في وقت يعم فيه الصمت، ويغلب فيه الخوف من إدانة القوي، خرج صوت الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ليكسر هذا الجمود الأخلاقي. لم تكن كلماته عابرة، ولم تكن خطابًا دبلوماسيًا عاديًا، بل كانت صرخة ضمير حرة في وجه سياسات القمع والتجويع، حيث وصف ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة بأنه "من اللاإنسانية"، مؤكداً أن تجويع الأطفال والمسنين أمر لا يمكن للعقل أو القلب أن يقبله. جاء هذا التصريح خلال حفل رسمي بمناسبة يوم الجمهورية الإيطالية، بحضور ممثلين عن عشرات الدول والمنظمات الدولية، ليمنح هذا الموقف بعدًا رمزيًا كبيرًا. فالرئيس لم يخاطب فقط شعبه، بل خاطب العالم بأسره، أمام من يمثلونه. قالها بصوت واضح: "من غير الإنساني أن يُحكم على شعب بأكمله، من الصغار إلى المسنين، بالجوع". بهذه العبارة، وضع ماتاريلا إصبعه على الجرح الفلسطيني المفتوح منذ أكثر من سبعة أشهر، جرح لم يُترك فقط ليفتح، بل تُرك لينزف حتى الجفاف. غزة اليوم محاصرة، معزولة عن العالم، وقد أُغلقت معابرها منذ مارس الماضي بشكل شبه كامل، وتُمنع عنها المساعدات الإنسانية بشكل ممنهج. لا طعام، لا دواء، لا ماء، والمجتمع الدولي – أو معظمه – يراقب بصمت أو يتحدث بلغة باردة تقف على الحياد بين الضحية والجلاد. في هذا السياق، يصبح صوت مثل صوت الرئيس الإيطالي حدثًا نادرًا يستحق التوقف عنده، لأن الصمت لم يعد موقفًا محايدًا، بل صار تواطؤًا.