ينص الفصل 533 من القانون الجنائي المغربي على أنه من ركب سيارة أجرة وهو يعلم أنه يستحيل عليه مطلقا أن يدفع أجر مقعده، يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. إن الدراسة التحليلية لهذا الفصل تؤكد رغبة المشرع في حماية الاستثمار في مجال النقل على اعتبار أنه خدمة ذات منفعة عامة، لذلك اعتبر المشرع الجنائي أن كل نشاط أو تصرف من شأنه أن يقوض دعائم هذا الاستثمار يجب أن يجابه بالردع، ويصدق مفهوم سيارة الأجرة في هذا الفصل على كل وسائل النقل البرية العمومية كسيارات الأجرة والحافلات بمختلف أنواعها سواء تلك الرابطة بمختلف النقط داخل المدينة أو تلك الرابطة بين مختلف الجهات داخل المملكة. والجدير بالتنبيه أن الصيغة الفرنسية للفصل المذكور قبل تعديله تنص على أن كل شخص يعلم بأنه لا قدرة له مطلقا على الأداء، يأخذ على سبيل الكراء مقعدا بسيارة يعاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة من 120 إلى 500 درهم(1). وعلى هذا الأساس فإن الجنحة المعاقب عليها بمقتضى هذا الفصل لا تخص سيارة الأجرة الصغيرة أو الكبيرة فقط وإنما كل ناقلة برية مفتوحة للعموم، ويخرج من ضمنها الناقلات الجوية أو البحرية لأن الولوج إليها يتم عن طريق الحجز المسبق. ويؤكد الفصل 533 على أنه لقيام جريمة الانتفاع من خدمة ناقلات الأجرة لا بد من تحقق الأركان التالية: - 1) الركن المادي، ويتمثل في امتطاء الجاني لسيارات الأجرة من أجل الوصول إلى المكان الذي يرغب في الاستقرار فيه مؤقتا أو على سبيل الدوام. والصورة المعمول بها في هذا المجال أن يوقف الجاني سيارة الأجرة أو إمتطائه للناقلة العمومية المتوقفة في مكان الوقوف المخصص إليها ويأخذ مقعده فيها، أي أن يحجز ماديا مكانا له في الناقلة. وغني عن البيان أن الأمر سيان في مفهوم هذا الفصل أن يجلس الجاني في المقعد أو أن يقف في انتظار خلو أي مقعد من راكبه، خاصة أنه في وسائل النقل العمومي كثيرا ما يتورع السائق في تجاوز المقاعد القانونية، ويسري هذا الأمر على الحافلات أو سيارات الأجرة ولاسيما الكبيرة منها. والتساؤل المطروح هو هل يصدق هذا الأمر حتى بالنسبة للنقل السري أو غير القانوني، وكذا بالنسبة للنقل المزدوج؟ ذلك أنه في المناطق القروية كثيرا ما نجد سيارات مترهلة وقديمة تقوم بنقل البشر والحيوان داخل الدواوير ومنها إلى غيرها، حيث تجد كراسي مخصصة لنقل الآدمي وأماكن أخرى لنقل الحيوان أحيانا يختلط البشر بالحيوان حسب العدد. وهذا النوع من الحافلات إما أن يكون مرخصا أو غير مرخص، ونفس الأمر يتأكد بالنسبة للسيارات الخفيفة التي يشغلها أصحابها في نقل المواطنين في غياب التغطية القانونية لحاجياتهم من النقل سواء من أجل التبضع أو لأسباب شخصية متنوعة. في اعتقادنا أمام الدور الاجتماعي لهذه الوسائل في القرى والمناطق النائية وممارستهم لأنشطتهم أمام أعين رجال المراقبة والسلطة المحلية والمنتخبة، وفي بعض الأحيان بمشاركتهم يتعين تمديد مفهوم وسائل نقل الأجرة إلى هذه الوسائل، لأنها لا تقوم بعمل تطوعي أو النقل بالمجان، وإنما بنية تحصيل مقابل الخدمة. - 2) الركن المعنوي: يتمثل في وجود إرادة آثمة، ولا يستقيم هذا الإثم إلا مع توفر الجاني على الأهلية الجنائية التي تسمح بإسناد الواقعة الإجرامية إلى إرادته(2). والحاصل أنه لا يمكن إسناد الركن المعنوي للجريمة، إذا كان الجاني لا يتمتع بالأهلية الجنائية. والمقصود بالركن المعنوي هنا القصد الجنائي الخاص، أي توفر النية الإجرامية الخاصة في امتطاء ناقلة الأجرة دون أداء الأجر، مع تمتع الجاني بالعقل والإدراك والتمييز وحرية الاختيار، وبمعنى أدق الرشد الجنائي (18 سنة) مع خلو الشخص من موانع المسؤولية. وإذا انعدمت هذه الأسباب قامت موانع الأهلية الجنائية وبالتالي تجردت الإرادة من قيمتها القانونية، وانتفى الركن المعنوي وانهدم أهم ركن من أركان الجريمة، وتتخلف النتيجة الإجرامية ومفهومها القانوني. والتساؤل المطروح في هذا السياق هو هل المحاولة معاقب عليها؟ أي في الحالة التي يصعد الراكب إلى الناقلة ويكتشف أمره قبل انطلاقها؟ ينص الفصل 115 من مجموعة القانون الجنائي على أنه لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون. وعليه فإنه أمام غياب هذا النص فإن المحاولة لا عقاب عليها، لذلك فإن المراقبين في الحافلات العمومية لا يقومون بمهامهم إلا بعد تحرك هذه الأخيرة وبالتالي تقوم الجريمة، إلا أن هؤلاء عوض اللجوء إلى المحاكم لردع الجناة يكتفون بمطالبة الجاني بأداء ضعف الأجرة. ومجمل القول يتعين على العموم الاستنكاف عن ركوب الحافلات العمومية وسيارات الأجرة إذا كانوا يعلمون أنهم غير قادرين على أداء الأجرة تحت طائلة المساءلة الجنائية والأخلاقية. هوامش (1) تم رفع الحد الأدنى للغرامات الجنحية إلى 200 درهم بمقتضى الفصل الثاني من قانون رقم 3.80 المغيرة بموجبه مقتضيات القانون الجنائي، الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.283 بتاريخ 6 ماي 1982 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3636 بتاريخ 7 يوليوز 1982، ص 835. (2) سامي النصراوي: «النظرية العامة للقانون الجنائي» الجزء الأول، الطبعة الثالثة، السنة 1991 ص 153.