استفاقت السيدة دامية متعرقة الجسد من حلمها الغريب، كان أحدهم يصوب نحو وجهها مطرقة حديدية، ظل المطرقة الشديد السواد كان اخر شيء رأته متوجها نحوها قبل أن تستفيق، هل أصيبت في الحلم؟ تحسست وجهها بفزع شديد، فزع يؤكد أنها كانت على مسافة قليلة من …حدوث الأمر. بمشية مائلة الأرداف، وبقدمين حافيتين، توجهت نحو المطبخ بملابس نومها الخفيفة المبللة تماما بالعرق، محاولة طرد الكابوس من ذهنها الغير الصافي بسبب قلة النوم وأحلامها الغريبة، كان تطرد أيضا البرد الذي يعض ذراعيها البضتين دون سبب رغم حرارة فصل الصيف، سيدة في الأربعين بجمال يلفت لها الأنظار أينما حلت، متصالحة مع العمر والحياة بآمالها وآلامها، لا تزعجها المراكب التي فاتتها ولا الأحلام التي تكسرت بعدما تحققت، ولا الرجال الذين ينتظرون منها الخطوة والأولى والثانية.. لا يشغلها شيء في الوقت الراهن غير أرقها وأحلامها التي تريد أن تنتقل لعالم الواقع….أشعلت التلفاز لتطرد الصمت القاتل حولها في هذه العمارة التي لا يسكنها غير المتقاعدين… أعدت قهوة خفيفة ارتشفتها ببطئ وهي تتابع الأخبار على قناة «العربية»، بعدما هجرت القنوات الفرنسية التي أصبحت تحتقر تغطيتها المنحازة للأحداث، مرت كثير من الأخبار التي تهمها وحتى تلك التي لا تهمها، كثير من العنف والظلم الذي لا يمكن لأحد، غير الله، إيقافه. الشر بكل مكان رددت قبل أن تنطلق رصاصة من التلفاز نحو رأسها، أحست بأزيزها يمر قريبا من أرنبة أذنها، اسقطت من خوفها كوب القهوة، وخمنت بأنها لا زالت قطعا في حلمها وأن عليها العودة للسرير كي تستيقظ وتنهي هذه الهزات من الأدريالين التي قد تقضي عليها وهي نائمة…. لم تفوت النظر للخارج عبر نافذة الصالون العريضة المضاءة اللحظة بشمس الصباح، غمر الضوء فجأة عيونها الواسعة العسلية فأغلقتهما مبتعدة، واستغربت أن الحلم حقيقي لهذه الدرجة، لم يفتها أيضا أن تتفحص حجم الرصاصة التي أحدثت ثقبا كبيرا في الحائط، وفوضى عارمة على الزربية المديونية الجميلة التي ورثتها عن والدتها ، لمست بأصابعها البيضاء الطويلة الغبار المتناثر واستغربت ثانية كيف يمكن لحلم أن يكون حقيقيا لهذه الدرجة، تراها تجن؟ ألقت بجسدها على السرير وطعم القهوة ما زال لذيدا على شفاهها وبين أسنانها، حاولت العودة للنوم لكن أرقها جعل من المستحيل حدوث ذلك، اعترفت لنفسها بأنها عالقة في مكان ما بين اليقظة والحلم ….كان عليها فعل شيء لتستفيق، حاولت غسل وجهها، فتحت الصنبور فتحول الماء فجأة لموجة كبيرة غمرتها بالكامل، واخذتها لأعمق مكان فيها، هل هي النهاية؟ استفاقت من جديد على بعد مسافة من الغرق، مبللة من جديد وطعم الملح في شفاهها، شعرت بإرهاق شديد من هذا الحلم الذي طال وتكرر لأكثر من ثلاث مرات، في فجر ليلة واحدة….هل تقترب من الجنون حقا كما يحدث منذ أجيال في عائلة والدها؟ عادت مرعوبة لفراشها ابتلعت بعض أقراص النوم، قفزت قطتها السوداء لحضنها، تساءلت هل القطة جزء من الحلم؟ بدأت تمرير يدها، التي برزت عروقها منذ زمن بعيد دون سبب واضح، على فرو القطة الناعم ، خرير القطة يرتفع برفق، بدأت الأشياء تستعيد مكانها المنطقي بداخلها، يرسم الخرير دوائر وطريقا تقطعها المرأة نحو النوم، دقائق فقط وتستيقظ بهدوء، ربما كانت السابعة حينها، تضع المرأة حليبا للقطة الجائعة تنظف بقايا الغبار على السجادة الثمنينة، تضع المطرقة الحديدية في الخزانة السفلى للمطبخ، تفتح نافذة الغرفة المضيئة، تعيد تسخين قهوة الصباح الغريب، وتحت الدوش تغتسل من العرق والبلل والفزع وأحلامها العنيفة، وترش بعض الأماني الطيبة وأدعية الصباح على روحها قبل مغادرة البيت متجهة نحو المستشفى حيث ستبدأ مناوبتها الصباحية في قسم الاستشارات النفسية…. ترتب ملفات المرضى، ملف الرجل الذي يعتقد أن هناك مطرقة حديدية تطارده، ملف المرأة التي تغرق كل ليلة في موجة عالية، ملف الطفل الذي تخترق الرصاصة رأسه قادمة من حرب غزة… ترى أي مريض وأية هواجس ستكون قادمة مع هذا اليوم الجديد؟ تتبادل النظرات مع قطتها السوداء، نظرة مطولة قبل أن تبدأ العمل على ملف المريض الجديد، الكاتب الذي يعتقد أن العنكبوت الذي قتله صباحا هو صديقه الوحيد….تسري قشعريرة باردة في جسدها، هل ستكون على موعد مع العناكب هذا المساء؟