محامية حكيمي تصف طلبات النيابة العامة الفرنسية بغير المنطقية    بعد أشهر من الانتظار.. انطلاق أشغال الطريق المنهار بين الحسيمة وتطوان    شاطئ ميايمي ببني أنصار يلفظ جثة شاب كان يحاول العبور إلى مليلية    جلالة الملك يتوصل ببرقية تهنئة من رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان بمناسبة عيد العرش المجيد    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024.. الملاعب الخمسة المحتضنة للمنافسة    سون هيونغ مين يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    مجلة أجنبية تشيد بجمال وتنوع المغرب السياحي    بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات هذا الأسبوع    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الحبس النافذ لسائق سيارة تسبب في وفاة طفل ببني بوعياش    الدار البيضاء .. نجوم العيطة يلهبون حماس عشاق الفن الشعبي    لتنزيل التوجيهات الملكية.. اجتماع يجمع وزير الداخلية والولاة والعمال ومسؤولين        بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إبادة إسرائيل للفلسطينيين    برعاية الصين.. منظمة دولية للذكاء الاصطناعي قيد الإنشاء في شنغهاي والدعوة مفتوحة للدول الراغبة في الانضمام    المغرب، الحليف العريق والشريك "الأساسي" للولايات المتحدة (أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي)    وثائق سرية تستعد للخروج إلى النور.. صحراء المغرب في قلب أرشيف إسبانيا    مجلس المنافسة ينهي هيمنة "غلوفو"    المغربي حمزة الناصيري ضمن طاقم حكام مباراة افتتاح "الشان" بين تنزانيا وبوركينا فاسو    مصرع شاب في حادثة سير مميتة ضواحي سطات        نيوزيلندا تفرض رسوما على زيارة الأجانب للمواقع السياحية الأكثر شعبية    اعتقال صانعتي محتوى لنشر مقاطع فيديو خادشة للحياء في مصر    جامعات أمريكا تواجه ضغوطات ترامب    مبابي مدافعا عن حكيمي: أشرف يحترم النساء حتى وهو "سكران"    كيوسك السبت | استثمار إسباني كبير لتحلية المياه والطاقة الريحية بالمغرب    نجم البحر يهدد الشعاب المرجانية في جزر كوك    الوداد ينهزم أمام كوجالي سبور في أولى مبارياته الودية بتركيا    المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    الحدود المغربية الجزائرية في الخطاب الملكي    المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    أسعار الذهب تستقر    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة المرأة في الأمثال الشعبية
نشر في طنجة الأدبية يوم 17 - 03 - 2021

لا أحد يجادل في أن للمرأة أدوارا مصيرية في الحياة. فالمرأة هي الأم التي صنعت من التضحيات والبطولات حياةً مليئةً بالحب والفخر للأبناء، وهي الزوجة والحبيبة التي تنشر عبق الحب والطمأنينة في أرجاء الحياة، وهي الأخت والجدة. وينتج عن هذا، كون المرأة هي أم الإنسانية جمعاء، فبدونها لا يكتمل المجتمع. ولا غرو، فإن المرأة قد حقّقت الكثير من الإنجازات على الأصعدة الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية، متخطية كل الحواجز والعقبات التي كانت تواجهها في الماضي، لتحمل رسالة مجدٍ وفخر للعالم كله، بما حقّقته من انتصارات متواصلة في شتى المجالات، حيث أصبح للمرأة دورٌ كبير في مختلف مناصب الدولة ومجالات الحياة. ومع ذلك نجد وضع المرأة في أسفل الهرم الاجتماعي، لصالح (أجندة) المجتمع الذكوري التقليدي .
وقبل الحديث عن الأمثال المتعلقة بالمرأة، ومن أجل تقييم وبلورة خصوصياتها، لا بد من تقديم عام عن الأمثال مع وظائفها والدور الذي تلعبه في المجتمع.
إن الأمثال، على غرار الأجناس الإبداعية الأخرى، مثل الحكاية والسيرة الشعبيتين، هي صنف من بين الاصناف التي تندرج ضمن ما يطلق عليه الأدب الشعبي، أو الشفهي.
عندما يكون للمثل علاقة بقصة أو حكاية يصير النص "حكمة"، حيث تشير صياغته القصيرة إلى كثير من الدلالات، الحاملة لترشيد المتلقي وتوجيه سلوكه وتعامله نحو الصواب. فتصبح تلك الصياغة بمثابة نصيحة أو قاعدة سلوكية تتجلى فيها خبرة القدماء، متسمة بقدر كبير من الحيطة والحذر.
ومن خلال دراسة الأمثال، يسعى بعض الباحثين إلى بلورة ما هو مشترك من حكم عامة وعقليات بين الشعوب. مما يدخل جل الحكم والأمثال ضمن رصيد عام وملكة مشتركة، مع ملاحظة أن معظم الأمم تعبر عن نفس الشعور بواسطة أمثالها؛ وفي هذا المضمار نلاحظ أحيانا العلاقة الوطيدة بين أمثال من دول مختلفة وبلغات متباينة، وذلك من حيث المضمون أو المدلول، أو حتى من حيث الشكل، مثل (اللي عضه الحنش يخاف من الحبل). وحسب هذا الرأي، فإن الأمثال لا تنحصر في حقل ثقافي واحد، بل تتجاوز حدوده وتنتشر عبر أوساط ثقافية مختلفة.
وهناك رأي آخر، أساسه العلاقة الموجودة بين الأمثال والمجتمع الذي يستعملها. حيت تعتبر الأمثال كمرآة تتجلى فيها الحياة اليومية والتجربة الشعبية. مما يسمح لنا أن نتعرف من خلال الأمثال، على العقلية السائدة في المجتمع، وعلى مزاج أهله وأفكارهم واعتقاداتهم وتقاليدهم.
والحقيقة أننا لا نجد تناقضا بين الرأيين. فعندما نتمعن في دراسة الأمثال الشعبية المغربية، نكتشف صنفين من الأقوال:
الصنف الأول، يحتوي على كل ما يتعلق بالبشرية بصفة عامة؛ ويمكن تطبيق هذا الصنف من الأمثال، على أي مجتمع ولا في أي قطر، من مثل (النواض بكري بالذهب مشري).
الصنف الثاني من الأمثال، يدل على خصوصيات ينفرد بها الشعب المغربي، ولا يمكن إدراك تلك الأمثال إلا في محيطها الاجتماعي. ونسوق فيما يلي مثالين واضحين في الموضوع، يتعلق أحدهما بمدينتين مغربيتين عريقتين، في حين يرتبط الثاني بأقدم جامعة عربية:
* وخا يرجع بوركراك حليب، والرملة زبيب، ما يرجع الرباطي للسلاوي حبيب.
* اللي حب الصح يمشي للقرويين.
وقبل أن نسلط الأضواء على نوعية الأمثال المتعلقة بالمرأة، وارتباطها بحقائق عالمية، أو بخصوصيات المجتمع المغربي، سأقدم بعجالة فيما يأتي الجانب الشكلي واللغوي للأمثال:
من الناحية اللغوية تتميز الأمثال بصيغ وبنيات وأساليب خاصة. فهي قد تأتي على شكل سؤال، والمثال على ذلك (آ المبيض من برا آش خبارك من داخل؟). وقد تأتي على صورة سؤال وجواب، من مثل (آش خصك آ العريان؟ الخاتم آ مولاي). أو على بصيغة تعجب: ( آ الشاري تفكر يوم تبيع!). على أنه من الأمثال ما يشبه الاحاجي ك (الثلث الخالي في الدنيا هو راس بنادم). كما أن بعض الأمثال تستعمل على شكل حوار. وفق ما نجد في هذا المثال:
(قال له: آش صنعة باك؟
قال له: نفار.
قال له: حمد الله على رمضان تقاضى).
وضمن هذه التراكيب، تلجأ لغة الأمثال إلى أساليب، تستعمل عادة في الشعر، كالمجاز والإيقاع والقافية، كما نرى في المثالين التاليين: (النهار بعويناته والليل بوديناته)، و(إلا فاتك الطعام، قل شبعت، و إلا فاتك الكلام، قل سمعت).
ومن بين الأدوات التي تثير الانتباه، وتعطي للمثل صبغة شائقة، ما تتوفر عليه كثير من نصوصه، من تكرار لفظي جمالي، وهاهو مثال دال بوضوح على هذا: (نهيه، نهيه، ويلا عما سر وخليه).
أيضا من بين الأدوات التعبيرية الممتعة في المثل، توظيف الأضداد واللعب على المتناقضات، كما يتجسد في هذا المثل التنويهي بالكرم الذام للبخل: (إلا طردك البخيل، عند الكريم تبات).
كل هذه الوسائل والأدوات الجمالية، بالإضافة إلى إلتركيب المركز والإيجاز المعجز الدقيق، تعطي للأمثال جمالية ورونقا فضلا عن العمق الدلالي، وفي نفس الوقت تسهل تلقينها للمتلقي، كما ترسخ بنياتها، وتحميها من التحريف طيلة تداولها عبر الأجيال.
نظرا للخصائص اللغوية والجمالية التي أشرنا إليها، تعتبر الأمثال بمثابة نوع أدبي ضمن أصناف الأدب الشعبي. واعتبارا لصقل قالبها وجمالية شكلها، تحفظ الأمثال بسهولة وترسخ في الأذهان. ومن ثم نلاحظ أن استعمال الأمثال يسترعي الانتباه ويجعلنا نصغي إلى من يتكلم بواسطتها لنستوعب محتوى كلامه. فلهذا الكلام دور معين في القيم الأخلاقية وتأديب الأشخاص وتهذيب المجتمع. ذلك أن الأمثال تبلور حقائق جذرية مستنتجة من التجربة البشرية أمام مواقف معينة، كما تعبر بصفة عامة عن سلوك إنساني مثل التفاؤل والبخل والخداع والظلم والندم والنفاق والافتخار والأنانية في مختلف المجتمعات بنفس الأساليب. وعلى عكس ذلك، تنوه الأمثال بالصدق والكرم والحلم، وما إلى ذلك من القيم النبيلة. وهي مواقف ثابتة تعبر عن الحكمة الشعبية تخلد بواسطة الأمثال. من أجل ذلك يعتبر المثل حجة قاطعة أو دليلا ذا قيمة اعتبارية، يبرهن عن حكم وتجارب صادرة عن الأجداد منذ العصور الغابرة، ورثناها عنهم، فأصبحت ملكا للجميع، ومن واجبنا احترام تلك الأمثال الحكمية، وأخذها بعين الاعتبار.
إن الامثال تعكس الثقافة السائدة لجماعة معينة، في زمن معين، وهو ما جعلها محور الدراسة والتناول من طرف العديد من الباحثين، لكونها تعبر عن الأراء والقيم والاتجاهات. والمثل الشعبي عبارة عن قول مأثور يتضمن نصيحة شعبية او حقيقة عامة او ملاحظة او حتى مواقف ساخرة. ولعل من يصوغ المثل هو شخص أوجماعة بالغة الحكمة، ذو أو ذات تمكن من اللغة الشعبية، واختيار الفاظها، واستعمال المحسنات من سجع وجناس وطباق وخيال الخ …
وسأقف عند الوظيفة الأخلاقية، دون التطرق إلى الوظائف الأخرى، المسندة عادة إلى الأمثال، كالوظايف العلمية والتعليمية والدينية والفكاهية.
وتخضع هذه الأمثال إلى المواصفات السابقة الذكر، من سجع وقافية وجمالية أسلوبية. أما بالنسبة للمضمون الإيجابي والقيم الأخلاقية المنبثقة عادة من استعمال الأمثال، فهي تدعونا إلى طرح السؤال التالي: ماذا يقصد بالمثل المرتبط بالمرأة؟
إن الملاحظة الأولى تهم الانتماء إلى مجموعة مَثَلِية ما. إذ أن الأعمال المصنفة حسب المحاور، لم تخصص محورا للمرأة، بل أدرجت الأمثال المتعلقة بها، في باب "الأسرة" أو "العلاقات العائلية" أو "الشؤون الأسرية". وحسب بعض الدراسات يكتسي هذا التصنيف أكثر من دلالة :
اذ نجد بعض المهتمين بحقوق المرأة، يطلون علينا بأرقام صادمة، حول العنف الممارس ضد النساء، مع توزيع هذا العنف بين جسدي ونفسي واقتصادي واجتماعي وقانوني وجنسي إلخ… ومعلوم أنه عنف يصدر من الرجل اتجاه المرأة. بيد أن ما يغفل عنه الجميع عدا قلة فليلة من المنصفين، هو ذلك التواطؤ الضمني على اضطهاد المرأة، عبر تكريس صورة سلبية عنها، صورة مستمدة من الثقافة التقليدية، والموروث الشعبي.
وعندما نتحدث عن "صورة" المرأة هنا، فإننا نعني بالذات ذلك البناء الذهني الذي يتم على مستوى الذاتية والرمزية والخيال، والذي يرتبط بالواقع الإنساني، و يعيه الإنسان بطريقة غير مباشرة، حيث تتواجد الأشياء في الشعور عبر "صور" ثابتة، خصوصا إذا تم تداولها في محيطها بصفة كثيفة. وباستحضارنا لخطاب الأمثال الشعبية الذي يوجد على كل لسان، نفادأ بأنه أقرب السبل لتكريس "صورة " معينة في المتخيل الجماعي لمجتمع ما. وبالتالي فقد عكف الكثير من الباحثين المغاربة وأغلبهم من الجنس اللطيف، على تفكيك خطاب الأمثال الشعبية لإستخراج صورة المرأة، في أفق رد الاعتبار للمرأة المغربية، عبر تغيير العقليات، التي توجه تصورات وسلوكات الإنسان المغربي، في خضم السجال حول العنف المادي، بصدد "الصورة المركبة لإضطهاد المرأة"، عبر مظهر ثقافي موروث هو الأمثال الشعبية، بشكل يزيح الستار عن خلفية المجتمع الفكرية إزاء كائن يعتبره "ناقص عقل ودين".
ويعتبر خطاب الأمثال الشعبية المتعلقة بالمرأة، خطابا ذكوريا موجها من الرجل إلى نظيره، سواء كان يتحدث عن المرأة أو بلسانها، حتى يرسم لها صورة/خارطة طريق ترغبه في المرأة أو تحذره منها. ويتوارث هذا الخطاب عبر الأجيال، عن طريق فعل التنشئة الاجتماعية، الذي تعتبر المرأة جزء أساسيا منه.
فهل يعني هذا أن المرأة تساهم في تكريس صورتها الدونية في المجتمع؟
من شأن هذه الحقيقة أن تتكرس، إذا ما أخذنا في الحسبان، كون المرأة – وإن كانت متحررة – هي أكبر مستهلك للأمثال الشعبية، وبالتالي فإنها تعترف بشرعية مضامينها، وفق ما تظهره الاحصائيات المنجزة في الموضوع.
إن أغلبية النساء، يتبنين وبكيفية لا شعورية، وجهة نظر الرجال في تقييم تصرفاتهن وطبيعتهن ومركزهن داخل المجتمع !. وإذا افترضنا أن الأمثال الشعبية لا تزال ترسم صورة سلبية عن المرأة، فما هي إذن تلك الصورة؟ وما هي دلالاتها وانعكاساتها على وضعيتها؟. ترى هل تتغير هذه الصورة بتغير سن المرأة أو مكانتها الاجتماعية؟
ويبدو واضحا لمن يحاول تفكيك خطاب الأمثال المغربية حول المرأة، أن عنصر التصوير المغرض يفرض نفسه بقوة، سواء بين النساء أنفسهن، أم بينهن وبين الرجال. ويحدث أن ينزل هذا التصوير إلى توظيف معجم الحيوانات والكائنات الغيبية، ليستلهم منه ما يصم مكانة المرأة بمختلف أشكال التحقير، ويهول بعض ما عرف عنها من ذكاء وفطنة وحيل ومكر. لكن ما تشترك فيه كل هذه الصور، يتجلى في الدلالات التي تحيل إليها الأمثال في الموروث الثقافي والفكر الشعبي، والتي تجعل من المشابهة والتمثيل أمرا ممكنا، بفضل التصورات ذات صلة بقواسم مشتركة بين المشبه والمشبه به. إذ يكثر تشبيه النساء بالحيوانات في الامثال المغربية، فإن لم تكن ماكرة كإبليس و خبيثة كالأفعى، فهي غبية كأنثى الأتان (أي الحمارة).
وهكذا تتصف المرأة حسب الأمثال الشعبية المغربية، بصفات المكر والخداع والشر، مما يجعل "الأفعى" هي الزحافة الأجدر بإسقاط صفاتها عليها. إن هذا الاقتران السائد للمرأة بالأفعى، لا يعود مرده بالأساس إلى إبداعية الفكر الجماعي المنتج لهذه الأمثال، بل نجد جذوره تمتد إلى الأساطير، التي نسجت حول بداية خلق الإنسان.
وحتى حين أراد المثل إظهار أهمية الدور الذي تلعبه المرأة في بيت الزوجية، لم يجد وصفا لها أحسن من الحمارة، نظرا لما اشتهرت به هذه الأخيرة من بلادة وقدرة على تحمل قساوة الضرب ومشاق أعمال السخرة. ويكفي هنا أن نستحضر هذا المثل المؤكد لطبيعة رؤية الرجل لربة البيت: (مولات الدار عمارة ولو كانت حمارة). وفي هذا السياق أيضا، نجد الأمثال الشعبية، حرصا منها على محاصرة المرأة حتى لا تنفلت من عقالها، تشبهها في عدد من الأمثال الشعبية بالبهيمة، كما يدل هذا المثل بوضوح: (المرا كتربط من لسانها، والبهيمة تُربط من لجامها).
وقد تمادت الأمثال الشعبية المبيتة، في تشويه صورة المرأة بتشبيهها بعدد من الحيوانات، من مثل تشبيهها المرأة القصيرة بالبطة إن إزداد وزنها، وبالقطة إذا خف (البنت القصيرة إذا سمانت بطة وإلى ضعافت قطة). بل إنها تنزلها إلى مستوى القردة (سعد البلدة كيرد العروسة قردة، والعكوزة جلدة). كما صورتها وهي تسلك سلوك الديك (اصبح الديك على الفريك، وصبحت العمشا على الكُحل). وأحيانا ينزل هذا التشبيه إلى الحضيض، ليتوسل بالحشرات تجسيدا لانحطاط المرأة، مثلما في هذا المثل (اللوسة سوسة وَخا تكُون فحال الخنفوسة).
وكل هذه الصور، إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن مقارنة النساء بالحيوانات، هي خاصية تطبع المثل المغربي بشكل عام، خصوصا في جانب صفاتها السلبية. وعموما فإن خاصية التصوير التشبيهي في الأمثال المتعلقة بالمرأة، لا تقتصر على الحيوانات فقط كما مر بنا، بل تمتد إلى الجماد والشياطين والأمراض والكوارث الطبيعة وما جاورها…
فرغم أهمية الامثال الشعبية كجزء اساسي ومهم في الموروث الشعبي، الا انها نقلت العديد من الافكار الخاطئة، خصوصا عن المرأة. من ذلك أن المثل الشعبي المغربي، غالبا ما يجعل دور المراة في المجتمع، مقتصرا على البيت وقضاء احتياجات الزوج ورعاية الأبناء. وتدعونا هذه الملاحظة، إلى استدعاء بعض الامثال الدالة بشكل مباشر، على هذا المشهد العائلي. من ذلك هذه الأمثال الخاصة بصورة المرأة قبل الزواج:
*العاتق في الدار عار
*البنت إما راجلها او قفي قبرها
*البنت لا تعلمها حروف وما تسكنها غروف
*البنات هم حتى الممات
*البنت ادا بارت على سعدها دارت .
لكننا ينبغي ألا يفوتنا الانتباه، إلى ما سجلته بعض الأمثال، من إيجابيات وإنصاف للمرأة، بحيث أشادت بدورها في تحمل أشغال البيت (البنات عمارت الدار)، ونوهت بكون البنت هي سر أمها الدائم، نظرا للعلاقة الحميمة التي تربطهما (البنت شريكة أمها). اما بخصوص المرأة المتزوجة، فتوصف في الأمثال المغربية، حسب وضعيتها داخل مؤسسة الزواج عروسا، وأمّا، وجدة، إذ يتم التنبيه للتعامل مع العروس لأصلها لا لجمالها (شوف لجدودها ما تشوف لخدودها). كما تدعو الأمثال المغربية إلى الزواج المتكافئ، وترك التطلع الطبقي (مسكين خدا مسكينة وتهنات المدينة). من غير أن تنسى هذه الأمثال سوء التردد في اختيار الزوجة المناسبة (عام وهو يختار ودا بنت المختار). ولا فاتها تشجيع الحياة الزوجية الموفقة (طاح الحك تما وجبار غطاه تما)
ويبقى المثل الشعبي موروثا شعبيا شفاهيا، يجب المحافظة عليه. ولا مانع من تحسينه وتثمينه وتجويده، وغربلته مما علق به في ماضي المجتمع الذكوري. حيث نجد الكثير من هذه الامثال لم تعد مناسبة لما يحدث اليوم للمرأة، والتطور الذي حققته بجدارة ومسؤولية.
ولعل ما سيظل من هذه الأمثال متداولا، يحتاج إلى النظر إليه باعتباره انعكاسا لمجتمع دخل التاريخ؛ ولا ينبغي لجماليته أن تندثر أوتطمس، متمنين أن تكون الشعوب جماعة وأفرادا، قادرة على أن تراكم متونا من الأمثال الجديدة، تضاف إلى ذخيرة الأمثال القديمة، من أجل أن يظل التراث، ويصل إلى الأجيال الصاعدة، متوازيا مع تطلعاتنا وافكارنا وثقافاتنا المعاصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.