الحكومة تعزي في وفاة ضحايا آسفي    تراجع ب5,7% في نفقات المقاصة    كأس العرب.. السكيتيوي يعلن عن التشكيلة الرسمية لمواجهة الإمارات    تمديد تعليق الدراسة بآسفي إلى الأربعاء    اجتماع استعجالي بآسفي لتقييم أضرار الفيضانات ودعم المتضررين بعد عشرات الوفيات    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    فيضانات آسفي.. 61 حالة استقبلتها مستعجلات مستشفى محمد الخامس    انعقاد مجلس للحكومة الخميس المقبل    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    البرلمانية الدمناتي تستفسر وزيرة المالية عن غياب الأثر الاقتصادي المباشر للدعم الحكومي على الفئات الفقيرة والهشة        كرة السلة المغربية تفتح صفحة جديدة    ميناء الناظور .. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    القوات المغربية والموريتانية ترتقي بالشراكة في التكوينات والتداريب العسكرية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. برنامج مباريات المجموعة الثانية    تقرير: ملايين المسلمين في بريطانيا عرضة لخطر سحب الجنسية    عشرات التوقيعات للمطالبة بالحرية ل"بوز فلو" ووقف متابعة الفنانين بسبب تعبيراتهم    حقوقيون يعددون مظاهر "التهميش" الذي تعاني منه مدينة ميدلت    أسعار صناعات التحويل تزيد بالمغرب    الدولار يستقر قرب أدنى مستوى له    كأس إفريقيا 2025: المغرب يرسخ معايير جديدة بتخصيص ملاعب تداريب حصرية لكل المنتخبات    الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ينتخب مجلس إدارة جديد بقطر        "لارام" تُوسع شبكتها الجوية ب10 وجهات جديدة ابتداء من 2026    "البيجيدي" ينتقد توزيع الدعم على الفلاحين الصغار بمنطق الولاءات السياسية والانتماء الحزبي    "شبهة داعش" تحيط بهجوم أستراليا    ضبط مخربين في الرباط والدار البيضاء    التامني: آسفي طالها الإهمال والنسيان والفساد لا يسرق المليارات فقط بل أرواح المواطنين    فيدرالية اليسار الديمقراطي بآسفي تُطالب بفتح تحقيق بعد فاجعة الفيضانات    إعلام إسرائيل يكشف تفاصيل عن حاخام قتل في هجوم سيدني وعلاقته بحرب غزة    بروكسل توسع عقوبات السفن الروسية    هولندا تعتقل محتجين على منشد جيش إسرائيل    البابا يحذر أجهزة المخابرات من إساءة استخدام برامج التجسس وتأثيرها على الحريات والديمقراطية    ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً ينظم قواعد الذكاء الاصطناعي    سيول آسفي ترفع حصيلة الضحايا إلى 37 وفاة واستنفار متواصل للسلطات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    رافينيا يحسم مستقبله مع برشلونة بقرار مثير: "لن أغادر الفريق قبل التتويج بدوري أبطال أوروبا"    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    محطة القطار "الرباط الرياض" تفتتح تأهبا لاستقبال كان المغرب    طقس عاصف يوقف الدراسة بالمضيق-الفنيدق    من المعبد إلى المدرّج: كرة القدم بوصفها دينا ضمنيا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    الرباط تحتضن مهرجان "ربادوك" للسينما الوثائقية    انتخاب محمد شويكة رئيسا للجمعية المغربية لنقاد السينما    أكادير تحتفي بعشرين سنة من تيميتار: دورة إفريقية بامتياز تسبق كأس أمم إفريقيا وتجمع الموسيقى الأمازيغية بالعالم    من شفشاون إلى الرباط: ميلاد مشروع حول الصناعة التاريخية    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية المتواترة
لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه (تابع)
نشر في العلم يوم 03 - 12 - 2009

آخر ما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة كما لاشك تذكرون هو قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه وأرضاه للفظ »عورة« الموجود في سورة الأحزاب، الآية 13 وهي الآية التي تقرأها الجماعة كما يلي: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لامقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إنَّ بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا).
رأينا أنه هو يقرأها هكذا: »وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا«؛ قرأ اللفظ الذي تقرأه الجماعة: »عورة « بفتح العين وسكون الواو هكذا: »عورة« بكسر الواو، ثم بعد ذلك، قمنا بتخريج هذه القراءة مبينين المعاني التي توحي بها، متوجين كل ذلك بالتعليقات القيمة التي قدمها لنا ابن جني، رحمه الله.
وأواصل اليوم، بعون الله وقوته البحث فيما بقي من قراءته فأقول متوكلا عليه سبحانه وتعالى:
قرأ، رضي الله عنه وأرضاه في سورة الأحزاب الآية 20 التي يقرأها الناس كما يلي: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودو لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا«؛ أقول: هو يقرأها هكذا: »يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بدى في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا«.
قرأ قوله تعالى: »بادون في الأعراب« الذي تقرأ به الجماعة قرأه هو:
»بدّىً في الأعراب« شديدة الدال منونة.
الملاحظ هنا الذي يحسن أن نثير إليه انتباه إخواننا الأعزاء المتتبعين لهذه الحلقات هو أن لا أحد من السادة القراء شارك، على الأقل في علمي المتواضع، عبد الله بن عباس في قراءته لهذه اللفظة.
وعلى كل ف»بُدّّىً« هذه جمع بادِ، ونظيره قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران في الآية 156: »أوْ كَانُوا غُزَّى« جمع غاز على »فُعَّل«؛ لكن لو كان على فُعَّال« بمد العين لكان بُدَّاء وغُرَّاء ككاتب وكُتَّاب وضاربِ وضُرَّاب؛ ولله در الأصمعي حين أنشد:
وأنا في الضراب قِيلانُ القُّلّة
»القيلان« جمع »القال« وهي لعبة للصبيان: يأخذون عودين أحدهما طوله نحو ذراع والآخر قصير، فيضربون الأصغر بالأكبر. ف»القال« العود الأكبر الذي يضرب به؛ وهو أيضا »المقلاء«. وأما »القلة« فهو العود الأصغر. وأصل »القال«: القلا، لأنه من قلوت بالقلة، فوزنه (فلع) ووزن »القيلان« (فلعان).
كما قرأ، رضي الله عنه وأرضاه في سورة سبأ الآية 14 التي يقرأها الجمهور كما يلي: »فلما قضينا عليه الموت ما دلَّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته فلما خرَّ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين« قرأ »فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منْساته فلما خر تبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين«؛ جعل »الإنس« مكان »الجن«، أي تبينت الإنس أن الجن لو علموا بذلك ما لبثوا في العذاب. يدل على صحة هذا التأويل ما رواه معبد عن قتادة، قال: في مصحف عبد الله: »تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين«.
شاركه في هذه القراءة، رضي الله عنه كل من الضحاك وأبي عبد الله وعلي بن الحسين.
كما قرأ، رضي الله عنه وأرضاه في نفس السورة، سورة سبأ الآية 19 التي يقرأها الجمهور كما يلي: »فقالوا ربَّنا باعِدْ بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزَّقناهم كل ممزَّق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور«؛ أقول قرأها هو: »فقالوا ربنا بَعَّدَ بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزَّقناهم كل ممزّق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور«، فرفع باء: »ربُّنا« على الخبر وفتح الباء من: »بعَّدَ« والعين ونصب النون من »بيْن«.
شاركه في قراءته هذه محمد بن علي بن الحنفية وابن يعمر بخلاف والكلبي وعمرو بن الفائد.
ولابن عباس قراءة أخرى لهذه اللفظة، هي: »رَبَّنا باعَد بين أسفارنا«. شاركه في هذه القراءة أيضا ابن يعمر ومحمد بن علي وأبو رجاء والحسن البصري لكن بخلاف عنه وأبو صالح وسلام ويعقوب وابن أبي ليلى والكلبي. وقرأ: »ربَّنا بَعُدَ« بفتح الباء والدال وضم العين،: »بين أسفارنا« بضم باء »بيْنُ« ابن يعمر وسعيد بن أبي الحسن ومحمد بن السميفع وسفيان بن حسين بن حسن السلمي والكلبي، لكن بخلف عن هذين الأخيرين، أما »بعَّد« و»باعَد بين أسفارنا« فإن »بيْنَ« فيه منصوب نصب المفعول به، كقولك: بعَّدَ وباعَدَ مسافة أسفارنا، وليس نصبه على الظرف؛ دليل ذلك قراءة من قرأ: »بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا«، كقولك: »بَعُدَ بيْنُ أسفرنا«.
يعتقد بعض اللغويين أن أصل »بَيْنَ« مصدر بأن يبين بيْناً ثم استعملت ظرفا اتساعا وتجاوزا ثم استعملت واصلة بين الشيئين؛ وعليه قراءة من قرأ الآية 94 من سورة الأنعام: »لَقدْ تقطَّع بينكم« بالرفع؛ أي بالوصل.
وقرأ، رضي الله عنه وأرضاه في نفس السورة، سورة سبأ الآية 23 التي يقرأها الجمهور كما يلي: »ولا تَنْفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزعَ عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم، قالوا الحق وهو العلي الكبير« يقرأها هو: »ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزَّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير«؛ قرأ »فَزَّع« مشددا مبنيا للفاعل من الفزع، وقرأ الحسن البصري كذلك إلا أنه خفف الزاي، وقرأ عبد الله بن عمر والحسن البصري أيضا وأيوب السختياني وقتادة وابن مجلز: »فُرِّغ« من »الفراغ« مشدد الراء مبنيا للمفعول.
ذكر لنا محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي في الجزء السابع من تفسيره »البحر المحيط«، صفحة 266 قراءة لم أكن أعلمها، بل لم يخطر ببالي أن يقرأ بها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود؛ قال أبو حيان: »وقرأ ابن مسعود وعيسى: »افْرنْقَعَ عن قلوبهم« بمعنى انكشف عنها، وقال تفرق »ثم نقل لنا ما قاله الزمخشري في الموضوع فقال: »وقال الزمخشري والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين...«.
وقرأ كذلك، رضي الله عنه وأرضاه في سورة يس الآية 9 التي تقرأها الجماعة كما يلي: »وجعلنا من بين أيديهم سَدّاً ومن خلفهم سَدّاً فأغشيناهم فهم لا يُبصرون«؛ قرأها هو: »»وجعلنا من بين أيديهم سَدّاً ومن خلفهم سَدّاً فأعشيناهم فهم لا يُبصرون«؛ أي: أدى »فأغشيناهم« بالعين لا بالغين كما هي في المتواتر.
و»أعشيناهم« منقول من عَشِي يَعْشَى: إذا ضعف بصره فعَشِيَ وأعْشيْته كعمي وأعميته.
أما قراءة العامة: »فأغشيناهم« فهو على حذف المضاف، أي: فأغشينا أبصارهم: جعلنا عليها غشاوة.
يغتنم اللغوي الكبير ابن جني دائما مثل هذ الاختلاف في الإقراء ليوضح نظريته اللغوية العظيمة التي اشتهر بها وهي، بكل إيجاز، »الحرف القوي يعبر عن المعنى القوي والحرف الضعيف يعبر عن المعنى الضعيف، والضم في اللفظة يعطي قوة أكثر من الفتح في نفس اللفظ والكسرة اضعف من الفتحة والحرف المنقوط في اللفظ أقوى من نفس الحرف غير المنقوط والواو يكسب للفظ قوة أكثر مما تكسبه له الياء«.
يقول ابن جني معبرا عن هذا: ينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي معناها مع غ ش و، وذلك ان الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو وما على القلب بالياء من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب لأن ذلك غائب عن العين وإنما استدل عليه بشواهده لابشاهده ومعاينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.