سيقال الكثير عن حلقة لمّ الشمل التي جمعت ممثلي مسلسل "فرندز" بعد غياب دام 17 عاما. ولكن، إن أردنا الخروج بخلاصة واحدة، قد تكون أن النجوم يكبرون في العمر، وأننا أيضا كذلك. هذا ما قاله عدد من متابعي العمل لبي بي سي نيوز عربي، حين سألناهم عن رأيهم في المسلسل، بمناسبة إطلاق حلقة خاصة معروضة منذ 27 مايو/أيار على خدمة "إتش بي أو ماكس" في الولاياتالمتحدة، وباتت متوفرة للمشاهدين العرب عبر منصة "أو إس إن". يقول لنا حسين، وهو في مطلع الثلاثينات: "بدأتُ بمشاهدة المسلسل للمرة الأولى، في عام 2000، وحتى الآن، أعدته أكثر من خمسين مرة. وحين رأيت إعلان الحلقة الخاصة، شعرت أنني كبرت حقا". بيت العائلة في حلقة لمّ الشمل الممتدة لنحو ساعتين، يعود الممثلون إلى موقع تصوير العمل الذي عُرض لعشرة مواسم بين عامي 1994 و2004. يدخل الأصدقاء غرفة المعيشة الشهيرة، ذات الجدران البنفسجية، للمرة الأولى منذ أن غادروها في يوم التصوير الأخير. يتحلقون حول طاولة المطبخ ويتعانقون ويبكون، كأنهم أفراد عائلة واحدة، عادوا إلى منزلهم بعد زمن، لنفض الغبار عن الأثاث وعن الصور القديمة. قوبلت المشاهد الأولى من الحلقة على مواقع التواصل بالتأثر، ربما لأنها محملة بحنين إلى حقبة نهاية التسعينيات. وربما لأن رؤية الممثلين الذين عرفناهم شبابا، وقد باتوا في الخمسينات، تذكير لنا بأننا لن نستطيع "الاختباء من درب الأعمار"، كما تقول فيروز. بالنسبة لسميرة (18 عاما) فإن التفاعل الجارف مع "فرندز" ليس غريبا، لأنه "حالة شعورية أكثر من كونه مسلسلاً، كأنك تصبحين جزءاً من المجموعة، وكأنهم أصدقاؤك بالفعل". تخبرنا أنها بدأت بمشاهدته بدافع الفضول، لتعرف سبب تعلق أهلها به، ثم أحبته وصارت تعود إليه "كلما أرادت أن تلمس شيئاً مألوفا". ويعدّ الاهتمام العابر للأجيال، من المفارقات المهمة في حالة "فرندز". صحيح أن الممثلين كبروا، وكذلك المشاهدون الأوائل، لكن المسلسل، يبدو في عزّ شبابه، خصوصا بعد تنامي شعبيته على نتفليكس، والصدى الذي لا يزال يحظى به بين الشرائح العمرية الصغيرة، منذ بدء عرضه على المنصة عام 2015. بعض من تحدثنا معهم قالوا إنهم شاهدوا المسلسل "عشرات المرات". تخبرنا سالي، وهي في نهاية العشرينات، أن والدتها لم تعد "تستطيع أن تتحمل سماع أغنية المسلسل لكثرة ما أعيد تشغيلها". تقول: "أحفظ النص والأحداث، ولكن أضحك كلما أعدت مشاهدته، وأبكي في الحلقة الأخيرة كأنني أشاهدها للمرة الأولى". ودفع الإقبال على مشاهدة العمل منصة نتفليكس إلى شراء حقوق بثه بمئة مليون دولار عام 2019، قبل أن تقرر شركة "وارنر ميديا" حصر بثه الرقمي في الولاياتالمتحدة، بمنصة "إتش بي أو ماكس" التابعة لها، على أنْ يبقى متاحًا على نتفليكس للمشاهدين حول العالم. وبفضل حقوق إعادة البث، لا يزال العمل يدرّ مليار دولار سنويا على الشركة المنتجة، يذهب منها 20 مليون دولار كل عام، إلى حساب كل واحد من الممثلين في الأدوار الرئيسية. بين الأمس واليوم منح البث الرقمي لمسلسل "فرندز" حياة جديدة في الدول العربية، متيحًا لمن شاهدوه للمرة الأولى مع بداية انتشار الفضائيات المشفرة قبل نحو 20 عاما فرصة استعادة لحظة ثقافية شكّلت وعيهم، كما سمح هذا البث لمن شاهدوه على الفضائيات العربية المجانية لاحقًا بمتابعته كاملاً من دون اقتطاع أو تلاعب بالترجمة. كما قدم هذا البث الرقمي شخصيات المسلسل لجيل أصغر ولد بعد انتهاء عرض الموسم العاشر. وهو جيل قد لا تستهويه نوعية كوميديا الموقف في "فرندز"، ويراها قديمة، لكنه يجد فيها باباً للتواصل مع الطرفة كما يحبذها أهله، أو أشقاؤه الأكبر سنًا. تقول نوف ذات العشرين ربيعا إن "الطرفة في المسلسل قديمة، وهناك مبالغة في حب العمل، ناتجة عن التعلق بالشخصيات وليس بمستوى الكوميديا". وتضيف لبي بي سي: "أعتقد أن أهلي يحبونه لأنهم كبروا معه لعقد كامل، ولأنه تزامن مع سنوات شبابهم ويرتبط لديهم بذكريات جميلة. بالنسبة لجيلي هناك مسلسلات أخرى لعبت هذا الدور مثل "هانا مونتانا (بطولة مايلي سايرس، 2006-2011)". ويقول مارك وهو في نهاية العشرينات، إنه شاهد المسلسل للمرة الأولى حين كان في بداية المراهقة، وأحب حس الفكاهة في ذلك الحين. وإنه الآن، بات يعيد مشاهدته ليقارن بين اللحظة الثقافية في المسلسلات الأمريكية عند عرض "فرندز"، وبين ما بات عليه اليوم، إذ بات التنوع العرقي والجنسي من متطلبات أي انتاج. ويضيف مارك: "رغم أنني لم أعد أستسيغ أو أتماهى مع كثير من الأفكار الواردة في المسلسل، خصوصاً التنوعات الجنسية النمطية، ولكن أعتقد أن الصداقة الحقيقية بين الممثلين أنفسهم، هي ما يجعله مؤثرا". ويرى زياد، وهو من جيل مارك، أن "المسلسل وصل لأشخاص كثر، من مختلف الجنسيات، رغم احتوائه على أفكار نمطية، فبمجرد أن يتلهف المشاهدون لحلقة خاصة من مسلسل انتهى عرضه قبل ما يقارب العقدين، فهذه ظاهرة تستحق التوقف عندها". أما سارة، وهي في مطلع الثلاثينات، فيستفزها أن "أحداث المسلسل تدور في نيويورك، ومن دون وجود أية شخصية سوداء في العمل، إلى جانب النكات الكارهة للعابرين جنسياً". ورأى عدد من المعلقين أن المسلسل مستفز أيضاً لسخريته من وزن شخصية مونيكا، وذلك ما لم يعد مقبولاً اليوم، كما كان في السابق. كما يرى البعض أن مستوى الكتابة في "فرندز" أضعف بكثير من أعمال كوميدية أنتجت في الحقبة نفسها مثل "ساينفيلد". يقول براء وهو في نهاية العشرينات، إنه يُستفزّ عند مشاهدة "فرندز" من ضحكة الجمهور في الاستوديو، لأنها تبدو كمن يفرض على المشاهدين طريقة تفاعلهم. الشخصيات وليس الكوميديا بعكس تطلعات بعض المشاهدين، لم تكن حلقة لمّ الشمل استكمالاً لأحداث المسلسل من حيث انتهت، بل فرصة لجمع الممثلين في مكان واحد، تحقيقاً لحلم المشاهدين الأوفياء. وبخلاف ذلك الاجتماع "التاريخي"، لم تحمل الحلقة جديدا باستثناء كشف كمّ الترابط العاطفي بين الأبطال، نظرًا للتجربة المشتركة الفريدة التي جمعتهم. تحلقت رايتشل (جنيفر أنيستون)، ومونيكا (كورتني كوكس)، وفيبي (ليزا كودرو)، وجوي (مات لوبلان)، وروس (ديفيد شويمر)، وتشاندلر (ماثيو بيري) على أريكة مقهى "سنترال بارك"، ليستعيدوا الذكريات في حوار مع الممثل والمذيع البريطاني جيمس كوردن، وليفكروا معا في مآلات شخصياتهم المحتملة. وتعتقد ليزا كودرو أن شخصية فيبي، ستكون المدافعة عن التلاميذ المختلفين في مدرسة أولادها، أما كورتني كوكس، فتتخيّل أن مونيكا، ستكون رئيسة للجنة الأهل، فيما يظن مات لوبلان، أن جوي، سيفتتح مطعم سندويشات. WarnerMedia كشف النجوم أيضا بعض أسرارهم، إذ أكد ديفيد شويمر وجنيفر أنيستون، أنهما كانا معجبين بشدّة أحدهما بالآخر خلال التصوير، ولكن لم يكتب للعلاقة أن تتحقّق، بعكس العلاقة الشهيرة بين شخصيتيهما روس ورايتشل. فيما تسببت إطلالة ماثيو بيري في خشية على صحته بين متابعيه الذين لاحظوا ثقلاً في نطقه، ليتبين أنه اضطر لإجراء جراحة فموية طارئة قبل التصوير بساعات. بالنسبة لمازن الذي لم يشاهد المسلسل إلا منذ سنتين بعد إلحاح من أصدقائه: "أفضل شيء في المسلسل ليس الكوميديا ولكن العلاقات بين الشخصيات الرئيسية والنضج والتحولات التي طرأت عليهم بمرور مواسم المسلسل". من جهتها، ترى صفاء "أن المسلسل بالكاد يتناول جوانب حياة الأصدقاء المهنية، وكيفية تحملهم لنفقات شقق باهظة في مدينة مانهاتن. المسلسل يدور حول الجنس، وليس حول الأصدقاء". وتقول نادين إن "الحماس الزائد للشخصيات، ومحاولة التشبه بها، مثلاً "أنا مثل مونيكا"، و"أنا مثل روس"، أشبه بالسجن، لأنه يضع الأفراد في أطر محدودة جداً. ولكن أعتقد أن ذلك من أسباب نجاح العمل، لأنه يضع الشخصيات في قوالب تلامس الأفراد، من خلال ستة أنماط جاذبة، من السهل أن يشعر الناس بالتماهي مع أحدها، وذلك ما يجعل المسلسل عابراً للأجيال". "أصدقائي وأعرفهم" إلى جانب تكريم الممثلين ولمّ شملهم، كانت الحلقة أشبه بوثائقي عن مراحل اختيارهم لأداء الأدوار، صعودهم المدوي إلى النجومية، وطريقة تلقف صانعي العمل ديفيد كرين ومارتا كوفمان لمستوى النجاح الذي لم يتوقعاه، حتى في أكثر خيالاتهما جنوحا. ويحكي صانعا العمل كيف كانت ردود فعل الجمهور خلال التصوير حافزًا لتطوير خطوط درامية كانا سيطمرانها، ومنها مثلاً علاقة الحب بين مونيكا وتشاندلر. كما تحدث ضيوف خاصون في الحلقة عن تأثير المسلسل في حياتهم؛ نجم الكرة البريطاني ديفيد بيكهام تحدث عن عودته إلى حلقات يحبها كلما شعر بالملل. كما تحدثت الممثلة ريس ويذرسبون عن صدمتها حين منحت فرصة للتمثيل في بعض حلقات المسلسل. فيما غنت ليدي غاغا مع ليزا كودرو أغنية "القطة النتنة"، وأخبرتها أن شخصيتها فيبي، كانت قدوة للأطفال المختلفين. Getty Images وسواء كانت الحلقة على قدر التوقعات أو لم تكن، إلا أنها عادت لتؤجج النقاش بين محبي المسلسل وكارهيه، وهو نقاش قد يصبح حادًا في بعض الأحيان، تمامًا مثل مشاحنات مشجّعي النوادي المتنافسة في كرة القدم. فمسلسل فرندز أكثر من مجرد عمل كوميدي؛ إذ تُعلّق عليه -ربما بسبب شعبيته- كثير من النقاشات الفكرية والثقافية، ويختزل فيه بعضهم صراع الأجيال، بين ما كان طريفًا وذكيًا قبل عشرين عاما، وما بات اليوم غير مقبول على الإطلاق. على أن المسألة بالنسبة لبعض المتابعين أبسط من ذلك بكثير. تقول عفيفة: "قد يبدو ما سأقوله غريبا، لكني أشعر بالأمان عند مشاهدة فرندز، كأنهم أصدقائي في الحقيقة". وتقول دانيا: "أشاهده كل يوم قبل النوم. وخلال دوام العمل، أتركه شغّال في الخلفية. وعندما أطبخ أو أرتّب المنزل، أشعر بأنني أعرفهم".