عرّف امحمد مالكي محامي بهيئة مراكش وأستاذ القانون الدستوري سابقا بجامعة القاضي عياض، العقلنة البرلمانية بشكل عام بأنها مجموعة من القيود والإجراءات التنظيمية التي يتم إدراجها في الدساتير لضبط العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بغية تفادي حالات عدم الاستقرار الحكومي الناتجة عن الصراعات أو توازنات هشة بين الأغلبية والمعارضة في البرلمان. جاء ذلك، خلال ندوة علمية بعنوان "التجربة الدستورية إشكالات وقضايا مطروحة"، قراءة في الكتب الجماعية الأربعة، بمشاركة مجموعة من الأساتذة المكرمين والأساتذة المساهمين في هذه الأعمال الجماعية، أمس الأربعاء برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس.
وأوضح مالكي، أن "العقلنة البرلمانية" مفهوم وافد على تجربتنا المغربية وغير نابع من صلب التجربة الدستورية المغربية، قائلا: "وفد علينا من دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية"، مضيفا أنه "ليس عيبا أن يكون وافدا إذ يمكن أن نطوره ونعطيه مضمونا أحسن ونجوده وأن نجعله منتجا لآثار جيدة في إطار العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
وعدد مالكي مظاهر مفهوم العقلنة وهي أولا تنظيم شروط إسقاط الحكومة من قبل البرلمان، وثانيا: وضع شروط صارمة لتقيم ملتمسات الرقابة، وثالثت: منح الحكومة أدوات للتأثير على السلطة التشريعية، وأخيرا تعزيز رئيس الدولة أو رئيس الحكومة بحسب النظام السياسي.
واعتبر مالكي، أن إدخال الجمهورية الخامسة لهذا المفهوم إلى دستورها، جاء بعد أن عرّت تجربة الجمهوريتين الثالثة والرابعة الوضع الدستوري الهش لفرنسا خاصة في ظل عجز المؤسسات الدستورية عن اتخاذ إجراءات إسترتيجية جراء هذه الهشاشة.
وتابع أن هذه الهشاشة تجلت في تفكك الأحزاب السياسية وكثرتها، تعدد الحكومة وسقوطها المتوالي، وهيمنة البرلمان على السلطة السياسيبة، وغياب سلطة تنفيذية قادرة على الإمساك بالمؤسسات وقيادتها، مبينا أنه لهذا أدخل دستور الجمهورية الخامسة هذا المفهوم حتى يعيد الاستقرار للبلاد ويعيد التوازن للعلاقة بين السلطتين التشريعية والنتفذية.
أما عن مظاهر العقلنة البرلمانية بالدستور المغربي فتمثلت، حسب مالكي، في تشديد طرح ملتمس الرقابة، والتحكم في مجال التشريع حيث تم تحديد المجالات التي يتم التشريع فيها بالنسبة للبرلمان، إضافة إلى تمكين الحكومة من تسريع التشريع، وإعطاء صلاحيات موسعة للسلطة التنفيذية، وهي مظاهر واكبت العقلنة البرلمانية بالمغرب منذ دستور 1962 إلى دستور 2011.
وبعد أن تساءل عن مدى تخفيف دستور 2011 لمظاهر العقلنة البرلمانية أم أن مظاهرها لازالت حاضرة بقوة في مقتضياته؟ قال مالكي، إن "تجربة 14 سنة من دستور 2011، أبانت لنا بما يشبه الإقناع بأننا أمام تخفيف تدريجي للعقلنة البرلمانية".
وأبرز أن دستور 2011 جاء بالعديد من الأشياء المهمة التي يمكن أن تساعد في تخفيف العقلنة البرلمانية، منها تعزيز صلاحيات البرلمان، تقوية الوظيفة الرقابية للبرلمان وإمكانية تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وتقوية مكانة الحكومة حيث أصبح رئيس الحكومة يعين من الحزب الأول الفائز بالانتخابات التشريعية، ثم الحد من بعض آليات العقلنة البرلمانية منها تشديد حل البرلمان من قبل الحكومة.
وتابع أنه رغم كل هذه المظاهر التي قد تقنعنا بأننا أمام تخفيف تدريجي للعقلنة البرلمانية، مستدركا: لكن لازال ملتمس الرقابة يطرح التساؤل حول إمكانيات اللجوء إليه، ولازال توزيع السلطة داخل بنية الدستور المغربي غير متوازن.
وخلص مالكي، إلى أن العقلنة البرلمانية مازالت مستمرة في دستور 2011 رغم أنه وقع تخفيفها نسبيا، لافتا إلى أنه نستطيع التخفيف من هذا المفهوم وتغييره والتصرف في مضمونه إذا توفرت السياقات والشروط لذلك.