توفي الكاتب والأديب المصري صنع الله إبراهيم، يوم أمس الأربعاء، عن عمر ناهز ال88 عاما، وذلك بعد صراع مع المرض. ونعت وزارة الثقافة المصرية، عبر صفحتها على موقع (فيسبوك)، الراحل الذي "ترك إرثا أدبيا وإنسانيا خالدا سيظل حاضرا في وجدان الثقافة المصرية والعربية". وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الثقافة، أحمد فؤاد هنو، أن الراحل مثل أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، وامتازت أعماله بالعمق في الرؤية، مع التزامه الثابت بقضايا الوطن والإنسان، وهو ما جعل مثالا للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي. وقدم الراحل صنع الله إبراهيم، الذي ولد بالقاهرة سنة 1937، عبر مسيرته الطويلة أعمالا روائية وقصصية أصبحت علامات مضيئة في المكتبة العربية، كما أثر في أجيال من الكتاب والمبدعين. لقد عانى الروائي المصري صنع الله إبراهيم في سنواته الأخيرة من مرض عضال أثر على حياته اليومية وألقى بظلاله على تجربته الإبداعية، لكنه لم يوقف اندفاعه في مراقبة المجتمع المصري وتحليل تحولات السلطة وتفكيك بنيتها. وُلد صنع الله إبراهيم عام 1937 في حي مصر الجديدةبالقاهرة، وانخرط مبكرًا في النشاط السياسي اليساري، مما جعله جزءا من الحركة الشيوعية المصرية التي تعرضت لقمع شديد في أواخر الخمسينيات. اعتقل عام 1959 ضمن ما عُرف بحملة اعتقالات الشيوعيين، وقضى في السجن نحو خمس سنوات، كانت بمثابة نقطة التحول في وعيه وأدبه. هناك، تشكلت لديه قناعة بأن الكتابة لا يمكن أن تنفصل عن موقف أخلاقي وسياسي، وأن الرواية يجب أن تكون ساحة مواجهة بقدر ما هي مساحة للتأمل. بعد خروجه، عمل بالصحافة، وتنقل بين موسكو وبرلين وعدة بلدان إفريقية، قبل أن يعود إلى مصر حاملاً رصيدًا من التجارب والرؤى التي غذت نصوصه. في عالمه الروائي، ابتكر صنع الله إبراهيم تقنية سردية خاصة، تمزج بين الوثائق الحقيقية، والتقارير الصحفية، والمقالات، والإحصاءات، وبين البناء الروائي التقليدي، ليخلق نصوصًا تكاد تكون مرايا حادة للمجتمع المصري في مفاصل تاريخه الحديث. لغته جافة أحيانًا، لكنها تنبض بطاقة تصويرية قادرة على التقاط التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، ولحظات الاصطدام بالسلطة أو البيروقراطية أو الفقر المدقع. من خلال أعمال مثل "تلك الرائحة" التي صدرت عام 1966، و"اللجنة" عام 1981، و"ذات" عام 1992، و"شرف" عام 1997، و"العمامة والقبعة" عام 2008، واصل مساءلة الواقع بلا هوادة، راسمًا خريطة لتاريخ سياسي واجتماعي تتجاور فيه التراجيديا مع السخرية السوداء. ظل انحيازه للفقراء والمهمشين واضحًا، كما ظل موقفه من السلطات الحاكمة، في مصر والعالم العربي، نقديًا صارمًا. تجلى ذلك بوضوح في موقفه عام 2003 حين رفض تسلم جائزة القاهرة للرواية العربية احتجاجًا على سياسات الحكومة، في لحظة أكدت أن التزامه بالمبدأ لا يقل عن التزامه بالفن. ومع أن مرضه كان قاسيًا، فقد واصل الكتابة، مستثمرًا هشاشته الجسدية كمجهر يكشف جوهر التجربة الإنسانية، ومضفيًا على نصوصه الأخيرة مسحة فلسفية تتأمل المصير البشري، وتضع الفرد في مواجهة الموت، كما في مواجهة السلطة. لقد جسد صنع الله إبراهيم، حتى في أشد لحظات المرض، صورة الكاتب الذي لا يهادن، والذي يرى في الأدب شكلاً من أشكال المقاومة، ووسيلة لتسجيل التاريخ الحي، وتفكيك الأساطير الرسمية، وتذكير القارئ بأن الحقيقة ليست في الشعارات بل في تفاصيل الحياة التي يرويها بصرامة ووعي ومسؤولية.