لقد شكلت مسألة انتظامية الاستحقاقات الانتخابية إشكالية حقيقية في تعزيز دعائم المسار الديمقراطي وعرقلة في تطوير التجارب النيابية وتحصين الممارسة البرلمانية مما قد تعترضها من اختلالات وشوائب بالبلاد. وهكذا ، تعثرت أول تجربة نيابية عرفتها البلاد في 1963 في مهدها بإعلان حالة الاستثناء في 7 دجنبر 1965 لتدخل البلاد في أزمة سياسية حادة وخانقة وغياب المؤسسة التشريعية إلى سنة 1977 لتنطلق ولاية نيابية ثانية التي انتهت قانونيا في 1983، حيث كان من المفروض أن تجرى الانتخابات الخاصة بالتجربة النيابية الثالثة في 1983، ولكن الاستحقاقات الانتخابية تم تأجيلها إلى سنة 1984 بعد سنة تشريعية بيضاء تحمل خلالها الأمناء العامون للأحزاب السياسية مسؤولية وزراء دولة بدون حقيبة، وفي الوقت الذي كان من المفروض فيه أن تنتهي هذه الولاية النيابية سنة 1990، تم تمديدها سنتين وما أثار ذلك من نقاش واسع وردود فعل متباينة بشأن مدى مشروعية هذا التمديد وبدورها، توقفت الولاية التشريعية 1993 1998 في طريقها بقرار اجراء انتخابات سابقة لأوانها في 12 نونبر 1997 فرضته متطلبات انطلاق حكومة التناوب التوافقي، حيث ثم افتتاح السنة التشريعية خارج أحكام الدستور التي بمقتضاها «يرأس الملك افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر». وإذا كانت انتظامية الاستحقاقات الانتخابية قد أخذت مسارها الطبيعي منذ الولاية التشريعية السابعة 2002 2007 في عهد حكم الملك محمد السادس، فإن الأحداث السياسية المتسارعة التي عرفتها البلاد في ظل ربيع الديمقراطية العربي وما واكبها من إجراءات استباقية لتحصين «الاستثناء المغربي» والاستجابة لمتطلبات المرحلة ومواكبة تحدياتها، بدأ الحديث عن انتخابات سابقة لأوانها في ظل الولاية التشريعية 2007 2012 خاصة بعد الاستفتاء الدستوري الذي جرى يوم فاتح يوليوز الجاري، حيث يتساءل الرأي العام الوطني والدولي، ماذا بعد التصويت على الدستور المراجع الجديد مادام الدستور ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتحقيق اختيارات وتوجهات معينة وهل ستظل المؤسسات الدستورية المنتخبة قائمة في ظل الدستور المعدل، بما فيها الجماعات القروية والحضرية، مجالس العمالات والاقاليم، المجالس الجهوية، الغرف المهنية، البرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين بعدما عرفت هذه المؤسسات تغييرات جوهرية من حيث هيكلتها واختصاصاتها؟ في هذا الإطار، نص الفصل 176 من الدستور المراجع في بابه الرابع عشر المتعلق بأحكام انتقالية وختامية على استمرار مجلسي البرلمان القائمين حاليا في ممارسة صلاحياتهما، سيقوما، على وجه الخصوص، باقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلس البرلمان الجديدين إلى حين انتخاب مجلس البرلمان المنصوص عليهما في الدستور المراجع الجديد، وذلك دون الاخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور التي بمقتضاها «يحق للملك حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير» «بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين» كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 96 من الدستور. وهذا يعني أن الفترة الانتقالية التي فرضها التصويت على الدستور كما عبر عنها الفصل 196 تحتمل فرضيتين آنيتين: - إما استمرار المؤسسات الدستورية المنتخبة القائمة في ممارسة مهامها إلى حين انتهاء الولاية التشريعية الحالية وإجراء الانتخابات التشريعية العادية في سنة 2012 ، تليها بقية الاستحقاقات الانتخابية الخاصة بالجماعات المحلية والغرف المهنية ومجلس المستشارين، وبالتالي جعل سنة 2012 سنة الاستحقاقات الانتخابية حتى يكون افتتاح السنة التشريعية 2013-2012 في موعده الدستوري وبمؤسسات منتخبة جديدة تواكب أحكام الدستور المعدل. - وإما اللجوء إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها مع مايتطلب ذلك من تحديات ليس فقط على مستوى توفير الأرضية القانونية المناسبة، وفي مقدمتها القوانين الإنتخابية، ولكن أيضا على مستوى التأهيل البرلماني وعلى رأسه إفراز النخبة البرلمانية القادرة على تطوير الأداء البرلماني وتحسينه في ظل المهام والاختصاصات الجديدة المخولة للبرلمان، خاصة بالنسبة لمجلس النواب، وكذا إقرار أغلبية نيابية منسجمة تنبثق عنها حكومة متجانسة قوية لممارسة الصلاحيات الموكولة إليها بمقتضى الدستور الجديد. في هذا السياق، أجد نفسي مضطرا للتساؤل: لماذا الحديث وبإطناب كبير عن تأجيل الانتخابات التشريعية مادام المرسوم الذي بموجبه يتم تحديد تاريخ الاقتراع والمدة التي تقدم خلالها الترشيحات وتاريخ بدء الحملة الانتخابية ونهايتها لم يصدر بعد ولم ينشر في الجريدة الرسمية كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 44 من مدونة الانتخابات. وهنا نستحضر أيضا «تعليمات جلالة الملك للحكومة، قصد العمل، في إطار من التشاور الواسع والتوافق البناء، على أن تكون مدونة الانتخابات معتمدة ومعروفة قبل سنة من موعد الاقتراع» كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2006-2005. ولاشك أن تفعيل أحكام الفقرة 2 من الفصل 2 من الدستور المراجع التي بمقتضاها:«تختار الأمة ممثيلها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم» سيضع انتظامية الاستحقاقات الانتخابية في سكتها الصحيحة والسليمة بما يضمن إعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي.