"حينما التحقت بالديوان، كنت أصغر عضو فيه، وجدت أمامي شخصيات تجر وراءها تاريخا من الممارسة السياسية، وعلى إلمام تام بالتقاليد المخزنية… لذا قضيت أشهرا أسمع وألاحظ ولا أتكلم إلا قليلا، كان هدفي أن أستفيد من خبرة هؤلاء في مستويات متعددة. كان عملهم منظما بشكل دقيق، وكنت أتابع تصرفاتهم بإمعان، كيف يتحدثون فيما بينهم؟ ثم كيف يتحدثون في لقاءاتهم مع جلالة الملك؟ لم يكن اندماجي في محيط الديوان الملكي أمرا سهلا، لقد كان ينظر إلى في بداية الأمر بعين الريبة. كنت أحس أنهم يتساءلون في أعماقهم: من أين جاء هذا الريفي، يقتحك أسوار الرباط…هم يعرفونني وزيرا في تشكيلات حكومية مختلفة، ولكن أن أخترق هذا المحيط الضيق والقريب من الملك، فذاك شأن آخر!".
هي عبارات دالة لبنعلي المنصوري، الوزير الذي شغل عدة مناصب وزارية في السبعينات قبل أن يصبح واحدا من أعضاء الديوان الملكي الذي دخل إليه في أكتوبر 1985، بعد أن سحب إسمه في آخر لحظة من لائحة حكومة المعطي بوعبيد المعدلة في نفس الوقت، بعد رفض أحمد عصمان لاستوزاره باسم حزبه التجمع الوطني للأحرار.
"الأيام" نشرت بشكل حصري أهم مضامين مذكرات المنصوري بنعلي المكلف بمهمة بالديوان الملكي، والتي سيتم نشرها عبر حلقات:
"سطل" من الماء لتدبر أمور الوفد المغربي في القمة العربية بالجزائر
"من الدول التي زرتها في إطار مهامي الوزارية، الجمهورية الجزائرية. فقد كلفني الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، بترؤس الوفد المغربي – وأنا يومئذ وزير للنقل وحضور اجتماع وزراء النقل والمواصلات العرب. أما الزيارة الثانية لهذا البلد، فقد تمت في إطار زيارة رسمية للملك الحسن الثاني لحضور القمة العربية في زرالدة بالجزائر، على عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وكانت في شهر يونيو 1988. وعلى هامش هذا المؤتمر، جاء اجتماع قادة دول المغرب العربي الكبير الوضع اللبنة الأولى لتأسيس "اتحاد المغرب العربي". كان الملك الحسن الثاني قد سافر على متن الباخرة "مراكش" واتخذ منها مقرا له طيلة إقامته هناك.
أما الوفد المرافق لجلالته، فقد تمت استضافتنا في الفندق، وهو فندق يعتبره المنظمون للمؤتمر من أفضل الفنادق التي تتوفر في البلاد…! لكن سنفاجأ بالمستوى المتواضع لإقامتنا! ويكفي أن أشير إلى أمر واحد للدلالة على ذلك. لم يكن الفندق الذي أعد لنا، يتوفر على الماء!
وفد رسمي يحضر مع جلالة الملك مؤتمر قمة عربية، يجد نفسه في غرف يتكرم عليهم بسطل – أقول بسطل – مليء بالماء، وهو كل ما لدينا من هذه المادة الحيوية، وعليك تدبير الأمر بما تراه مناسبا…!!".