فتح الإقتصاد المبني على حرية المبادرة كل أبواب الممكن في عالم المال والأعمال،. إذ أن المقاولة اليوم لاتسطر في اهدافها سوى الربح السريع. وأمام شبه الفراغ القانوني وتهافت المقاولات على تحقيق الوجود الإقتصادي ولو على حساب المستهلك، يظل هذا الأخير المستهدف لامجال له للخيار سوى الرضى بما لايمكن القناعة به، وذلك بسبب ظروف قهرية تتجسد في المعضلات الإجتماعية الكبرى من فقر وبطالة وأمية.... ولأن المستهلك هو مواطن له حق العيش الكريم الآمن الذي لابد للدولة من أن تسهر على حفظه، فإنه لابد من السعي نحو مقاومة كل الخروقات المضرة به. ونود في مضمار حديثنا عن حماية المستهلك أن نشد الإنتباه إلى الجرائم اليومية التي ترتكب في حقه دون تحريك ساكن بشأن مرتكبيها ونقصد بالذكر القروض غير القانونية. فقد أصبح المستهلك المغربي ضحية لمؤسسات غير شرعية وأشخاص مجرمين غايتهم استغلال حاجة المعوز وجهل الأمي للتعاقد في إطار قروض استهلاكية دون رخصة ولا وجه حق ودون أدنى حماية للمقترض، إذ أن مثل هذه العمليات تكون بفوائد ربوبة سافرة وشروط تعسفية مجحفة. والإشكال القائم أنها تستغل مبدأ حرية التعاقد المكرسة بموجب الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود لتجد لها قناعا شرعيا، علما أن هذا الفصل تحد من حريته فصول أخرى لابد من تسليط بعض الضوء عليها. ولذا سنحاول تناول إشكال القروض غير القانونية من خلال التطرق بداية للحماية المدنية ثم نتطرق للحماية الجنائية. أولا : الحماية المدنية فالفصل 878 من ظهير الإلتزامات والعقود يقول مايلي : "من يستغل حاجة شخص آخر أو ضعف إداركه أو عدم تجربته فيجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض أو لتجديد قرض قديم عند حلول أجل فوائد أو موانع أخرى تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة المؤداة، وفقا لمقتضيات المكان وظروف التعامل، يمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية، ويسوغ بناء على طلب الخصم، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة، ويجوز إنقاص السعر المشترط، ويحق للمدين استرداد مادفعه زيادة على السعر الذي تحدده المحكمة على أساس أنه دفع ماليس مستحق عليه وإذا تعدد الدائنون، كانوا مسؤولين على سبيل التضامن....". ثانيا : الحماية الجنائية في إطار تطرقنا للحماية المدنية للمستهلك المقترض تعرفنا على مقتضيات الفصل 878 من ظ.ل.ع الذي يحيل إلى إمكانية المتابعة الجنائية. وبالرجوع إلى مقتضيات مجموعة القانون الجنائي نجد الفصل 540 ينص على أنه يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الإحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر. وفي مجموعة القانون الجنائي دائما ينطق الفصل 552 بالآتي : "من استغل حاجة قاصر دون الواحدة والعشرين أو بالغا فاقد الأهلية أو محجورا، أو استغل أهواءه أو عدم خبرته، ليحصل منه على التزام أو إبراء أو أي سند يمس ذمته المالية، إضرارا به، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم." ولعل المشرع المغربي من خلال الفصل أعلاه فتح باب الحماية بكل مرونة إذ يكفي أن يكون المقترض محتاجا وعديم الخبرة أو المستغل الأهواء لينعم بحماية الفصل أعلاه. لكن الغريب في واقع الحال أن الكثير من عقود القرض تبرم كل يوم من طرف أشخاص جناة يستغلون حاجة المستهلك الذي يعيش ظروفا قهرية وعدم خبرته ليملون عليه شروطا تعجيزية ومجحفة دون دون أن يمنعهم في ذلك مقتضيات الزجر الواضحة في القانوني الجنائي لغيب الردع بنوعية العام والخاص. وحيث إن المقاولة التي تعتبر مؤسسة للإئتمان رغم ماتعرفه من فوائد تعسفية فعلى الأقل تحتمي بمقتضيات قانونية واضحة، لكن ماذا عن المؤسسات أو المقاولات التي تتجاوز قانون مؤسسات الإئتمان؟ بالرجوع إلى القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها نجد المادة 135 تنص على مايلي : - "يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 5000 إلى 100000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص عامل لحسابه الخاص أو لحساب شخص معنوي كما تنص المادة 136 من نفس القانون على الآتي : " يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 1.000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص : - يحترف بصفة اعتيادية، القيام بالعمليات المحددة في المادة الأولى أعلاه من غير أن يكون معتمدا قانونا باعتباره مؤسسة ائتمان. - يحترف بصفة اعتيادية، ومن غير أن يكون معتمدا قانونا لذلك مزاولة أحد الأنشطة المحددة في البنود 5 و6 و7 بالمادة 7 أعلاه. - ينجز عمليات لم تمنح المؤسسة المذكورة اعتمادا لأجلها.". ولعل كل الفصول المذكورة في هذا الموضوع تظل دون المستوى المطلوب الذي يتطلع له المستهلك المغربي سيما وأن أغلبها غير مفعل. ولذا يتبين الدور المهم الذي قد تلعبه جمعيات حماية المستهلك ومنها العصبة الوطنية لحماية المستهلك المغربي التي مافتئت تناشد كل المسؤولين والمعنيين لضرورة توفير الحماية الفعالة والمطلوبة حتى لايكون المستهلك ضحية للصراع الشرس الذي يرتكز عليه اقتصاد اليوم. ولهذا تظل ضرورة تدخل المشرع بنصوص قانونية واضحة ومستقلة ضرورة لامحيد عنها، ولعلها تتأتى إلا بالقانون الذي سال للمطالبة به مداد كثير وهو مدونة الإستهلاك.