ما بين رفض بعض شركات التأمين التعامل مع المساجد نتيجة المخاوف المتزايدة لديها باحتمال تعرضها لاعتداءات كونها "منبت التيارات المتشددة"، على حد زعمها، وامتناع عدد من المجالس عن منح تراخيص البناء بحجة عدم ملاءمة الكثير من التصاميم للواجهة العمرانية للمدن، أو التشكك في انتماءات أصحابها، تواجه قبور المسلمين ومساجد فرنسا ورموز الإسلام بها حملة اعتداءات واسعة دفعة واحدة، كعنوان لمظاهر التحقير للمسلمين وإنكار حقهم في ممارسة طقوسهم في إطار من التعايش والاندماج.. فلم تخمد بعد موجة الغضب والغليان التي رافقت قبل شهرين تدنيس مسجد "بلال" بعد أن كتب مجهولون على جدرانه الخارجية عبارات معادية للمسلمين ورسموا صلبانا معكوفة نازية، حتى استيقظت مدينة إيستر، جنوبفرنسا، قبل خمسة أيام على اعتداء شنيع على مسجد الرحمة الذي تعرض لحوالي ثلاثين طلقة رصاص من قبل مجهولين، فيما باشرت الشرطة تحقيقاتها لكشف ملابسات الحادث الذي تزامن أيضا مع إطلاق 23 رصاصة من بندقية كلاشينكوف على مجزرة إسلامية بمدينة مرسيلية.. وإذا كان الخوف من مساجد فرنسا قد تجاوز اليوم مرحلة عرقلة مشاريع بنائها إلى الهجوم عليها حتى وإن كانت معروفة باعتدال أصحابها، فإن هذا الخوف قد امتد إلى الموتى من المسلمين القابعين في القبور بعد أن ضحوا بحياتهم من أجل كرامة وحرية فرنسا. فقد قام مجهولون قبل ثلاثة أيام بتدنيس نصوب تذكارية لجنود مسلمين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك بالمربع العسكري بمقبرة تاراسكون، في عدوان يحمل بصمات جماعة معادية للمسلمين وصفته الحكومة الفرنسية ب"الجبان"، فيما أعرب وزير الدفاع الفرنسي عن سخطه أمام هذا العمل "الشنيع والجبان" الذي"استهدف عمْدا المسلمين بسبب إيمانهم". وأمام تكرار عمليات التدنيس، قررت الحكومة في السنة الماضية نصب كاميرات تعمل بالطاقة الحرارية لمراقبة مدافن المسلمين في مقبرة "نوتر دام دو لوريت" شمال فرنسا. وقد نصبت الكاميرات والحواجز أمام مدخل المقبرة بعد قيام مجموعات متطرفة قبل نحو عام، برسم نقوش نازية وصلبان معقوفة على حوالي 576 قبرا بمقبرة نوتردام دو لوريت التي تأوي المسلمين المشاركين فى الحرب العالمية الأولى. وقد أقيمت المقبرة على موقع لإحدى المعارك التي قتل فيها عدد كبير من الجنود المسلمين بين عامي 1914 و1915. وسبقت هذا العدوان أعمال تدنيس أخرى اتسمت بتغطية نفس المدافن بكتابات نازية مثل "هاي هتلر" و"حليق الرأس لم يمت" ورسوم للصليب المعقوف، وذهب العدوان إلى حد رسم نقوشات تسيء للرسول الكريم، وتعليق رأس خنزير على إحدى المقابر. هكذا تتجلى مظاهر الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين كواقع يجسد أبشع نماذج الإهانة التي أصابت اليوم أناسا ماتوا من أجل أن تحيي فرنسا. ويأتي الإعلام الفرنسي بمختلف اتجاهاته ليجعل من الإسلام والمسلمين مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه في غياب شبه تام لإعلام إسلامي في فرنسا يدافع عن المسلمين.. وبغض النظر عن ردود الفعل الاستنكارية التي ليست لها أية قيمة عملية حقيقية على اعتبار أنها تتفاعل مع الحدث في لحظته وآنيته دون أن تتجاوز تعقيداته المختلفة التي قد تفضي إلى صياغة رؤية شمولية لمعالجته، فإنه من اللازم تناول هذه الأفعال الإجرامية عبر طرح مجموعة من الأسئلة المؤرقة التي لم تلق حتى الآن الجواب الشافي لا من قبل مؤسسات الدولة بأجهزتها الرسمية أو التمثيلية ولا من طرف الفاعلين الحقوقيين والجمعويين ولا حتى من المنظمات المناهضة للعنصرية : ما هي الجهات التي تقف وراء هذه الأعمال التي تطال المسلمين في قبورهم ومساجدهم وحتى رموزهم؟ ما هي خلفياتها وما هي نوعية الرسائل التي يمكن أن تحملها وحجم مسئولية الدولة الأحزاب وفعاليات المجتمع الفرنسي ثقافية كانت أم دينية؟ أول ما يصدمنا تحت ثقل هذه التساؤلات هو أن كلمة "الإسلام" ارتبطت بشكل راسخ في الوعي الفرنسي بالتطرف والإرهاب.. أمثلة كثيرة تكرس هذا الواقع سواء في الشارع حيث نظرات الاحتراس والشكوك تطارد العربي من كل جهة، أو في وظائف الدولة حيث إقصاء الاسم العربي، في الكثير من الحالات، من قاموس التوظيفات أو حتى في الكتب والمؤلفات وفي معظم الكتابات الصحفية التي لا تقترح على القارئ سوى الصور المرتبطة بالإرهاب، بينما لا تنطق الإصدارات المتعلقة بإسرائيل سوى بالشتات والمحارق ومعاداة السامية، فيما أصبح التهجم على الإسلام سلوكا يجنب صاحبه أدنى عقاب ما دام يدخل في إطار حرية التعبير.. وفي ظل الخلط عند بعض الفرنسيين بين التطرف والإسلام، تبقى فرص تحقيق اندماج فعلي وفاعل للجالية المسلمة بعيدة المنال، وتبقى آمال اقتلاع العنصرية حلما لن يتحقق على الأقل في المدى القريب.