»أنا رجل على قيد الحياة، ولهذا فأنا روائي. ولأني روائي، فأنا أرفع من القديس والعالم والفيلسوف والشاعر، وكلهم ضليعون في جوانب من الإنسان الحي، إلا أنهم لا يقبضون على ناصيته. فقط في الرواية؛ كل شيء يأخذ دوره كاملا...« - لورانس تقوم رواية »الموريسكي« في حدها التخييلي على فكرة بسيطة ورشيقة، لكنها موغلة في التأمل والتدخل وعمق الرؤيا. فقد استلهم الكاتب مادته الحكائية من سيرة من التاريخ الواقعي، أنجز في ضوئها رواية شديدة الكثافة، ضخ فيها رؤى وتأملات ورحلات في الوعي والإنسان والتاريخ والذات والأشياء، وأقحم القارئ في سياق إنساني شاسع وممتد، يتاخم المكان واللامكان، ويكاشف الزمان واللازمان. ولعل هذه اللمسة التاريخية الواعية، مع ما تخللها من حيل سردية وأبعاد إنسانية ممتدة، نأت بالرواية كثيرا عن خندق الطابو التقليدي وارتقت بها إلى مدارج خط جديد وعميق؛ خط يحاور الماضي بهموم الحاضر والمستقبل، ويسائل الحاضر والراهن من خلال تأمل في دورة التاريخ وفي الإنسان وقضاياه الوجودية الكبرى في كل الأزمان، وبحثه الدؤوب عن الخلاص . هذا الخط الجديد كان قد شقه أمبرتو إيكو في رواية »إسم الوردة«، وسار على نفس المنوال يوسف زيدان في رواية »عزازيل«"وواسيني الأعرج في »البيت الأندلسي«، وها هو "حسن أوريد" يتلمس نفس المسار في رواية »الموريسكي«، مع تمايزات، طبعا، في القضايا والدوافع والمرجعيات والتجربة الإبداعية والرؤى . إن رواية "الموريسكي" تستمد أهميتها وقيمتها من راويها وقضيتها وكاتبها، أما الراوي فهو »أحمد شهاب الدين أفوقاي«، وأما القضية فهي قضية الموريسكيين ومعاناتهم الإنسانية في ظل محاكم التفتيش، وأما الكاتب فهو حسن أوريد؛ المفكر والسياسي المغربي الذي تقلد مناصب رفيعة في الدولة، أهلته لأن يكون شاهدا على عديد من الأحداث والوقائع، ومُلما بكثير من تفاصيل الشأن السياسي وكواليس الدولة، شأنه شأن أحمد شهاب الدين. من هنا نفترض أن تشابه بعض الجوانب بين الراوي والكاتب يجعلهما صوتا وصدى، ويبرزهما صورة وانعكاسا، ويبوئهما موقع الشاهد على عصرين، وبالتالي تغدو الرواية متسمة بالتداخل والحركية والحيوية والآنية والامتداد والتصوير والتأمل الشاسع السلس. وفي هذا التداخل بين الصوتين نفترض أن الواقعة التاريخية في الرواية كانت مجرد وعاء لتمرير رؤى تنفلت من رقابة الزمن وتعبث فيه طولا وعرضا. وهكذا نعتبر أن رواية »الموريسكي« على الرغم من تركيزها التاريخي فإنها تمتد وتتمطط لتعانق ما هو إنساني. فكيف تبلورت جدلية التركيز/ الامتداد في النص؟ ذلك ما سنحاول رصده في محاور هذه القراءة...