِيلادي. و من خلال الدراسات الَّتي أُجريَت نجد أنّ بلاد العرب عرفت نوعيْن مُتبايِنيْن من الكِتابة. الأول يُعْرَفَ بِ "الخَطِّ الجَنُوبي" و الثاني يُعْرَفُ بِ"الْخَطِّ الشَّمالي". فما هي المُميِّزات الخاصة لكلٍّ مِنهما؟ و من منهما هو أصل للكِتابة العربية؟
الْخَطُّ الجَنُوبي: خَصَائِصُهُ و مُمَيِّزَاتُهُ.
هو مَجموعة من الخُطوط المُتشابِهة. أشهرها هو الخط الْحِمْيَرِي. و هو خط استعمله سكان جنوب بلاد العرب لأكثر من ألف سنة في اليمن وغرب عُمان وجنوب السعودية حاليا. أما خَصائصه فيُمكن إجمالها فيما يلي:
1- حُروفه مُنفصِلة غير مُتَّصِلة: أَيْ أنَّ كلمة "مُحَمَّد" في هذه الكِتابة ستكون هكذا"م ح م د". إنّ هذا الانفصال في الحروف يطرَح مُشكِلة كَبيرة بحيْث لا نعرِف أيْن تبتدأُ الكلمة و لا أيْن تنتهي. و في فَترات لاحِقة بدؤوا يضَعون خطا مائلا ( / ) حتى يفصِلوا بيْن كَلمة و أُخْرى.
2- حرف الراء هو الحرف الوَحيد الَّذي يُشبه الحُروف العربية الحالية. و هو شيء يجعَلنا نفهَم ما يُقَالُ و لا نفهَم ما يُكْتَبَ.(امرئ القيس مثلا)
3- ليْس لهذا الخطِّ اتِّجاه واحد في الكِتابة. فهو يُكْتَبُ من اليمين إلى اليسار وعند الرُّجوع إلى السطر يختلف اتِّجاه الكِتابة ليُصْبِحَ من اليسار إلى اليمين. و في بعض النُّقوش نجد اتِّجاه الكتابة من الأعلى نحو الأسفل. وكل هذا صعب القبول كأصل للكِتابة العربية.
4- في هذه اللغة نجد جمع المُذكَّر و المُؤنَّث السالميْن و كذلك جمْع التَّكسير. و هو شيء مُطابق للعربية.
5- الخط الحِمْيَري يتكوَّن من 29 حرفا تُكْتَبُ فيه الصَّوامِتُ بدون الحركات القَصيرة.
6- في هذه الكِتابة يظهَر وزن " أَفْعَلَ " الحالي على وزن "هَفْعَلَ" أيْ بدلا من " أَخْرَجَ " نجد " هَخْرَجَ " و هذا يَعني أنّ هذه اللُّغة تأثَّرتْ بالعِبْرِية و الإثيوبية.
و عند انهيار سد " مَأْرِب" في اليمن, هاجَر الناس, على شكل مَوجات بشرية, إلى شَمال بلاد العرب. و قد استقر جزء كَبير منهم في يَثْرِبِ (المَدينة).
المؤرِّخ الكَبير ابن خلدون الَّذي زار هذه المَنطقة خِلال رِحلته شرقا و غربا (1354 /1355م ) يقول " كَانَ بالِغا مَبْلَغَهُ مِنَ الإحْكَامِ و الإتْقانِ و الْجَوْدَةِ في دَوْلَةِ التَّبَابِعَةِ لِمَا بَلَغَتْهُ مِنَ الحَضارة وَ التَّرَفِ و هو المُسَمَّى بالخَطِّ الحِمْيَري"
نخلُص إلى القوْل إنّ الدراسات العلمية الأثرية, استنادا على الخَصائص الَّتي ذكرناها, تستبعد أنْ يكون الخط الجنوبي أصلا للكِتابة العربية.
الخَطُّ الشَّمَالِي: خَصَائِصُهُ و مُمَيِّزَاتُهُ.
كان شمال الجَزيرة العربية مُرتبِطا بالحَضارات المُجاوِرة ( العراق/مصر/ الشام) و انتشرت به مَجموعة من اللُّغات و الخُطوط كلها من أصل سامي مثل العِبْرية و الآرامِية و السُّرْيانية و النَّبَطية. و هذان الأخيران سنتوقَّف عندهما بشيء من التَّفصيل.
بيْن السُّريانية و العربية
لكونهما من نفس المَجموعة اللُّغوية، يوجد تشابُه كَبير بيْن هاتيْن اللُّغتيْن. و بما أنّ ما يهمنا في هذا البحث هي الخَصائِص المُشترَكة بيْن الخطيْن، فإنَّنا سنتوقَّف قَليلا عندها لِنجد:
1- كلُّ حرف في السُّريانية له ثلاثة أشكال مُختلِفة قَليلا في الكِتابة حسب مَوقِعه في أوَّل، وسط أو آخِر الكلمة. و هو نفس الشيء في العربية.
2- حُروف: الدال و الراء و الألف و الواو ( د/ر/ا/و ) لا ترتبط من جِهة اليسار بباقي الحروف. نفس الشيء نجده في العربية.
3- حرف الباء و الجيم و الدال و الكاف و النون و العين و الفاء و الصاد, تُكْتَبُ بنفس الطَّريقة في الخطيْن.
4- باقي الحُروف في الخطيْن تختلف تماما عن بعضها.
هناك من القُدامى من لاحظ شِدة الشبه بيْن الخطيْن. فهذا البَلاَذِري في " فُتُوح البُلْدَان" ق3 ص 579 يقُول:" إِنَّ القَلَمَ العَرَبِي الشَّمَالِي قَدْ قِيسَ عَلَى هِجَاءِ السُّرْيَانِيِّةِ". وَ إذا كان البلاذري في هذه المُلاحظة لا ينطلِق من أية حُمولة إيديولوجية, فإن الباحِثين المُحدثين، خُصوصا باحِثو القرن التاسع عشر، يتوقَّفون عند نفس الاستنتاج لأسباب إيديولوجية محضة، أولها ارتباط السريانية بالمَسيحية. و هم بالتالي يرفُضون البحث في الآرامية و فَصيلها النبطي.
بيْن النَّبَطِيَّة و العربية
النبطية كَخط ينحدِر من الكِتابة الآرامية فهو قد تطوَّر منها في القرن الثاني قبل المِيلاد. و في القرن الأول قبل المِيلاد بدأ يستقلُّ بنفسه و يأخُذ مميِّزاته الخاصة به. من خلال النُقوش الأثرية النبطية الَّتي تَزيد على ثلاثة آلاف نقش نستخلص المميِّزات الآتية:
1- النبطية تُكْتَبُ دائما من اليمين إلى اليسار مثل العربية.
2- النبطية فيها إثنان و عِشرون حرفا كلها مَوجودة في العربية كذلك.
3- الحُروف المُتَّصِلة وغير المتصلة من جِهة اليسار هي نفسها في الكتابتيْن.
4- الألف في بعض الأسماء و الكلمات تسقُط و لا تُكْتَبُ فنجد مثلا: "حرث" بدَلا من "حارث". نفس الظاهرة مَوجودة في العربية.
5- تاء الثَّأنيث المربوطة تُكْتَبُ مَبسوطة: أي "زوجت" بدلا من "زوجة". نفس الظاهرة نجدها في العربية.
6- غِياب نُقط الإعجام فحروف مثل: ب / ت / ث / ن / ي تُكْتَبُ بدون نُقط و هو شيء نجده في العربية.
7- حرف لا (لام ألف) غير مَوجود في النبطية. في العربية تأخَّر كَثيرا ظُهور هذا الحرف.
8- التَّعريف ب "اَلْ " مَوجود في النبطية و العربية.
كل هذه الخَصائص المُشتركَة بيْن الكتابتيْن جعَلت بعض المتخصِّصين يعتبرون أنّ الكِتابة النبطية هي أصل للكِتابة العربية. فهذا الأستاذ يَحْيَى خَلِيل نَامَه يقول : " الخط العربي هو آخِر حَلَقة في تطوُّر الخط النبطي" و نفس الفِكرة تَقريبا يعبَّر عنها مَحْمُود فَهْمِي حِجَازِي بقوله إنَّ الأنباط " أوَّل شعب عربي كتَب و هو أوَّل من علّم باقي العرب الكِتابة". و قبْل أنْ نَمُرَّ إلى دِراسة النُّقوش الأثرية العربية, لاَبُدَّ أنْ نتوقَّف قَليلا لنتعرَّف على الأَنْبَاط.

من هم الأنباط؟
الأنباط هم عرب رُحَّل عاشوا في جَنوب العراق و جَنوب سُوريا و في شَمال السَّعودية، و في الأردن و فلسطين و شبه جَزيرة سيناء. احترفوا الزِراعة و التِّجارة لكونهم في مُلتقى الطُّرق التجارية العالمية في ذلك الوقت و الَّتي سيْطروا عليها تَماما ابتداء من مُنتَصف القرن الرابِع قبل المِيلاد. و ما بيْن القرن الثاني قبل المِيلاد و القرن الثاني بعد المِيلاد ( أربعة قُرون) كانت لهم دولة قَوية جدا سيْطرت على طُرق القَوافِل القادِمة من صَنْعَاء و مَكَّة و يَثْرِب ( المَدينة) و كذلك من العراق. وحَكَمت مَدَائِن صَالِح و دِمَشْق. بَنَتْ مَدِينة البَتْرَاء. و قد حافَظ هذا الشعب على رَوابِط قوية مع عرب الجَزيرة. و إنْ كنا غير متأكِّدين من أنَّ الأنباط هم حقا من بَنَى مَدينة بابِل فإنَّنا مُتأكِّدون من أنَّهم هم الَّذين بَنَوا أَرْوَعَ مِعمار عربي على الإطلاق و هو مَدِينة " الْبَتْرَاء " و هي مَدينة تُوجد في الأردن, سَبعين كِيلومترا جَنوب البحر المَيَّت, و هي عِبارة عن مَدينة مَنحوتَة داخِل جبل. و قد تحدّث القرآن عنهم وعن مَدينتهم في سورة 26 (الشُّعَراء) آية 149 و عاب عليْهم كَثرة التَّرَف بقوله: " وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ " أيْ دُونَ الحاجة إليْها و لكن فقط بِدافِع الافتخار. و منهم قوْم النبي هُود و صالِح المَذكورين في القرآن. إنّ مُمارَسة الأنباط للتِّجارة الَّتي تحتاج إلى تَسجيل البيْع و الشراء و القُروض، و تَأسيس دُوَل تحتاج إلى دَفاتِر و سِجلات للمَداخيل و المَصاريف و القوانين، بالإضافة إلى مُخالَطة شُعوب مُتقدِّمَة، كلُّ هذا ساعَد هذا الشعب العربي لكي يكُون بحق أوَّل شعب عربي كَتب في شَمال الجَزيرة.
إنّ كلَّ ما رأَيْناه من تشابُه، يصل حد التطابق، بين الكِتابة النبطية و العربية، تعزِّزه النُّقوش الأثرية العربية الَّتي هي مَوضوع الفقرة التالِية.
النُّقُوشُ العَرَبية قبْل الإِسْلام.
وصلتْنا مَجموعة من النُّقوش العربية من القرن السادس المِيلادي أغلبها من جَنوب سُوريا. و في هذا الدرْس سنتطرَّق إلى 1= نقْش زَبَد, 2= نقْش أَسِيس. 3= نقْش حَرَّان. 4= نقْش أُمّ الجِمال الثانِي. آخِذين في ذلك الاعتبار الكرونولوجي.
- نقْش زَبَد (أُنْظُر اللَّوْحة المُرافِقة)
يرجِع إلى سنة 512م و زَبَد هي مَنطقة تُوجد جَنوب شَرْق حَلَب. و هو عِبارة عن سطر واحدٍ كُتِبَ على جِدار واجِهة كَنيسة مَسيحية ( أُنْظُرْ النقْش في اللَّوحة المُرافِقة) و قد جاء فيه:" ...ر الاله سرحو بر ا مع منفو و هليا برمر القس/// و سرحو بر سعدو و سترو سريحو..." هذا السطر يحتوي على مَجموعة من الأسماء الشخصية هي ربَّما لمن بَنَوْا أو أمَروا ببناء الكَنيسة.
- نَقْش أَسِيس (أُنْظُرْ اللَّوحة المُرافِقة)
يَعود إلى سنة 528م و أَسِيس هو جَبَلٌ على بُعْدِ مِئة كِيلومتر جَنوب شَرق دِمَشْق. و هو عِبارة عن نص عربي صَغير من أربعة أسطر قَصيرة. و قد جاء فيه: " ابراهيم بن مغيرة الأوسي أرسلني الحارث الملك على سليمان مسيلحة سنة 423" النص واضِح جدا و قِراءته سَهلة أيضا و كل الأسماء و الوَقائع الَّتي يذكُرها مَعروفة في تاريخ سُوريا.
- نَقْش حَرَّان (أُنْظُرْ اللَّوحة المُرافِقة)
يَعود إلى سنة 568م. و حَرَّان هي مَركز حَضاري مُهم جدّا في جَنوب تركيا. و قد وُجِدَ هذا النص في حُطام كَنيسة و قد جاء فيه " ..نا شرحيل بن طلمو بنيت ذا المرطول سنت 463 بعد مفسد خيبر / خبر بعام"

- نَقْش أُمّ الْجِمال الثاني (أُنْظُرْ اللَّوحة المُرافِقة)
هو نقْش يعود إلى أوائل القرن السادِس المِيلادي و هو مَكتوب على الجزء الأسفل من سارية كَنيسة تُوجد في "حُورَان" جَنوب سُوريا. و هو نص صعب القِراءة و قد جاء فيه: " الله غفرا لاليه بن عبيده كاتب العبيد أعلى بنى عمرى تنبّه عنه من (يقرؤه)."
من خلال مُقارنة النُقوش الأربعة الَّتي عرضناها، و أُخرى لم نعرِضها، انتهى العُلماء إلى خُلاصات يُمكن إجمالها فيما يلي:
1- تشابُه الحُروف في هذه النُّقوش و تِكْرَارُها. مع كون بعضها يُشبه النبطية أكثر من العربية.
2- كل الحُروف العربية مَوجودة في هذه النُّقوش باستثناء الزاي و الصاد.
3- نفس الحُروف المُتَّصلة و المُنفصِلة من جهة اليسار في النبطية و العربية.
4- الحُروف التالية: ب / ج / ح / ل / ن / ط، هي نفسها في الكِتابة النبطية.
5- الحُروف التالية: د / ه / س / ش / ر / ت، هي أكثر تطوُّرا في الكِتابة العربية.
6- غِياب نُقط الإعجام تماما كما هو الحال في النبطية.
7- الألف الطَّويلة في بعض الأسماء و الكلمات لا تُكْتَبُ في اللغتيْن, هكذا نجد: حرث / ابرهيم / بعم, بدلا من: حارث / ابراهيم / بعام.
خُلاصة عامة
يُمكننا القوْل إنّ الكِتابة العربية، حسب النصوص و الدِّراسات المُتوفَّرة، لا تنحدِر من الخط الجنوبي بل من الخط الشمالي. و ليس من السريانية بل من النبطية الَّتي هي فَرْع مُتطوِّر من الآرامية.

ثانيا: الكِتَابَة في المَرحلة الإسلامية 610 / 661.
في المَرحلة الإسلامِية سوف تعرِف الكِتابة العربية تَطوُّرا مَلحوظا من حيْث الكم و الكيْف. في عرضنا هذا سوف نتوقَّف عند كل فترة مع ذكْر تطوُّراتها و كذا العَوامِل الَّتي أدَّت إليْها.
أ- قُبَيْل الإسلام.
كانت الكِتابة تُعْتَبَرُ تَرَفًا في مُجتمَع تغلُب عليه البَداوة و التِّرحال. لكن المَناطِق الَّتي كانت تَمُرُّ منها التِّجارة كانت تعرِف الكِتابة. فإذا أخذنا مَكَّة كمَركز تِجاري نجد أنّه كانت لها أحلاف و اتِّفاقيات مَكتوبة مع القَبائل و المُدن الَّتي كانت تَمُرُّ منها القَوافِل. إضافة إلى ذلك فإنَّ العمليات التِّجارية من بيْع و شِراء و رَهْن و قَرْض تتطلَّب التَّدوين الكِتابي و المُحافَظة على السِّجِلاَّت. و هناك دَلائِل كَثيرة على تعاطي الكِتابة في هذه الفترة:
1- حِلْف الفُضُول و حِلْف أَكَلَة الدَّم كانا مَكتوبيْن.
2- المُعلَّقات السَّبع أو العَشْر، و هي قَصائد طَويلة, كانت مَكتوبة و مُعلَّقة على سِتار الكعبة.
3- في مَكَّة كان العَبيد، و ما أكثرهم يحمِلون معهم ورقة المِلكية أو الحُرية.
4- وُجود مَجموعة من المَسيحيين و اليهود العرب كانوا يكتُبون بلُغات مُتعدِّدة منها العربية.
5- في مَكَّة قُبَيْل الإسلام كان هناك فقط سبعة عشر رجلا يعرِفون الكِتابة و القِراءة. عشرة منهم أصبحوا من أوائل المُسلمين و هاجَروا فيما بعد إلى يَثْرِب (المَدِينة). وأيضا سبع نساء حسب البَلاَذِري في "فُتُوح البُلْدان" ق 3 ص 580
ب - ظُهور الإسْلام: الفَتْرَة النَّبَوية ( 610 / 632 ).
يعتبر ظُهور الإسلام شيء بالِغ الأهمية في كَثرة و تطوُّر المَكتوب بالعربية. فمن سنة 610 بِداية نُزول الوحي / القرآن إلى سنة 622 تاريخ الهجرة إلى يثرب (المَدينة) نزَلت حوالي ست و ثمانين سُورةً من القرآن من أصل مِئة وأربعة عشر سُورةً. أي 4613 آية . هذا يَعني أنَّ أكثر من نصف القرآن نزل بمَكَّة. و بما أنَّ نبي الإسلام لم يكُن يقرَأ و يكتُب، فإنَّه كان يستعين ب "كُتَّاب الوَحْي" الَّذين تعدَّدوا منذ الأيام الأولى لبِداية نُزول الوحي. و هذه الكِتابة كانت تُثير فُضول المُسلمين و غيْرهم لأنها لأوَّل مرة يحصُل فيها العربي على "كِتاب" من أصْل سماوي.
في الفَترة المدنية للإسلام سيستمرُّ نُزول القرآن متفرِّقا و سيَزداد عدد "كُتَّابُ الْوَحْي" من أنصار و مُهاجِرين. و سيبلُغ عدد السُّوَر المدنية 28 سُورةً و هي من أطول السُّوَر. أي 1623 آية ليصل مُجمَل آيات القرآن إلى 6236. و من خلال الأخبار التاريخية الّتي وصلتنا نعرِف أنَّ عددا كَبيرا من الصَّحابة, أوَّلُهم "عبد الله بن مَسْعُود", كانوا حَريصين على جمع القرآن بشكِل شَخصي و أنَّ نبي الإسلام قبل وفاته راجَع مع بعضهم النسخ المَكتوبة الَّتي كانوا يملِكونها. يبقى أنْ نعرِف أنَّ القرآن حتى وفاة رسول الإسلام لم يكن مَجموعا على شكل كِتاب بيْن دفتيْن، ولكنه كان مجزأ و مَكتوبا على جُلُود الحيوانات و الخشب و العِظام وغيْرها من المَواد البِدائية.
وتبقى الفَترة النبوية بحق فترة توفرتْ فيها عِدَّة عَوامِل ساعدتْ على كَثرة المَكتوب نذكُر منها 1=القرآن, 2= الحَديث, و 3= تصرُّفات رسول الإسلام.
القرآن: صَحيح أنَّ الوحي كان شَفويا و لم يكن كِتابيا. وقد كان كذلك من جِهة احتراما للطَّبيعة الخاصة للرسول الَّذي لم يكن بعرِف القِراءة و الكِتابة و من أُخرى احتراما للثَّقافة العربية الشفوية. لكن تَدوينه كِتابةً و بسُرعة كان يتم أوَّلا بأوَّل. و في القرآن نفسه نجد آيات ترفَع من قِيمة الكِتابة و المَكتوب. و أشهر آية تتحدَّث عن تَقييد المُعاملات التجارية كِتابة، هي أطول آية في القرآن و هي الآية 282 من سورة البقرة . تقول الآية: " يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنِ إِلَى أَجَلِ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ. وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالْعَدْل. وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ. وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ و لْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ، وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْءً. فَإنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالْعَدْلِ. وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ. فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى. وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا. وَلاَ تَسْأَمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ. ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ الله وَ أَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى ألاَّ تَرْتَابُوا. إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بيْنكم فَلَيْسَ عليْكم جُناحٌ ألاَّ تَكْتُبُوهَا. وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ. وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ. و َإنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ. وَاتَّقُوا اللهَ. وَ يُعَلَّمُكُمُ اللهُ. وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ."
فهْم هذه الآية في سِياقها اللُغوي( كَثرة استعمال فِعل الأمر بمُختلف أشكاله) و سِياقها المُجتمعي ( مجتمَع تِجاري) الحَقيقييْن يُظهر مدى أهميتها في انتشار الكِتابة.
- الحَدِيثُ النَّبَوِيُّ: إلى جانِب القرآن، ساهَم الحَديث النبوي ( أَقْوَالُ رَسُول الإِسْلام) بقدْر كَبير في كثرة الكِتابة و تطوُّرها. فالحديث هو إمّا أمر بشيء أو نهي عنه، أو وَصِيّة، أو شرْح و تَفصيل للقرآن. وهو بهذا المَعنى جزء من الدِّين اهتمَّ به المُسلمون كَثِيرا و لكن بشكل أقلَّ من اهتمامهم بالقرآن في هذه الفترة. و نجد أَحاديث كَثيرةً تَحُثُّ على الكِتابة.
في البداية نَهَى رسول الإسلام عن كِتابة الحَدِيث مع القرآن بدَليل الحدِيث الَّذي يقُول فيه " مَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْءً غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ". إلاَّ أنّه أثناء استماعه لشَكوى أحد أصحابه كان كَثيرا ما ينسى ما يسمَعه منه، يقول له " استعن بِيُمْنَاكَ عَلَى ذَاكِرَتِكَ" أيْ أُكتُبْ حتَّى لاَ تَنْسَى. هذا الحَديث يُعْتَبَرُ نَسْخًا لحَديث النهي السابِق و إذْنا صَريحا بجَواز تَدوين الحَديث كِتابة. هذا ما يفسِّر وجود "صُحُف" كتبها الصَّحابة، من أمثال "عبد الله بن عَمْرو بن العاص" و "عبد الله بن عُمَر" و "عَلِي بن أبي طالِب"...، في بعضها أكثر من ألف حَديث.
و هناك حَديث يقُول فيه رسول الإسلام " قَيِّدُو الْعِلْمَ بالْكِتَابِ " بمَعنى اكتُبوا العِلم واجْعَلُوه في الكُتُب. و في حَديث آخَر يُوصي و يأمُر كُلَّ المُسلمين بكِتابة "الوَصِيَّة"
- تَصَرُّفَاتُ رَسُولِ الإِسْلاَمِ: إضافة إلى القُرآن و الحَديث تُعْتَبَرُ تصرُّفات النبي نَموذجا للمُسلم. و نجد في الكَثير من هذه التصرُّفات دَعْوَةٌ غير مُباشِرة للكِتابة و تعلُّمها و تدوين الْعُهود و المَواثيق. و من التصرُّفات الَّتي نعرِفها:
- صَحيفة المَدينة: كتبها النبي بِمُجَرَّدِ وُصوله إلى "المَدينة" لتَنظيم العلاقة بيْن المُسلمين و اليهود والعرب غير المُسلمين.
- فِدَاءُ أَسْرَى بَدْر: خلال مَعركة "بَدْر" وَقَعَ الكَثير من القُرَشِيِّين في الأسْر. و من أجل تَحريرهم، أمر النبي كُلَّ أَسِير بتَعليم عَشَرَةٍ من المُسلمين الكِتابة و القِراءة. و قد كانت الأسبقية للأطْفال و للنساء.
- كِتابة عُهود الصُّلح: كان النبي حَريصا على تَدوين كلِّ العقود الَّتي يوقِّعها مع القَبائل. و يبقى أشهر صُلْحٍ هو صُلْح الحُدَيْبية و كان مَكتوبا.
- المُراسَلات: احتفظت لنا كُتُب التاريخ بمَجموعة من الرسائل أرسلها النبي إلى بعض زُعَماء القَبائل و بعض رُؤَساء الدول (مصر/ الحبشة) و إلى إِمْبراطوريتي بِيزَنْطَة وَفَارِسَ .( أُنْظُرْ اللَّوْحة المُرافِقة)
- سِجلاَّت الزَّكاة: كانت عِبارة عن أوراق أو أَلْواح تُسَجَّلُ فيها مُستحقَّات قَابِضي الزَّكاة.
نخلُص إلى القوْل إنّ ما كُتِبَ في العهد النبوي ربَّما يفُوق بكَثير ما كتَبه العرب من قبْلُ. و لا شكّ أنَّ كَثرة الكِتابة تؤدِّي إلى تطور الكِتابة و هي نُقطة سنعُود إليْها بعد التطرُّق إلى العصر الراشدي.
ت - ظُهور الإسْلام: العَصْر الرَّاشِدي ( 632 / 661 م ).
العَصر الراشدي هي فَترة تمتدُّ من وَفاة رسول الإسلام إلى مَقتَل الخَليفة الرابِع علي بن أبي طالِب. و على الرغم من قِصَرِ هذه الفترة, ثلاثين سنة فقط, فإنَّها تُعْتَبَرُ استمرارا للفترة السابِقة فيما يخُصُّ كثرة الكِتابة و انتشار المَكتوب. و نظَرا لأهمية هذه الفَترة فإنّنا سندرُس فَترة كلِّ خَليفة على حِدة.
- عَهْد أبي بكر ( 632 / 634 م)
لعل أهم ما ميَّز عهد أبي بكر هو مُحاوَلته، بإلحاح من عمر بن الخطَّاب، جمْع القرآن و جعْله في كِتاب واحد، بدل تركِه مُتفرِّقا في الألواح و الصَّحائف و الجُلود و قُشُور الشَّجر. عملية جمْع القرآن هذه قد تمَّت بالفِعل لكنّها لم تكتمل و لم تُنتج قرآنا على شكْل كِتاب. كلَّ العمل الَّذي قامت به تلك اللَّجنة تم تَسليمه إلى "حَفْصَة" زَوْجة النبي. و سبب هذا التوقُّف تُرجعه كل المَصادِر إلى تراجُع أبي بكر عن الفكرة. لكن الفِكرة في حدّ ذاتِها يُمكن اعتبارها تطوُّرا كَبيرا في الثَّقافَة العربية و تطوُّر الكِتابة.
- عَهْدُ عُمَر بن الْخَطَّاب ( 634 / 644 م )
إنّ توسُّع الرقعة الجغرافية للدوْلة الإسلامية في عهد عُمَر، و احتكاك المُسلمين بدوَل جد مُنظَّمة، إضافة إلى شَخصيته المُبدِعة، فرضا عليه تحديا كَبيرا: هو تَنظيم الدَوْلة الإسلامية. وهكذا أسَّس عمر الإدارات و الدَّواوين مثل دِيوان الجُند، و دِيوان القضاء، و دِيوان العطاء، دِيوان البريد... و فرَض السِّجلاَّت على كلِّ إدارة خلقها. إنَّ تَنظيم دوْلة تُسيطر على كل الجَزيرة العربية و العراق و سُوريا و الأردن وفلسطين ولبنان و مصر و إيران... و تُسيطر على أغلب الطرق التِّجارية, وهي بلا شك أغنى دولة في العالَم في تلك الفَترة, هو شيء سيُعطي كَثرة الكِتابة.
- عَهْدُ عُثمان بن عَفَّان (644 / 656 م):
- مِنَ القُرآن إلى المُصْحَف.
لعل أهمَّ ما يميِّز عهد عُثمان هو أنه عرف أكبر عَملية تَدوين عرفها العرب حتى ذلك التاريخ. ليْس من حيْث الكم و لكن من حيْث النَّتائج الَّتي ستُسفر عنها هذه العملية. &


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.