عصبة الأبطال الافريقية (ذهاب الدور التمهيدي الثاني) .. نهضة بركان يتعادل مع مضيفه الأهلي طرابلس (1-1)    زعيم "التقدم والاشتراكية" يدعو إلى تسهيل تأسيس الشباب للأحزاب السياسية    اتفاق يهدىء التوتر بين أمريكا والصين    "تجمعيّو الصحة" يدعمون كفاءات الخارج    الريال يهزم برشلونة في "الكلاسيكو"    إجهاض محاولة تهريب أقراص مخدرة    العداء المغربي المحجوب الدازا يتوج بلقب النسخة ال16 من الماراطون الدولي للدار البيضاء    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من السلطات الفرنسية    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    أغنى رجل في إفريقيا سيجعل مصفاته في نيجيريا "الأكبر في العالم"    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    المؤتمر الوطني ال12، في الشكل والمضمون معا    نقل مصابين بتسمم جماعي الى المستشفى الإقليمي بأيت يوسف وعلي    المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي – قراءة مؤسساتية ودستورية (2025)    أشرف حكيمي يتألق بثنائية جديدة ويحصد أعلى تنقيط في فوز باريس سان جيرمان على بريست    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب جميع قواته من تركيا إلى شمال العراق    تقرير: طنجة تتحول إلى محور صناعي متوسطي بمشروع ضخم لإنتاج السيارات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    بورقادي: الملك يدعم تطوير كرة القدم    بعد تداول صور لأشغال قرب موقع أثري ضواحي گلميم.. المجلس الوطني يؤكد أن الموقع سليم ويدعو لحمايته    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    سفينتان نرويجيتان ترسوان بميناء آسفي لدعم أبحاث المحيطات وحماية الأنظمة الإيكولوجية    انهيار الثقة داخل الجيش الجزائري... أزمة عتاد وفضائح قيادات تهزّ المؤسسة العسكرية من الداخل    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    جيش فنزويلا يتعهد ب"مواجهة أمريكا"    المتمردون الحوثيون يفرجون عن عارضة أزياء    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الملتبسة بين السياسة والرياضة: هل المغرب مستهدف؟
نشر في الأيام 24 يوم 09 - 10 - 2022


أمين الركراكي
تعرض المنتخب المغرب للشباب لاعتداء سافر في نهائي مسابقة كأس العرب التي أقيمت في شتنبر الماضي، وقبل ذلك بأسابيع منعت السلطات الجزائرية وفدا صحفيا مغربيا من دخول أراضيها لتغطية دورة الألعاب المتوسطية التي أقيمت في وهران. حدثان متقاربان وممتدان في الزمن يكرسان الحضور الطاغي للأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر على المواجهات المباشرة التي تجمعهما في الملاعب الرياضية.
يشهد التاريخ أن الرياضة كانت دوما ملعبا مفضلا لعدد من الأنظمة لتصريف سياساتها وقناعاتها والتسويق لإيديولوجياتها في زمن الحرب والسلم معا. وفي هذا الملف قراءة في المتغيرات التي طبعت العلاقة المغربية الجزائرية وتأثيرها المباشر على الرياضة على ضوء المستجدات التي تشهدها المنطقة والعالم.
لم تكن الرياضة بمنأى عن المناورات السياسة في مختلف بقاع العالم، فالتاريخ يشهد بذلك في كثير من الوقائع التي يصعب حصرها هنا، لذلك سنكتفي بذكر أبرزها مثل استغلال موسوليني لاستضافة بلاده لكأس العالم سنة 1934 من أجل الدعاية لنظامه الفاشي، وكذلك فعل هتلر في أولمبياد برلين سنة 1938 قبل أن تعاقب ألمانيا المنهزمة في الحرب بتغييبها عن البطولات العالمية التي تلتها.
العملية الفلسطينية ضد البعثة الإسرائيلية في أولمبياد ميونيخ 1972 أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث يومها، والأمر نفسه ينطبق على أحداث أخرى تالية مثل المقاطعة الإفريقية لدورة موريال عام 76 بسبب التعامل مع نظام جنوب إفريقيا العنصري، وبلغ الأمر ذروته بالمقاطعة الأميركية والغربية لأولمبياد موسكو سنة 1980 ثم رد الروس وحلفائهم بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلس بعد ذلك بأربع سنوات.
استخدمت الهند رياضة الكريكت سلاحا في مواجهة باكستان والدفع باتجاه التغيير السياسي لدى جارتها، فقد رفضت مواجهتها في هذه اللعبة على مدار السنوات الثمان الماضية، بل منعت اللاعبين الباكستانيين من المشاركة في الدوري الهندي رغم الأموال الوفيرة التي تدرّها هذه الرياضة.
وبعيدا عن العلاقات الدولية فقد اعتبر رجال السياسة الفرنسيون حصيلة رياضييهم في أولمبياد 1960 مذلة ومهينة، خصوصا وأنها كانت أول دورة تنقل على شاشات التلفزيون، فباشروا تحقيقا رسميا خرج بمعطيات وتوصيات وجدت طريقها سريعا إلى التنفيذ، عن طريق إنشاء نظام رياضي لاكتشاف المواهب، بدأ في كرة القدم وشمل باقي الرياضات لاحقا. والنتيجة أن الرياضة شهدت تحولات جذرية بفضل تدخل الحكومة الفرنسية، حيث توسعت قاعدة الممارسة على مستوى النخبة لتصبح فرنسا من أكثر الدول نجاحا على المستوى الرياضي.
واليوم لا يجد الانفصاليون الكتلان فرصة أفضل من الكلاسيكو الإسباني بين فريقهم برشلونة وغريمه التقليدي ريال مدريد، للترويج لمشروعهم السياسي الخاص بتشييد نظام مستقل عن العاصمة.
نعم للتضامن مع أوكرانيا ولا لفلسطين
شنت المؤسسات الرياضية وعلى رأسها الفيفا في السنوات الأخيرة حربا شعواء على رفع الشعارات السياسية في ملاعب الكرة، خاصة من جانب اللاعبين، فذهبت حد فرض عقوبة انضباطية على من يزيل قميصه احتفالا بتسجيل الأهداف وفرض غرامات ثقيلة على الأندية والمنتخبات التي ترفع جماهيرها شعارات سياسية.
المؤسسات نفسها لم تجد أي حرج في السماح للجماهير واللاعبين بالتعبير عن تضامنهم مع أوكرانيا بكل الوسائل المتاحة، ولم تجد أي غضاضة في القفز على القوانين التي وضعتها بل إنها سارعت إلى استبعاد الأندية والمنتخبات الروسية من كل الألعاب، دون سند قانوني ومازالت عدد من القنوات الناقلة للمنافسات الرياضية تزين شاشاتها بالعلم الأوكراني.
لم يُسمح للاعبين بإعلان تضامنهم في مختلف القضايا حتى وإن كانت ذات أبعاد إنسانية صرفة، وحرم العرب والمسلمون منذئذ من إبداء تضامنهم مع قضايا أوطانهم، وعلى رأسها قضية فلسطين، لكنهم اليوم مدعوون لإعلان تضامنهم مع أوكرانيا أمام تصفيقات المسؤولين الغربيين ومباركة المؤسسات الرياضية الدولية.
الخلافات العربية
تأجلت دورات عربية بسبب المعاناة من الخلافات السياسية البينية، ولطالما تكررت الغيابات والانسحابات بغير سبب، وتحولت ملاعب الرياضة وقاعاتها إلى فضاءات لتفريغ الاحتقان السياسي العربي، ولطالما تدخلت القرارات والرغبات السياسية في العمل الرياضي واستخدمت الأنشطة الرياضية لغايات شتى مثل التلميع والإلهاء وما شابه من مفردات.
فلو ألقينا نظرة تاريخية على مختلف البطولات العربية في كل الأنواع الرياضية لوقفنا بجلاء على واقع مرّ يتمثل في الاضطراب الذي ميزها بغياب الاستمرارية والثبات في المواعيد والأماكن منذ تأسيس الاتحادات العربية لكل الرياضات. ويكفي أن نضرب مثلا هنا بآخر نموذج لهذا التأثير، ويتمثل في انسحاب مجموعات من البعثات الرياضية، من منافسات مقررة في تونس، انسجاما مع الموقف المغربي الرسمي الغاضب من الاستقبال الرسمي الذي حظي به مؤخرا زعيم ما يسمى بالجمهورية الصحراوية من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد.
موقعة أم درمان
مازالت الجماهير المصرية والجزائرية تتذكر جيدا مواجهة منتخبيهما في المباراة الفاصلة التي جمعتهما في نونبر 2009 لتحديد المتأهل لمونديال جنوب إفريقيا 2010 وليس من باب الاعتباط أن يطلق عليها اسم موقعة أم درمان.
فقد كانت موقعة بالفعل حُضِّر لها جيدا من قبل النظامين الجزائري والمصري لاستغلالها سياسيا، قصد التخفيف من آثار الغليان الداخلي. حرب سخرت فيها كل الأسلحة وهانت أمامها الأخوة والعروبة والقرابة والقواسم المشتركة وحضرت الأنانية في أبرز تجلياتها.
لعب النظام المصري ورقة الفن بالاعتماد على ألمع نجومه لتجييش الجماهير على مجموعة من القنوات المحلية، بل منهم من سافر إلى السودان قبل المباراة لدعم المنتخب القومي في معركته الحاسمة، في حين لعب النظام الجزائري لعبة مختلفة كليا استخدم فيها وسائل خارجة عن المألوف مازالت الذاكرة الجماعية تحتفظ بتفاصيلها إلى اليوم. ومازال السودانيون من سكان أم درمان يتذكرون جيدا لحظات الرعب التي عاشوها طيلة أيام متحسرين على دماء الإخوة الأشقاء التي سالت على أرصفة مدينتهم بمباركة من سياسيي البلدين.
تداعيات الخسارة أمام الجيران
تعرض المنتخب المغربي لأسوأ هزيمة له أمام نظيره الجزائري بهدف لخمسة أهداف يوم 9 شتنبر 1979 بمدينة الدار البيضاء ضمن إقصائيات أولمبياد 1980. هزيمة كان لها وقعها على مؤسسات تدبير كرة القدم فيما بعد، من خلال التغييرات التي أقدم عليها القصر حينها بإقالة الكولونيل المهدي بلمجدوب من رئاسة جامعة كرة القدم وتعيين فضول بنزروال بدلا منه.
عبدالحفيظ القادري وزير الشباب والرياضة ذهب بعيدا آنذاك حينما همس في أذن الحسن الثاني باقتراح توقيف النشاط الرياضي لمدة سنة، من أجل إعادة ترتيب الأوراق، لكن الأخير رفض لمعرفته الأكيدة بالدور الذي تلعبه اللعبة الشعبة في التنفيس عن الجماهير.
وليس خافيا على أحد اليوم أن أحد أبرز مسببات الهزيمة هو الضغط النفسي الرهيب الذي عاشه اللاعبون حينها، ومعهم مدرب المنتخب الفرنسي غي كليزو الذي عاش لحظات عصيبة، حيث ظل يوم المباراة يتلقى التعليمات من الحسن الثاني في قصر الصخيرات حتى كاد يغيب عن المباراة.
الأكثر من ذلك، أن الإذاعة الوطنية ظلت تبث الأغاني الوطنية الحماسية طيلة يوم المباراة، والنتيجة أن الشحن الزائد للاعبين أتى بنتائج عكسية بإرهاقهم بدنيا وذهنيا، مما سهل حينها مهمة محي الدين خالف مدرب المنتخب الجزائري الذي حافظ على رباطة جأشه، واستثمر جيدا كل هذه العوامل بما فيها الحضور الجماهيري لصالحه لتحقيق فوز هو الأكبر في تاريخ مواجهات المنتخبين.
يمكن فهم الدوافع حينها لاستغلال المباراة الرياضية بين الجارين لأغراض سياسية في أوج الصراع بينهما على قضية الصحراء، لكن الطريقة التي أدير بها الملف جاءت بنتائج عكسية لعوامل متشابكة مغلفة بالاندفاع والحماس الزائدين.
ورقة فلسطين
كثيرا ما لعب النظام الجزائري على ورقة القضية الفلسطينية لدغدغة شعور الفلسطينيين في حربهم المقدسة مع المحتل، وطالما رفعت أنديته وجماهيرها شعارات التضامن والتآزر في ملاعب كرة القدم.
الاهتمام بالقضية الفلسطينية من قبل الجيران زاد في الآونة الأخيرة وتحديدا في السنتين الأخيرتين بعد انضمام المغرب إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاته مع إسرائيل فكانت واحدة من المعارك التي حاولوا فيها تسجيل بعض النقاط علينا. ولعلم الجيران بالمكانة التي تحتلها القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية فقد لعبوا هذه الورقة من أجل شيطنة المغاربة وتسويق صورة سلبية عنهم لدى الأشقاء، باستغلال المنافسات الرياضية للترويج لهذه الفكرة وترسيخها بالرغم من أن قائمة المطبعين لا تضم المغرب فقط.
لكن الجماهير المغربية لم تتخل يوما عن فلسطين سواء قبل التطبيع أو بعده فقد ظلت ترسل رسائل واضحة من المدرجات المغربية بتضامنها المطلق مع أشقائها في فلسطين بل أبدعت في ترديد أغان وأناشيد خاصة بلغ صداها المسجد الأقصى.
وسائل التنافر الاجتماعي
أضحت لوسائل التواصل الاجتماعي أدوار هامة وأساسية في تشكيل الوعي العام عند مختلف طبقات المجتمع فقد زاد اهتمام بعض الدول بها من أجل استغلالها وتطويعها لخدمة أجندتها السياسة الظاهر منها والخفي، في غياب معطيات دقيقة بخصوص هذا الجانب، بالنظر إلى صعوبة الإحاطة بمجال منفلت من الرقابة حيث باتت بعض الدول تواجه مشاكل حقيقية في تطويق وسائل التواصل الاجتماعي وتطويعها بالرغم مما تتوفر عليه من ترسانة تكنولوجية حديثة.
الملاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في ترويج صور نمطية سلبية عن الشعبين المغربي والجزائري وتكرس نظرة سلبية بعيدا عن الواقع والأدهى من ذلك أنها تغذي مشاعر الكراهية بين الجيران. وسواء تعلق الأمر بحملة منظمة أو عفوية فإن القاسم المشترك بينها هو تعميم الصور السلبية المهينة للطرف الثاني من الجانبين المغربي والجزائري بمساهمة ممن باتوا يدعون بالمؤثرين الذين ينساق معهم بعض ممن ينتمون عادة للنخبة من رجال السياسة والإعلام وأساتذة جامعيين.
مقاربتان مختلفتان
راهن المغرب في السنوات الأخيرة على ديبلوماسية رياضية موازاة مع عودته إلى الاتحاد الإفريقي بعد غياب طويل، ديبلوماسية قادته إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات الرياضية مع عدد من الاتحادات القارية.
وإلى جانب جهوده الديبلوماسية عزز المغرب بنيته التحتية الرياضية بتوفير أغلفة مالية مهمة لإنجاز مشاريع في مختلف الجهات فضلا عن ضخ مبالغ ضخمة في أرصدة الجامعات والأندية والنتيجة أن المغرب أصبح قبلة للأنشطة والمنافسات القارية في مختلف الأنواع الرياضية.
ديبلوماسية المغرب الرياضية مكنت مجموعة من المنتخبات القارية من استقبال ضيوفها في مجموعة من ملاعب المملكة بسبب افتقاد ملاعبها الخاصة للمواصفات والمعايير المعتمدة دوليا من الاتحادات الرياضية.
فلم يتورع جمال بلماضي مدرب منتخب الخضر عن التعبير عن غضبه من غياب ملعب دولي بمواصفات عالمية في بلد شاسع الأطراف مثل الجزائر التي فضلت منافسة جارها باستمالة أصدقائه بل الاستثمار في الإنسان والبنيات التحتية، والنتيجة أن مجموعة من ملاعبها مازالت تحمل آثار التعاون السوفياتي منذ عهد ما بعد الاستقلال.
داودة: انطفأت جذوة المنافسات الرياضية المغاربية التي انطلقت في الستينيات
من منطلق خبرته الواسعة على المستويين الدولي والقاري، يعيد عزيز داودة المدرب الوطني لألعاب القوى والمدير التقني الحالي للاتحاد الإفريقي لأم الألعاب الرياضة، قراءة منطق السياسة والرياضة بمفهوم شامل يتجاوز الأفق السياسي الضيق، الذي يحصر القارة السمراء والمغرب الكبير في صورة نمطية متجاوزة كرستها رواسخ الفكر الكولونيالي ومصطلحاته المتداولة إلى اليوم، كما يرسم ملامح مستقبل مشرق يعيد بناء العلاقة مع الذات والآخرين وفق منظور مؤسس على القواسم المشتركة المتعددة.
من خلال تجربتك كيف تصف العلاقة بين السياسة والرياضة في المنطقة العربية، وتحديدا بين المغرب والجزائر؟
علينا في البداية أن نفهم مسألة أساسية متداولة بخصوص فصل السياسة عن الرياضة، فالرياضة كلها سياسة، في جميع أقطار العالم هناك مؤسسات تدبر السياسات العمومية بطرق مختلفة بما فيها الرياضة، كالوزارات والهيئات الإدارية، إذن الأمر يتعلق أساسا بالسياسة. ثانيا، التباري الدولي في حد ذاته سياسة فيها تنافس بين الشعوب والدول، ولكن الأمر الجميل أن التنافس يكون فيه راقيا تحكمه ضوابط متفق عليها ولا يمكن تجاوزها، لكونها تدبر من قبل هيئات عالمية. بالنسبة للعالم العربي، البطولات العربية أنشئت من قبل السياسيين العرب من أجل توحيد الصفوف وخلق مفهوم التكامل بين الأقطار العربية، إذن فقد أنشئت بناء على مبدأ سياسي.
هناك عبارة متداولة تستخدم كثيرا تتعلق بفصل السياسة عن الرياضة. هل فعلا على امتداد التاريخ هناك فصل بين السياسة والرياضة أم أن المسألة شعار فقط؟
من يروج لهذه الفكرة لا يفهم الرياضة أو يريد أن يحتكرها لنفسه، لا يمكن أن يتم هذا الفصل بينهما، فمثلا في المغرب من سيمول لنا الرياضة الوطنية غير الدولة المغربية؟ الجماعات المحلية لا تدعم فريقا رياضيا لوجه الله بل لأغراض سياسية ولديها الحق في ذلك، ولا إجرام في ذلك فالمسألة منطقية. هذا نشاط مثل باقي الأنشطة لا يمكن عزله عن باقي المجالات الأخرى.
مقاربة المغرب والجزائر للقضايا الرياضية خصوصا المشتركة بينهما تختلف جذريا حد التنافر، فما هي قراءتك لأسلوب الدولتين في التعامل مع القضايا الرياضية المشتركة؟
لهذا تحدثت سابقا عن ضوابط، ففي السياسة يمكن أن تحدث القطيعة بين غريمين سياسيين بعد الانتخابات، أو في المجال الدولي فكما هو الحال بين المغرب وجاره، إذ يصل الأمر بينهما حد قطع العلاقات وإغلاق الحدود وغيرها من الإجراءات. الأمر غير ممكن في الرياضة فالمغرب والجزائر مجبران على مواجهة بعضهما البعض، فالمباريات الرياضية لا مفر لنا منها. الجميع ملزم باحترام قوانين موضوعة من قبل الاتحادات الدولية ومصادق عليها من قبل الدول الأعضاء. مسألة أخرى تختص بها الرياضة وهي حسن الاستقبال والضيافة فالخلاف السياسي لا يمنعني من معاملة ضيوفي الرياضيين معاملة طيبة كريمة تفرضها الأخلاق البشرية.
يقال إن الرياضة تقرب بين الشعوب لكننا أصبحنا نرى طغيان مصطلحات الكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. ما هي العوامل التي غذت هذا الشعور السلبي بين الشعبين؟
يمكن أن نصل إلى وضع لا تحمد عقباه إن استمر الحال كما هو عليه الآن. بعد ظهور وسائل التواصل يمكن لأي فرد أن يشتم فردا أو أفرادا آخرين وراء الحدود دون أن يراهم أو يعاشرهم. أقرأ أحيانا أن الشعب المغربي يعاني القمع والجوع، في منشورات أشخاص لم يسبق لهم أن زاروا المغرب، وهذه دناءة. الأمر أصبح صبيانيا يشبه ما يحدث بين شابين في «راس الدرب». ومؤسف حقا ما وصل إليه مستوى النقاش في بعض القنوات العامة عند الجيران وهذا يهيج النفوس ويشحن الجماهير على هامش المباريات. لم أسمع يوما مسؤولا مغربيا يصف دولة أجنبية بالعدو في حين أن بعض المسؤولين الكبار في دول جارة يصفون المغرب بالعدو التقليدي، من هذا المنطلق يجب وضع حد لهذه الأمور وهذه مسؤولية الاتحادات الدولية واللجنة الأولمبية الدولية، لأنها غير مقبولة.
هل عشت خلال حياتك المهنية تجارب حضر فيها الجانب السياسي في النشاط الرياضي بقوة؟
من حسن حظي أنني لم أعش تجربة من هذا القبيل. لا توجد مثل هذه المشاكل في رياضة (ألعاب القوى) التي أدبر أمورها التقنية على الصعيد القاري وأنا شخصيا لدي أصدقاء وإخوان من الجزائر تجمعني بهم علاقة أكثر من طيبة. الإشكال لم يكن يوما بين الشعوب بل بين السياسيين الذين يسعون لتغليفه بطابع شعبي وإظهاره بصورة مطلب وطني، لكن تاريخيا المعروف أن المغاربة مسالمون ولم يسعوا قط إلى المشاكل مثل المس بنظام دولة ما أو الحديث عنها بسوء. حتى أننا خرجنا من الاتحاد الإفريقي وظلت علاقتنا طيبة جيدا مع كثير من الدول القارية.
ماذا خسرنا في المنطقة العربية والمغرب العربي رياضيا من خلال الأزمة الديبلوماسية الطويلة بين المغرب والجزائر؟
أولا، لا يعجبني مصطلح المغرب العربي، بل أفضل المغرب الكبير الممتد من مصر إلى السنغال. منذ الستينات كانت لدينا منافسات رياضية كثيرة سنوية خاصة بالمغرب الكبير في جميع الأنواع لكن هذه الجذوة انطفأت اليوم.
في الاتحادات الإفريقية لمختلف الألعاب هناك مناطق منها منطقة (أ) الخاصة بشمال إفريقيا وهي وحدها التي تشهد ركودا مقارنة بباقي المناطق النشيطة رياضيا.
هذا يجرنا للحديث عن تأثير هذا الوضع على الجانب الرياضي في القارة؟
الكونفدراليات الإفريقية في مختلف الألعاب قوية عكس ما يظنه البعض. هي ضعيفة ماديا فقط لكن قوية بنفوذها وتواجدها على الصعيد الإفريقي وتنظم منافساتها الرياضية دون مشاكل، فلم أشعر يوما بوجود تأثير أي نوع من التوتر على ملاعبها سواء في ألعاب القوى أو غيرها، وهذا راجع للحنكة التي تدار بها الاتحادات رغم ما يروج عنها انسياقا مع المنظور الغربي، فالواقع أن هذه الاتحادات قامت بدورها في التوحيد بين الشباب الإفريقي، ولكي أضرب مثالا على ذلك فبطولات ألعاب القوى التي نظمها المغرب شهدت تواجد 54 دولة كلها في حين أن الغياب في فئات الشباب والناشئين يعود لأسباب مادية فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.