استقبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، السفير النيجري الجديد، السيد عبد الله كيتا، الذي قدم نسخاً من أوراق اعتماده كسفير فوق العادة ومفوض لدى جلالة الملك محمد السادس. هذا التعيين لا يأتي فقط في سياق بروتوكولي عادي، بل يحمل في طياته دلالات استراتيجية على إعادة تأكيد متانة العلاقات بين الرباط ونيامي، في مرحلة تشهد تحولات سياسية وأمنية دقيقة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. ويُنتظر أن يضطلع السفير كيتا بدور محوري في تعزيز الحوار السياسي وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، سواء في ميدان التنمية المستدامة أو الأمن الإقليمي أو التبادل التجاري والثقافي. العلاقات المغربية النيجيرية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود طويلة من التفاهم والتضامن المتبادل. وقد شهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، تجلى في تنسيق المواقف داخل الاتحاد الإفريقي، ودعم النيجر لمغربية الصحراء، وتبادل الخبرات في مجالات الفلاحة، والتعليم، ومكافحة التطرف. كما يجدر التذكير بأن المغرب، من خلال "مبادرة الملك محمد السادس لتكوين الأئمة"، استقبل عدداً من الطلبة والعلماء من النيجر، في إطار مقاربة تقوم على تعزيز الإسلام الوسطي المعتدل، ومحاربة الفكر المتطرف في منطقة الساحل، التي تواجه تحديات أمنية متنامية. تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه النيجر، إلى جانب عدد من دول الساحل، تحولات سياسية عميقة بعد التغييرات التي عرفتها القيادة السياسية هناك، خصوصاً بعد التغيير في يوليو 2023. وقد اتسم الموقف المغربي بالحذر المتزن، مفضلاً عدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية، مع التأكيد على ضرورة استعادة الاستقرار عبر الحوار. من جهة أخرى، تشكل النيجر شريكاً مهماً للمغرب في إطار الرؤية الملكية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب، وتطوير شبكات الربط الإقليمي، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، وتبادل الخبرات في مجالات الطاقة، خاصة الطاقات المتجددة، وهو قطاع يحظى باهتمام بالغ من الطرفين. مع تعيين السفير عبد الله كيتا في الرباط، تفتح صفحة جديدة من التعاون المغربي النيجري، مبنية على رؤية واضحة لتعزيز التكامل الإفريقي، ودعم الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيارات متبادلة على مستوى المسؤولين، وتوقيع اتفاقيات جديدة تعكس تطلعات البلدين نحو شراكة متجددة وشاملة. في المحصلة، فإن المغرب والنيجر، بما يجمعهما من تاريخ مشترك وأهداف تنموية متقاربة، مرشحان للعب أدوار متقدمة في رسم ملامح مستقبل التعاون الإفريقي، في ظل سياق دولي متغير وحاجة القارة إلى شراكات مبنية على الاحترام المتبادل والتضامن الحقيقي.